عادي
انعدام المهنية والأخلاق يتصدّر دوافعها

«الاستقالات الجماعية».. رؤية مبكرة لانحراف «الجزيرة»

05:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: فدوى إبراهيم

«الرأي والرأي الآخر»، ذلك الشعار الغريب المريب الذي بنيت عليه السياسة الإعلامية لقناة «الجزيرة» القطرية في العلن، وروّجت له بوصفه يمثّل نقلة نوعية في الفضاء الإعلامي العربي وسابقة ليس لها مثيل، لم يدم طويلاً في جاذبيته، على الأقل بالنسبة لمن خاضوا تجربة العمل في القناة، حتى انكشف المستور وظهرت الحقيقة لهم، وتبيّن ما ينطوي عليه الشعار من مغالطة واضحة منافية لكل القيم المهنية والأخلاقية والموضوعية، فحدثت استقالات جماعية متوالية.
ولم يسبق أن حدثت استقالات جماعية وفردية من قناة فضائية للسبب ذاته: انعدام المهنية والأخلاق الذي شهده المستقيلون في التعامل مع العمل الإعلامي. وهذا ما شهده العالم حين انسحب عدد كبير من الطاقم الإعلامي للقناة، بعد أن وجدوها تعدّ نفسها إمبراطورية، تفعل ما يحلو لها، لدعم سياستها التي تقوم على قلب الحقائق وتشويهها والتحريض، وزرع الكراهية ونشر الفتنة.
كان أبرز مشهد حدث وعلق في أذهان الأكثرية، هو استقالة جماعية لخمس من مذيعاتها، عام 2010، وهن: لونة الشبل، وجمانة نمور، ولينا زهر الدين، وجلنار موسى، ونوفر عفلي، حينها دهش المتابعون وبدأت التخمينات، هل السبب نوع اللباس وفرض الاحتشام كما أشيع؟ إلا أن المؤشرات والدلائل التي تدوولت حينها، كانت تدور عن ما هو أعمق، وهو أخلاقيات المهنة الإعلامية، وهو بالفعل ما صرحت به جمانة نمور بعد حين، حيث أكّدت أن الحشمة والحجاب لم يكونا بين نقاط قائمة الشكوى التي تقدمت بها إحدى عشرة مذيعة آنذاك للقناة، بل هي أمور مهنية. وهو الأمر ذاته الذي دفع الإعلامية المصرية منى سلمان لترك القناة لأسباب تحريرية في القناة، ونوران سلام التي أوضحت أن أسباباً مهنية تخص دولتها مصر قادتها للقرار.
حينما تكون إعلامياً ولا تستطيع أن تنطق بالحق، وما يمليه عليك ضميرك المهني، فأنت لست بإعلامي، الإعلام مهنة يراد بها كشف الحقيقة لا طمرها، تسليط الضوء عليها لا إعتامه، بعضهم أبى أن يعيش في الظلمات، وغيرهم أكملوا المسيرة.
آخرون اتخذوا الموقف ذاته في التخلي عما يودي بهم في الدرك الأسفل، حيث صرح الإعلامي غسان بن جدو عام 2012، حينما أطل على إحدى القنوات الفضائية اللبنانية، أنه لم يستطع أن يكمل مسيرته في القناة رغم أنه من مؤسسيها، وأنه ضد أي إعلام منحرف يبتغي التحريض والفتنة، حيث وصلت القناة إلى نقطة لم يعد يحتملها على المستوى السياسي، وانعدام المهنية والأخلاق، فاتخذ موقفه بالاستقالة.
يذكر أن مدير مكتب الجزيرة في مصر، حسين عبدالغني، استقال من القناة في 2010، وعام 2013 أعلن مراسل الجزيرة في مصر- الأقصر، حجاج سلامة عن استقالته على الهواء، خلال ظهوره في برنامج تلفزيوني على إحدى القنوات المصرية، فرغم أنه عمل فيها منذ عام 2003، فإنه أكد خلال حديثه، أن التحول الذي شهدته القناة كان ملزماً لمن يمتلك أخلاقاً مهنية وضميراً حياً أن يترك العمل، حين أصبحت عدوة لمصر، ففي الوقت الذي كان يغطي فيه الأحداث للقناة، كان بحسب قوله يقطع الاتصال معه، في الوقت الذي لا يروق للقناة بث الحقيقة ونقل صورة الواقع، لإثارة الفتنة وتضليل الوقائع على الأرض. تبع حجاج في الاستقالة عدد من الإعلاميين منهم خلف أمين، وحسن عبد الغفار، وكارم محمود وفاطمة نبيل وغيرهم الكثير للأسباب ذاتها، وانحيازها إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وإجبار المراسلين والصحفيين على إظهار واقع مغاير للأحداث على أنها حقائق، وإغراؤهم بالأموال للاستمرار في عملهم.
تجربة الإعلامي الإماراتي طارق الزرعوني، رغم أنها صغيرة بمداها الزمني، حيث كان الإماراتي الوحيد في القناة بين 2002 و2004، فإنه أبى أن تمر تجربته دون توثيق، فأصدر كتابه «وحيداً في الجزيرة» المؤلف من سبعة فصول، متناولاً فيه خبايا القناة وإعلامها المنحاز، مبيّناً أن سمعة القناة وصيتها أول ما ظهرت أغرته، كما أغرت غيره للالتحاق بها، إلا أن ما خفي كان أدهى وأمر، ومخالفا لكل مهنية، وهذا ما حداه إلى تأليف كتابه، لكشف زيف ما تدعيه القناة من حرية التعبير والرأي الآخر، وفضح سياساتها التحريرية المسيّسة، التي لم ينتج عنها إلا الدمار وخراب الأوطان والبلدان، وفقدان الأمن، وزرع الفتنة.
سلسلة الاستقالات لم تقف عند حد معين، حتى يكاد من الصعب حصر عدد الخارجين من القناة وأوحالها الدامية، من الذين أبوا أن تهان كرامة دولهم وتزيّف حقائق الأحداث لمصلح قناة ارتضت أن تكون منبراً للفتنة، الإعلامي المصري يسري فودة، صاحب برنامج «سري للغاية» رغم كونه من مؤسسيها المهنيين كذلك، نفى أن يكون الخلاف مادياً بينه وبين القناة، وهو ما أشيع في مرحلة ما، بل أكد أنه موضوعي، وهو ما استشعره الكثر ممن يعملون في القناة، وعلى إثره اتخذوا قرارات استقالاتهم، وبعد تفكيره ملياً في قرار استقالته، اتخذه دون رجعة، بعد تغطية الثورة المصرية، مؤكداً أن القناة بدأت تنحرف عن خطها المهني في الخطاب الإعلامي للسنوات الخمس أو الست الأولى من انطلاقتها.
ومؤخراً، خلال العام الجاري، أعلن الإعلامي السعودي علي الظفيري، استقالته من «الجزيرة»، وجاء في بيان استقالته التي نشرها على تويتر: «طاعةً لله وولاة الأمر حفظهم الله، وانحيازاً للوطن، والتزاماً بسياساته وقوانينه، أستقيل من قناة الجزيرة متمنياً التوفيق لكل أهلي وزملائي هناك».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"