عادي
صدر في الشارقة

السرد الإماراتي.. كثافة دلالية ورمزية

01:01 صباحا
قراءة 5 دقائق
عزت عمر

الشارقة: علاء الدين محمود
كتاب «سوسيولوجيا النص السردي.. دراسات نقدية وتحليلية في السرد الإماراتي»، للكاتب عزت عمر، الصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة في طبعته الأولى عام 2010، يُعد من المؤلفات البحثية المهمة التي تعمل على الإحاطة بالسرد الإماراتي من منطلقات سوسيولوجية، إذ يربط المؤلف الأعمال الكتابية السردية بالواقع، والمنطلقات، والظواهر الاجتماعية، عبر رصد المجتمع ومتغيراته، وكذلك البيئة ومفرداتها، وأثرها في الأدب، والسرد تحديداً، ومن هذه النقطة يكتسب الكتاب أهمية في الحراك الأدبي والثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

جاء الكتاب في 156 صفحة من الحجم الصغير، ويستعرض مجموعة من القضايا، عبر مقدمة وعناوين مهمة، في أربعة فصول، هي: «البحر.. ممارسة ثقافية وفضاء دلالي»، ويتناول مفردة البحر في السرد الإماراتي، مع نماذج قصصية وروائية، مع التركيز على رواية شاهندة، للكاتب راشد عبد الله النعيمي، كنص تأسيسي في تاريخية السرد الإماراتي، فيما يحمل الفصل الثاني عنوان «القصة النسائية القصيرة في الإمارات»، ويركز على مفهوم السرد النسائي ومعانيه، وكذلك مسألة الذكورة من خلال الواقعين، الأدبي والاجتماعي، ويستعرض عدداً من الكتابات منذ جيل الرواد، وهو يشتمل على عناوين، مثل: «الجيل المؤسس والاحتجاج على الذكورة»، «الجيل الجديد.. تفتيت الصورة القديمة»، «فاطمة المزروعي والمصائر الحزينة»، «عائشة الزعابي ومدن الحزن»، و«باسمة محمد يونس.. علاقة خطرة».

  • اتجاهات جديدة

يتناول المؤلف في الفصل الثالث من الكتاب، والذي جاء بعنوان «الرواية النسائية في الإمارات»، الاتجاهات والتيارات الجديدة في السرد النسائي الإماراتي، ويغوص عميقاً في العوامل التي شكلت هذا النوع من السرد في مجالات الرواية والقصة، ومن ضمنها المتغيرات، الاجتماعية والعصرية، ويتضمن هذا الفصل: «الوعي الجديد وجدل الماضي والراهن»، «الرواية والواقع»، «سارة الجروان والواقعية السحرية»، «الواقع الجديد يعكس وعياً جديداً»، «عينان يا حمدة لآمنة المنصوري»، «النزعة الرومانسية هرباً من تعقيدات الحياة الجديدة»، «رائحة الزنجبيل لصالحة عبيد غابش»، إضافة إلى عناوين أخرى، أما الفصل الرابع فجاء تحت عنوان «الإبداع السردي والتحولات الاجتماعية والثقافية داخل المدينة الإماراتية»، ويركز هذا الفصل على المتغيرات الكبيرة في مجتمع المدينة الإماراتية وتحولاتها، وانعكاس ذلك على السرد، من خلال تأمل شامل، وتنقيب عميق عبر العديد من النماذج السردية التي تفصح عن محاور أخرى، مثل: «ضجر طائر الليل لإبراهيم مبارك»، «سيح المهب لناصر جبران»، و«راس ذي يزن لسعاد العريمي»، كما يشتمل الكتاب على ثبت بالمصادر والمراجع وأسماء الكتاب والكاتبات في الإمارات.

  • تنقيب

الكتاب يعتمد على التفكيك والتحليل العميق للنماذج السردية، والذي يهدف إلى الكشف عن التحولات والمتغيرات الاجتماعية في الدولة، وأثرها في المواضيع والكتابة السردية، انطلاقاً من كون أن الوجود الاجتماعي يتعرض للتغير على مستوى البنية الثقافية، والفكرية، والإبداعية، من خلال التطور الذي يطرأ على مستوى المجتمعات، حيث يبرز وعي جديد وتفكير مختلف، لكن الماضي يأبى أن يتلاشى كلياً، فيظهر في شكل ظلال في السرد، إذ دائماً ما يسافر الكاتب بوجدانه، ويتلفت بقلبه، نحو زمن مضى «زمن الطيبين»، وتكمن براعة المؤلف في ذلك التنقيب اللافت، حيث تحضر الكثير من المؤلفات القصصية والروائية، الأمر الذي يجعل الكتاب سهل الهضم، رغم الحمولة النقدية، على القارئ.

  • نخبة ثقافية

ويشير الكتاب إلى أن القصة والرواية تختلفان عن الحكاية الشفاهية التقليدية، بأنهما تنتميان إلى حقل الكتابة والفكر، وبالتالي، فإنهما تحتاجان لكي تظهرا للوجود، إلى مجتمع متعلم، وإلى ظهور نخبة ثقافية فيه على تماس مع المنجز القصصي والروائي العربي، أو العالمي، وهذا أمر بديهي؛ لأنه لا يمكن للإنسان إنتاج سلعة لا طلب لها، على العكس من الشعر الذي يمكن للمرء أن يسمعه، ويحفظه، ويتعامل مع فنياته عبر المشافهة، ويوضح الكتاب أن الجغرافيا إذا كانت قد فرضت على المجتمع الإماراتي، والخليجي عموماً، شيئاً من العزلة نتيجة لانحصاره ما بين صحراء قاسية وبحر، إلا أنه، وكما هو معروف، تمكن من كسر عزلته هذه عن طريق ارتياد البحر، والتجارة البحرية منذ قرون خلت، بل إن المنطقة، كما ذكر العديد من الباحثين، شهدت ازدهاراً اقتصادياً طوال القرن الثامن عشر، باتت معه موانئ الخليج عموماً، والإمارات بخاصة، محطات رئيسية تنطلق منها السفن المحملة بالبضائع إلى الهند، والصين، وإفريقيا، والبحر الأحمر، وأوروبا، ويعود فضل هذا الازدهار إلى أبناء المنطقة الذين برعوا في البحر وعلومه، بعدما برز منهم ربّان كبير هو أحمد بن ماجد، الذي وضع كتباً في أصول الملاحة، وكان لهذا الازدهار أن يتخذ مساره التاريخي لتتحوّل البلاد إلى مركز صناعي وتجاري مهم، لولا التدخلات الاستعمارية المعروفة، والغزو الأوروبي لهذه الديار، وضرب الأسطول التجاري وصناعة السفن، واستنزاف مصائد اللؤلؤ، وفرض الشروط المجحفة بحق المواطنين، الأمر الذي أعاد البلاد إلى المربع الأوّل، وأبقاها في نمط اقتصادي محدود، قائم على الرعي والزراعة والصيد، حتّى ظهور النفط، واستيقاظ الفكر العالمي على بشاعة الاستعمار، والسعي للتحرر منه، ما أرغم بريطانيا على الانسحاب.

  • ازدهار

ويلفت الكتاب إلى أن الحياة الثقافية مع التعليم الرسمي في الإمارات العربية المتحدة، وحضور الكتب، والمجلات، والجرائد المطبوعة، التي بدأت تتنامى شيئاً فشيئاً، جعل الطلاب يتعرفون إلى فنّ القصّة، سواء من الوسط التعليمي، أو من خلال الاطلاع على ما يكتب في الجرائد، والمجلات، فنشأت القصة خجولة في ظل هيمنة قويّة للشعر المتجذر في المجتمع، ونخبه، ولكن على الرغم من ذلك، نشأت خلال حقبة السبعينيات طفرة حقيقية في النشاط الثقافي والإبداعي، حيث سعى الكتّاب والمثقفون الإماراتيون، بكل حماسة، لتكريس حضورهم في المشهد الثقافي، الخليجي والعربي، وأدّى ذلك إلى تطوّر الأساليب القصصية، من مرحلة البدايات الصعبة تقنياً، إلى القصّة الفنية المتطورة، ومعها ستبدأ الرواية بالظهور مع تجارب كل من عبد الله راشد النعيمي، وعلي أبو الريش، وغيرهما حتى أوائل الثمانينيات، لتسجل القصة حضورها القوي، ومما يلفت النظر في سيرة القصة الإماراتية هو مشاركة المرأة المتعلّمة في الكتابة، بالرغم من البيئة الاجتماعية المحافظة، حيث أكّد النقاد والباحثون أن مشاركتها كانت نديّة، سواء في إطار الأطروحات الفكرية، أو الجمالية، حيث اتسمت كتاباتهن بالكثافة الدلالية، والرمزية التي تصل بالقصص إلى مستويات متقدمة، كما يشير الكتاب إلى أن هنالك بعض القضايا بعينها التي انشغل بها الكتاب، وعلى نحو خاص أدب البحر، ورمزياته، مع سعي الكتاب الإماراتيين لتأكيد الهوية الإماراتية والتعبير عن جملة من القضايا المستجدة التي طالت المجتمع والثقافة في الإمارات.

اقتباسات

يحضر البحر ككائن مشخصن بصورة أب متعالٍ يحنو ويقسو، أو كمركز وإطار مرجعي.

استطاعت الكاتبة الإماراتية أن تقدم إسهامات في إغناء القصة القصيرة

وبرزت أسماء كثيرة.

كأن شخصية المرأة في قصة (لعبة الرفض)، تستعيد حكاية شهريار وتعيد تمثيلها.

مريم جمعة فرج في مجموعتيها «ماء» و«فيروز»، سعت إلى تجاوز مشكلة الصراع بين الذكورة والأنوثة.

في مجموعة (مواء امرأة)، التمست فاطمة الكعبي نموذجاً جديداً في كتابة الذات الأنثوية.

طالما كان الإنسان هو المحور الأساسي للرواية، فإن العلاقات الاجتماعية تشكل حضوراً في بنية النص.

الناشر دائرة الثقافة في الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2vy6zzbf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"