تعقيدات اللقاء بين السوداني وبايدن

00:44 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

التقى في واشنطن، ظهر الاثنين الماضي، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بالرئيس الأمريكي جو بايدن، في لقاء هو الأول من نوعه بينهما منذ تسلم السوداني السلطة في بغداد، منذ نحو عام ونصف العام، في ظروف شديدة التعقيد، خصوصاً بالنسبة إلى لعراق، حيث أضحى الصراع غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران على أرض العراق، ما أثّر كثيراً في قدرات الحكومة العراقية الحالية، والحكومات السابقة، على النهوض ببرامجها، صراعاً يكاد يكون مباشراً بين طهران وواشنطن، في ظل المواجهة المتصاعدة بين طهران وتل أبيب، التي تلقى كل الدعم والمساندة من جانب الولايات المتحدة، فضلاً عن الظروف شديدة القسوة التي تواجه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة جراء الحرب الإسرائيلية الممتدة منذ أكثر من ستة أشهر، وعجز المجتمع الدولي عن وقف هذه الحرب، بسبب الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل في هذه الحرب.

رئيس الوزراء العراقي كان يُعد لهذه الزيارة منذ وقت طويل، بهدف التوصل إلى تفاهمات جديدة مع الولايات المتحدة بشأن وضع قوات التحالف الدولي، والاتفاق على «شراكة أمنية» بين البلدين، وفقاً لما جرى بحثه في الجولة الأولى للحوار الثنائي بين بغداد وواشنطن، لإنهاء مهمة «التحالف الدولي»، في البلاد التي كانت قد بدأت السبت 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، تحت رعاية رئيس الوزراء العراقي، وتعثرت بسبب الغارة الجوية الأمريكية التي شنتها الولايات المتحدة على مواقع لفصائل مقاومة عراقية، وأخرى سورية، إثر تعرض القاعدة الأمريكية التي تحمل اسم «البرج 22» الواقعة على الحدود السورية- الأردنية، لهجوم أدى إلى مقتل ثلاث جنود أمريكيين.

فقبل مغادرته إلى الولايات المتحدة تحدث السوداني للصحفيين عن هدف الزيارة، وقال إنها «تأتي في ظرف دقيق وحساس على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك على مستوى ظروف المنطقة، وما يحصل في الأراضي الفلسطينية من جرائم تجاه الأبرياء، فضلاً عن المخاوف من اتساع نطاق الصراع»، موضحاً أن لقاءه بالرئيس الأمريكي «سيتناول البحث في ظروف المنطقة، وما تشهده من تصعيد، والدور المشترك في العمل على التهدئة ومنع الصراع من الاتساع، بما يؤثر في مجمل الاستقرار في العالم»، لكنه عاد إلى التركيز على الهدف الجوهري للزيارة بقوله إنها «تحمل الرغبة في بناء شراكة استراتيجية مستدامة قائمة على الاحترام المتبادل، وحفظ أمن العراق ووحدة أراضيه». مشيراً إلى أن اللقاء سوف يستعرض عمل اللجنة العسكرية العليا بين العراق والتحالف الدولي، بهدف الوصول إلى جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف الدولي، والانتقال إلى علاقات ثنائية مع الدول المشاركة في التحالف.

وأكد السوداني أن هدف الزيارة هو الانتقال بالعلاقات مع الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة، تتضمن تفعيل بنود (الاتفاق الإطاري الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن الموقّع عام 2008)، التي تتماشى مع برنامج الحكومة الذي يركز على الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وفي سائر المجالات المهمة مع مختلف دول العالم.

هذه المعاني كرّرها رئيس الوزراء العراقي في لقائه الأول مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في البيت الأبيض. فبعد أن استعرض التعقيدات المستحدثة في المنطقة في فلسطين، والمواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، أبلغ السوداني بايدن ما يريده قائلاً: «تشهد العلاقة بين العراق والولايات المتحدة منعطفاً مهماً، حيث نبحث الأسس المستدامة لشراكة شاملة وطويلة الأمد، قائمة على أسس الاقتصاد والأمن والتعليم وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين، وضمان الهزيمة المستمرة ل (داعش)».

الرئيس الأمريكي لم يشر إلى هذه القضية في بداية حديثه مع السوداني، حيث طغت أولوية الدعم الأمريكي لإسرائيل على حديثه، وحماية أمن شركائها في المنطقة، بما في ذلك العراق، واكتفى بوصف الشراكة بين بلاده والعراق بأنها «بالغة الأهمية، وأن كلاً من العراق والولايات المتحدة، سيعملان على هزيمة «داعش»»، وفي تعقيبه على حديث رئيس الوزراء العراقي، اكتفى الرئيس الأمريكي بالتركيز على «تجنّب تمدد النزاع في الشرق الأوسط إلى أبعد مما هو عليه الآن»، وقال: «نحن ملتزمون بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار يعيد الرهائن (الإسرائيليين لدى حماس) إلى منازلهم، ويمنع تمدد النزاع إلى أبعد مما هو عليه الآن».

لم يتحدث الرئيس الأمريكي عن «انسحاب أمريكي من العراق»، وهو ما ذهب من أجله رئيس الوزراء العراقي إلى واشنطن، وتطالب به معظم الفصائل العراقية. وإذا كانت زيارة رئيس الوزراء العراقي لم تكتمل حتى كتابة هذا التحليل فإن السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوفسكي، قد صرحت من مقر السفارة الأمريكية (24/3/2024) بأن «عمل التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة مع العراق لهزيمة (داعش) بشكل كامل، لم ينته بعد». وزادت أنه «رغم تراجع (داعش) كثيراً، فإننا لم ننجز عملنا بشكل أساسي، ونريد التأكد من أن القوات العراقية يمكنها مواصلة هزيمة (داعش)».

تصريح السفيرة الأمريكية يُعد مؤشراً لنوايا واشنطن في عدم الانسحاب من العراق، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الخصوص: كيف سيكون ردّ السوداني، وكيف سيعود ليتعامل في بغداد مع من يجعلون قضيتهم الأولى هي «طرد الأمريكيين من العراق»؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrynvknk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"