عادي
الترجمة العربية الأولى لكتابه عن المسألة اليهودية

سارتر.. فيلسوف الحرية المعادي لحقوق الفلسطيني

04:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة «الخليج»:
أصدرت دار روافد للنشر والتوزيع الترجمة العربية الأولى لكتاب «جان بول سارتر» (تأملات في المسألة اليهودية)، الذي ترجمه إلى العربية د. حاتم الجوهري، وقدم له بدراسة عنوانها: «سارتر بين الصهيونية وسلب الحق الوجودي للفلسطينيين»، حيث يشير المؤلف إلى أن فيلسوف الحرية وقع ضحية لمنهجه الظاهري في مقاربة الظاهرة الإنسانية، ما جعله يتخذ قراراً تعميمياً بدعم حرية يهود أوروبا والعالم، على حساب حرية العربي الفلسطيني.

يقوم الأساس المنهجي لكتاب سارتر على مجموعة من الانطباعات الظاهرية، واستطلاعات الرأي الذاتية التي قام بها بين سكان أوروبا من اليهود وغيرهم، ليخلص إلى نتيجة تقول إن شخصية اليهودي عبر التاريخ، ليست سوى شخصية سلبية مظلومة، جاءت أفعالها كرد فعل على الآخرين.

لم يسعَ سارتر في مقاربته للمسألة اليهودية، إلى البحث عن أسبابها التاريخية، إنما سعى إلى بحث ودراسة مظاهر وأشكال «الصورة الذهنية» المسبقة لليهود في أوروبا، لكنه وظف هذه الصورة لدعم الصهيونية، ووصفها فلسفياً، باعتبارها ممارسة لحرية اليهود، وتطور وعيهم بذاتهم.

كان سارتر يرى أن اليهودية ليست سوى «موقف» صنعه العالم لليهود من خلال معاملتهم باعتبارهم يهوداً؛ وليس لليهود أي ذنب أو تدخل في ذلك إطلاقاً، فاليهودية- عنده- موقف يخلقه العالم«الآخرون لليهودي ليس إلا..» مسقطاً عنهم المسؤولية التاريخية كجماعة أو مجموعات وجدت عبر التاريخ، ومعتبراً أن الصهيونية تمثل «الموقف المشترك» الوجودي الجديد المضاد والحقيقي؛ الذي من خلاله يرد اليهود على موقف الرد فعل والتهميش والقهر التاريخي - من جانب العالم - الذي يصورهم به سارتر.
ربط سارتر في مغالطة سياسية ومنطقية واضحة بين اضطهاد اليهود في أوروبا، والحل المتمثل في الصهيونية واحتلال فلسطين، ربط كذلك بين «الهولوكست» وعقدة الذنب الأوروبية والفرنسية تحديداً، والتعويض الذي اعتبر أن الصهيونية هي الممثل له، وبعد أن ربط بين اليهودية ومعاداة السامية، ثم بين معاداة السامية والحل الصهيوني.. أخذ الأمر لأبعد من ذلك بحيث أصبح رفض الصهيونية، باعتبارها حركة عنصرية واستعمارية يساوى معاداة السامية.
إلا أن سارتر على الرغم من تلك الأسس التي اعتمد عليها؛ أظهر عدة نقاط تناقض الأطروحة الكلية له، فلقد اعترف - على سبيل المثال - بشكل مفاجئ في أحد مواقع الكتاب بوجود نمط يهودي في التاريخ كان السبب في العداء لهم، واعتمد هذا النمط على الندية والامتيازات والتفضيل، ورغماً عن سارتر، اعترف بأن ذلك النمط كان الأصل في بناء وتشكيل تلك الصورة النمطية، التي تحدث عنها طوال الكتاب، ومن خلال الدراسة التي أعدها المترجم، نجد أن سارتر قد أسقط حق العربي الفلسطيني في سعيه للبحث عن حرية وجودية متساوية وعادلة مفترضة لكل البشر وفق فلسفته الوجودية، وحاول تجاهله تماما في فترة الدعاية للمشروع الصهيوني، وما قبل إعلان الدولة حتى إقامتها أواخر أربعينيات القرن العشرين؛ حيث صور سارتر العربي وكأنه امتداد للنازي الأوروبي المضطهد لليهود والمهدد لوجودهم، على عكس الحقيقة وكون الصهيونية مشروعاً أقيم على حساب سلب الحرية الوجودية للفلسطينيين، حيث نظر سارتر لهذه الفترة على اعتبارها فترة تهديد للوجود الصهيوني الناشئ، الذي تبناه منذ تأسيسه أواخر الأربعينيات.
وبعد حربي 67 و73 حاول الموازنة بين تبنيه للصهيونية، وبين مشكلة الشعب الفلسطيني الذي أصبح مشتتاً في بلدان العالم، وأصبح في موقف وجودي مماثل تماما ليهود أوروبا، حيث وقع سارتر في حالة عجز عن مواجهة المعضلة التي وضع نفسه فيها، ولم يجد أمامه من سبيل سوى الحلول التوفيقية، حيث لا يستطيع التراجع عن دعمه السياسي ل «إسرائيل».
يمكن القول إن المحدد الرئيسي الذي حكم سارتر في الفترة الأخيرة من حياته إزاء القضية الفلسطينية وعلاقته بالصهيونية؛ كان لا يسمح بالاقتراب من مكتسبات المشروع الصهيوني العنصري، واعتبار العرب ضحايا مضطهدين بدورهم، لكن يجب عليهم أن يتعايشوا مع الوجود الصهيوني، ويرضخوا لسلطته السياسية في الواقع، ويجب عليهم عموماً أن يقبلوا بمساحة من الوجود السياسي المقيد، في ظل السيطرة السياسية الغالبة للصهيونية وهيمنتها وجودياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"