عادي

الجذور الشرقية للحضارة الغربية

23:06 مساء
قراءة دقيقتين
جون هوبسون - غلاف

القاهرة: «الخليج»

يفترض كتاب الغرب ومفكروه، بشكل نمطي، أن الغرب القديم ظهر على قمة العالم نحو سنة 1492 (عام اكتشافات كريستوفر كولومبوس) وذلك بفضل عقلانيته العلمية، وقلقه المنطقي، من هنا تأتي النظرة التقليدية السائدة بأن الأوروبيين ينتشرون إلى الخارج فاتحين الشرق والغرب الأقصى، في الوقت الذي يرسون فيه مسارات الرأسمالية، التي يمكن بها نقل العالم كله من أنياب الحرمان والبؤس إلى نور الحداثة، وبالتالي فإنه يبدو أمراً طبيعياً أو مسلماً به للأغلبية العظمى، دمج قصة تاريخ العالم في نهضة وانتصار الغرب.

هذا الرأي التقليدي يمكن أن نطلق عليه «المركزية الأوروبية»، ففي أعماقه تكمن فكرة أن الغرب يستحق بجدارة شغل البؤرة المركزية لتاريخ العالم المتقدم، بماضيه وحاضره، لكن هل يستحق الغرب هذه المكانة؟ الادعاء الأساسي لهذا الكتاب وعنوانه «الجذور الشرقية للحضارة الغربية» لمؤلفه جون هوبسون، وترجمة منال قابيل، هو أن هذا الرأي، حول مركزية أوروبا، هو رأي خاطئ، لعدة أسباب، ليس أقلها أن الغرب والشرق كانا متصلين بشكل أساسي ودائم منذ عام 500 ميلادية.

وأكثر أهمية، مع فارق التشبيه، يبرهن «مارتن بيرنال» على أن الحضارة اليونانية القديمة، كانت بالفعل مأخوذة، من مصر القديمة، وعلى نفس النسق يناقش هذا الكتاب قيام الشرق (الذي كان أكثر تقدماً من الغرب طوال الفترة بين عامي 500 و1800) بدور مهم في تمكين الحضارة الغربية الحديثة من نهضتها، فالشرق جعل نهضة الغرب ممكنة، من خلال عمليتين رئيسيتين، هما نشر المعارف، والاستيعاب، والاستيلاء من جانب الغرب، فأولاً: خلق الشرقيون اقتصاداً عالمياً وشبكة اتصالات عالمية بعد عام 500 نشرت في الغرب أكثر الموارد الفكرية الشرقية تقدماً، حيث تم استيعابها بعد ذلك.

ثانياً: قاد الاستعمار الغربي الأوروبيين بعد عام 1492 إلى الاستيلاء على كل أشكال الموارد الاقتصادية الشرقية، لتمكين نهضة الغرب، باختصار لم يمهد الغرب لنهضته بشكل مستقل عن المساهمة الشرقية، ومن هنا فإن مهمة الكتاب هي رصد إسهامات الشرق المتعددة، التي أدت إلى تقدم الغرب. يغذي الكتاب الجدال بين فكرتي مركزية أوروبا، وعدم مركزيتها، ويختلف الطرح الرئيسي له مع أحد الاقتراحات الأساسية لفكرة المركزية الأوروبية، التي تقول إن الشرق كان متفرجاً سلبياً على قصة تطور العالم، كما كان ضحية، أو بمثابة المتكأ للقوة الغربية، وبالتالي يجوز منطقياً تهميشه في تاريخ التطور العالمي.

يقول المؤلف: «إن جانباً مهماً من هذا الكتاب هو رد الاعتبار لما تم إغفاله من أماكن غالباً ما تم تجاهلها بصفتها هامشية، وشعوب مهمشة لكونها أدنى» الادعاء الرئيسي في الكتاب أن إنكار مركزية أوروبا لدور الشرق، وإسقاطه من عملية النهضة الغربية، هو أمر غير ملائم باستثناء أنه سلبي أو أنه مياه راكدة في التيار الرئيسي لتاريخ العالم الغربي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s67pujy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"