عادي

مخيلة سوريسكو تعيد ترتيب الأحداث والشخوص

02:11 صباحا
قراءة دقيقتين
أصدر عبد الكريم قاصد ترجمة عربية لمنتخبات شعرية للشاعر الروماني «مارين سوريسكو»، تحت عنوان «البحث عن صورة هيجل» عن دار أروقة للنشر والتوزيع في القاهرة، حيث تتميز القصائد بقصرها وكثافتها، فتجربة الشاعر تلتقي بتجربة شعب كامل، لديه من الهواجس والعذابات ما لدى الشاعر نفسه، وهذا ما حاول أن يلخصه الشاعر شيموس هيني في قوله إن عجوزاً من الإسكيمو سألت: لماذا كل أغاني شعبك قصيرة جداً وشديدة الإيجاز؟ فأجابت: أغانينا قصيرة لأننا نعرف الكثير.
غير أن هذه المعرفة الجادة لم تمنع الشاعر من ممارسة سخريته، التي أدخلت شعره في تلك المنطقة الخطرة في الشعر، المنطقة الشبيهة بالمسرح، حيث تتداخل الأشياء: الظل والضوء، اللعب والحلم، الفكر والأحاسيس، الوضوح والغموض، في عالم شعري واحد.
ترجم شعر مارين سوريسكو إلى العديد من اللغات الأجنبية ومنها الإنجليزية في ترجمات مختلفة، واحتفاء واضح، ومن بين الذين أسهموا في ترجمته، الشعراء شيموس هيني وتيد هيوز وبول ملدن وآخرون، وبعضهم اعتمد لغات أخرى في الترجمة كالشاعر الإنجليزي مايكل هامبرغر، الذي اعتمد اللغة الألمانية في ترجمته.
يرى كاصد أن الترجمة عن الأصل قد تختلف اختلافاً كبيراً بعضها عن بعض، ويبقى على الناقل من لغة أخرى إدراك عالم الشاعر والاطّلاع على هذه الترجمات باختلافاتها وتناقضاتها أحياناً، للوصول إلى ما يقترب من عالم الشاعر، وهذا لا يتحقق إذا كان الشاعر أصلاً، لا يتعامل مع اللغة بدقة، حين تحيل القصيدة إلى كل شيء، ولا تحيل إلى شيء، على النقيض مما نجده في لغة سوريسكو الخالية من الزوائد، والتي تكاد تكون صلبة بل حيادية في بعض الأحيان، لكنها تخفي وراء صلابتها اتساعاً، يفتحها على العديد من الاحتمالات والتأويلات، لا لأن كلماتها تحيل إلى ذلك، بوصفها مفردات قائمة بذاتها، بل بوصفها أجزاء من بناء، يستوقف كل هؤلاء الذين يختلفون في تفسير مدلولاته، لكن من الصعب أن يختلفوا في رؤية هذا البناء، الذي يحافظ على شكله في لغاته المختلفة، ما يدفعنا إلى النظر إلى الشكل، من خلال منظور أوسع من حصره في الألفاظ ذاتها أو في تداعياتها.
في مقدمة لإحدى مسرحيات سوريسكو المترجمة إلى العربية كتب عبد الكريم كاصد: «في مسرح سوريسكو ثمة تاريخ وواقع ومخيلة تجمع الاثنين معاً وتحيلهما إلى عالم لا يعود القارئ يسأل فيه: أيهما تاريخ وأيهما واقع؟ عالم تتقاطع فيه الشخصيات والأحداث، وتفترق في حركة لا تتوقف عند أحدهما لتعطل مسار الآخر، وهذا العالم رغم خصوصيته وغرائبيته ليس هو نقيض العالم الواقعي وتاريخه، ومثلما هو ليس مرآته وقد كسر المرآة ليذهب إليه مباشرة بأوهامه وتفاصيله واختلاطاته التي لا تكشف عنها وثيقة أو كتاب، وإنما مخيلة الكاتب في مسرحية تعيد ترتيب الأحداث والشخوص فيحضر ما هو غائب فيها، ويغيب ما هو حاضر فيها، ويصبح الواقع الحقيقي في المسرحية هو الواقع ذاته ونقيضه في آن واحد، وهذا ما ينطبق على شعر سوريسكو الذي لم يكن بعيداً عن المسرح في أجوائه وموضوعاته أيضاً».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"