عادي

أدباء عرب في قبضة اللغات الأجنبية

00:03 صباحا
قراءة 6 دقائق
القاهرة: مدحت صفوت
ماذا نعرف عن الثقافة العربية في خارج البلاد العربية؟ في الوقت الذي تبدو إجابة السؤال «الكثير» في نظر البعض، يرى آخرون أننا «نعرف القليل»، و«القليل جداً»، ويمكن اعتبار كلتا الإجابتين صحيحتين، إذ تتوقف الإجابة على حسب موقع كل فرد من مفهوم الثقافة من جهة، ومن مدى متابعته ومعرفته بالثقافة العربية في عمومها من جهة أخرى.
مفهوم الثقافة العربية في طبيعته واسع وشامل، ولو أننا أفسحنا المجال للإطلاق، بالتأكيد ربما تكون الإجابة أننا نعرف النذر اليسير عن الثقافة العربية داخل أوطانها أو خارج الحدود، ومن ثمّ يتطلب الأمر هنا تحديداً دقيقاً لمسارات الثقافة، بخاصة وأنها كمفهوم تشير إلى الأبعاد الحضارية والعوامل التي أدت إلى ظهورها، وتحوي مجمل النشاط الإنساني في حقول الإبداع الفكري والأدبي والفني، وغيره. بالتالي، كي تصبح الإجابة أكثر دقة، يمكن أن نعيد طرح السؤال بصيغة أخرى: ماذا نعرف عن الأدب العربي خارج البلاد العربية؟ ما يعني إمكانية التوقف أمام شقين، الأول الأدباء العرب الذين يكتبون بغير العربية، والثاني يتعلق بحضور ترجمة الأدب العربي في الثقافات الأخرى.
ظاهرة لم تنقطع
بالنسبة للأدباء العرب الذين يكتبون بلغات أخرى، فأظن أننا نعرف الكثيرين، أو على الأقل نعرف المتحققين منهم، ولا نبالغ إن قلنا إن ثمة حركة نشطة وواضحة تتعلق بترجمة الأعمال الأدبية العربية المكتوبة بلغات أخرى، مما أوجد لدينا رصيداً كبيراً من إنتاج العرب المكتوب بلغات أخرى، الأمر الذي دفع بعدد من الكتاب إلى تتبع الظاهرة، حتى أصبح لدينا مؤلفات عدّة تتناول الأدباء العرب الذين يكتبون بلغات غير العربية، أبرزها كتاب «المغتربون.. الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية» للكاتب محمود قاسم، صدر في العام 1996 بعنوان «الأدب العربي المكتوب بالفرنسية»، قبل أن يعيد نشره مع إضافة فصول إليه، كذلك كتاب «منفى اللغة» لشاكر نوري، من منشورات «دبي الثقافية»، وهو عبارة عن حوارات مع أدباء فرانكفونيين.
وبالنسبة للكتاب العرب الأمريكيين، وبسبب كثرتهم، صدرت موسوعة «ما بعد جبران» في العام 1999 من جامعة سيراكوز بالولايات المتحدة، وقد شارك الشاعر الليبي خالد مطاوع، الذي يكتب أيضاً باللغة الإنجليزية، في تحريرها. أما الناقدة الفلسطينية سلمى خضرا الجيوسي، فقد خصصت فصلاً في كتابها «موسوعة الأدب الفلسطيني» يخص الشعراء والكتاب الفلسطينيين الذين يكتبون باللغة الإنجليزية وهم: فواز تركي، ولينا الجيوسي، ونتالي حنضل، وحنان ميخائيل عشراوي، وأمينة قزق، وليزا سهير مجج، وشريف الموسى، ونيومي شهاب ناي.
ويرى محمود قاسم في كتابه أنَّ همَّ الكاتب العربي الذي يكتب باللغة الفرنسية لم ينحصر في الانبهار فقط بالثقافة الأوروبية، بل كان همُّه الأول هو البيئة العربية وثقافتها القديمة والحديثة، ولذا، فنحن نقول إننا أمام أدبٍ عربي مكتوب باللغة الفرنسية، لأنه مرتبطٌ بالمكان الذي يُكتَب عنه، وبالناس الذين يعيشون في هذا المكان، بثقافتهم وسلوكهم الخاص والعام، أي أن الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية ليس أدباً فرنسياً، رغم أنه منشور في دور النشر الفرنسية، ومكتوب بالفرنسية، لكن اللغة لم تصنع أبداً هوية قومية مختلفة للكاتب الذي ولد عربياً.
ولو أحصينا الأسماء العربية في مجال الأدب، لن تكفي القوائم، وبالطبع لا يتسع المقام للإلمام والإحاطة بأغلب المبدعين، لكن هذا لا يمنع من التعريج على بعض الأسماء وما أنجزوه من حضور غربي وعربي معاً، أمثال بوعلام صنصال، ورشيد بوجدرة، وياسمينة خضرة، وإدمون عمران المليح، والطاهر بن جلون، وإتيل عدنان، وتوني حنانيا، وأمين معلوف، ونبيل صالح، وفادية فقير، ووجيه غالي، وجمال محجوب، وليلى أبو العلا، وراوي الحاج.
حفاوة مزدوجة
وتحظى كتابات كثيرين من العرب بلغات أخرى بحفاوة مزدوجة، غربية وعربية معاً، هنا يبرز اسم الروائي الجزائري كمال داود، الذي يكتب بالفرنسية، وسبق أن فاز بجائزة البحر المتوسط الأدبية الفرنسية، عن روايته «زبور أو المزامير»، مناصفة مع الكاتب الأمريكي دانيال ميندلسون، وهي روايته الثانية، وسبق أن فازت روايته الأولى «ميرسو تحقيق مضاد» بجائزة جونكور للرواية الأولى عام 2015.
وبجانب داود، تحل ليلى سليماني، الكاتبة الفرنسية من أصل مغربى، والتي عينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ممثلته الشخصية للفرانكوفونية، بعد عام على فوزها بجائزة جونكور عن روايتها الثانية «أغنية هادئة» الصادرة عام 2016. وسبق أن فازت سليماني بجائرة المأمونية المغربية عن أول أعمالها الأدبية «حديقة الغول» الذي صدر عن دار جاليمار في العام 2014.
ومن اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية، يحل حالياً اسم الليبي هشام مطر، وقد حصد جائزة بوليتزر عن روايته «العودة» التي صدرت عن دار نشر راندوم هاوس، كما حازت روايته الأولى «في بلد الرجال» في العام 2006، ست جوائز دولية، وترجمت إلى 28 لغة أجنبية، واختيرت روايته الثانية «تشريح اختفاء» في 2011 من بين أفضل الكتب في العام ضمن استطلاع صحيفتي الجارديان وشيكاجو تريبيون.
الغياب عن الإعلام
الحفاوة لا تقتصر على المبدعين والأدباء، بل نالت أيضاً الباحثين والنقاد والمفكرين، أمثال إدوارد سعيد، وإيهاب حسن، ومحسن الموسوي، ومحمد أركون، وفي الوقت نفسه هناك أسماء أخرى لم تحظ بالحفاوة أو الحضور الإعلامي في العالم العربي، مثل اسم عبد الكبير الخطيبي، الأديب وعالم الاجتماع المغربي، والمولود في 11 فبراير/ شباط 1938 بمدينة الجديدة المغربية «جنوب الدار البيضاء»، والمتخصص في الأدب المغاربي، وله إسهامات نقدية أثارت ردود أفعال متفاوتة، وهو المهتم بتحليل النظم الثقافية المادية والرمزية، ومع الحضور الغربي للخطيبي، إلى الدرجة التي دفعت فيلسوف التفكيك الفرنسي جاك دريدا بتأليف كتاب عن عبد الكبير يعنى بثنائية اللغة، فإن الحضور العربي لمؤلف «النقد المزدوج» يظل باهتاً، وبقيت كتاباته الفكرية والإبداعية نخبويةً للغاية، قياساً بما تستحقه من الدراسة والنقاش.
وبالابتعاد عن الخطيبي، المتوفى في 19 مارس / آذار 2009، فإننا نجد باحثاً آخر، في بداية العقد الخامس من عمره، وهو الفلسطيني الدنماركي ثائر الجشي، الباحث في جامعة كوبنهاجن، والمتخصص في دراسة الفكر الإسلامي، خاصة في جانبه التراثي، وهو يحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، وعمل بشكل خاص مع اللاهوت الإسلامي والفلسفة والتصوف في ما يتعلق بما يسمى «العصر الذهبي» للحياة الفكرية الإسلامية في العصور الوسطى، كذلك التيارات الفكرية التي سادت العالم العربي على مدى المئة عام الماضية، بما في ذلك الإصلاح الإسلامي ونقد التقاليد والإسلام السياسي والعلمانية.
وفي دراسة عن بواكير الفلسفة الإسلامية، يقدم الجشي في دراسته المنشورة الدنماركية والإنجليزية، رؤية تتحدى الصورة التقليدية لصوفي القرن العاشر الحسين بن منصور الحلاج والمتوفى سنة 929 ميلادية، باعتباره صوفياً مناهضاً للفلسفة.
جسور
أما في ما يتعلق بترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، فباتت الشكوى من «النقص العظيم» كليشيهاً، ثابتاً، يجري ترديده كلما حل الحديث عن ترجمة الأدب العربي، وهي مقولات صحيحة وحقة، لكن صيغتها البكائية قللت مع الوقت من صدقها أو إحالتها إلى «شماعة» نعلق عليها أحياناً ضعف حضور الأدب العربي في الثقافات الأخرى.
مع فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988، بدأت الترجمة تتسع بعد أن اقتصرت لفترة طويلة على أسماء معدودة، أبرزها في السرد يوسف إدريس، وفي الشعر محمود درويش، وتبدأ الدائرة تستوعب أسماء جديدة مثل جمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم وإدوار الخراط وإبراهيم عبد المجيد، وعرفت الكتابات العربية طريقها إلى لغات مثل الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية أوالإيطالية، على سبيل المثال لا الحصر، وتكبر دائرة الترجمة مع صدور جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1996، ثم بعد سنوات تزايدت الجوائز العربية، وصارت الروايات والكتب الفائزة تجد طريقها إلى الترجمة التي اتسعت جداً بعد ظهور جائزة البوكر العربية عام 2007.
ومن المؤكد أن الترجمة ليست نشاطاً ترفياً، أو زائداً، يمكن الاستغناء عنه، وهي ليست مجرد نقل من لغة إلى لغة عبارات مسطورة بين دفتي كتاب، لا تخلق تياراً فكرياً، ولا تدخل في نسيج رؤية الوجود والحياة. ومن ثم تظل عاطلة من الطاقة الدافعة للحراك الاجتماعي. وإنما هي نشاط منوط بتحقيق أهداف عدة، أهمها الإشارة دوماً إلى الخارج، الآخر، فضلاً عن توسيع دائرة الحوار والمعرفة، وتوسيع لدائرة الفعالية، ومن ثم حرية الإنسان والمجتمع.
الآمال المتعلقة بالأدب العربي وما يستطيع تحقيقه في بناء الجسور الحضارية، تدفعنا إلى ضرورة الحديث عن مأسسة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، وتكريس المشاريع الثقافية العربية، وبلورة استراتيجية للنهوض بهذه المهمة، يتوفر لها الدعم المادي والإعلامي، علها توسع من دائرة الحضور الثقافي العربي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/252av82c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"