عادي
«يا عمري» مشروع ينهض على الذاكرة الجمعية

هادي زكاك : أنقب في التاريخ للمحافظة على الذاكرة

01:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
دبي: مصعب شريف

في فيلمه الجديد «ياعمري»، الذي عرض، أمس، في مهرجان دبي السينمائي، يتتبع المخرج اللبناني هادي زكاك، شيخوخة جدته «هنريات» التي تخطت المئة سنة من عمرها، ويرصد عبر آلية السرد العفوي المباشر، تحولات الذاكرة والهجرة من لبنان للبرازيل، وعلاقاتها مع الأولاد، ويفتح زكاك الباب عبر ذاكرة جدته على تاريخ المجتمع اللبناني، في محاولة لصون الذاكرة الجمعية للبنانيين عبر سيرة شيخوخة تحمل الكثير، بحسب ما يؤكد زكاك في لقائه مع «الخليج».
يحافظ زكاك في فيلمه الجديد، على الثيمة نفسها التي ظل وفياً لها لتضفي على مشروعه السينمائي خصوصية، لكونه مشروعاً ينهض على الأرشفة والحفاظ على الذاكرة الجمعية في بعدها السينمائي الإنساني، ففي فيلمه الأول «كمال جنبلاط.. الشاهد والشهادة»، رسم زكاك بورتريهاً إنسانياً لشخصية اللبناني الراحل، ليتبع الآلية نفسها في فيلمه «مرسيدس»، الحائز جائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقّاد السينما (فيبريسكي) «الوثائقي» 2011، في مهرجان دبي السينمائي.
ويرى زكاك أنه بهذه التقنية السينمائية يحارب النسيان والموت، مشيراً إلى ضرورة التوثيق في مجتمع أصبح فاقداً للذاكرة. يقول: «ربما تشكلت دوافعي لاتباع هذا النمط الوثائقي لأني نشأت بلبنان في فترة الحرب، وهي الفترة التي تفتّح خلالها وعي للناس والحياة، والسمة العامة فيها أن هنالك فقداناً للذاكرة، ونسياناً لا يزال مستمراً حتى الآن، لذلك رأيت أنه يتعين علي صيانة هذه الذاكرة من التجريف».
ويضيف: «هنالك صفحات من تاريخنا تطوى برحيل شخوصها من دون أن نفهمها بشكل جيد، لذلك دائماً ما أقول إن السينما الوثائقية وسيلة لمحاربة الموت والنسيان، والموت المعني هنا هو موت الأشخاص والتاريخ والذاكرة، لذلك أعمل على التنقيب في هذه الذاكرة للمحافظة عليها».
ويوضح أن الأمر لا يقتصر على فيلم «ياعمري» فقط، ففي «مرسيدس»، كذلك كانت قصة حياة سيارة وعائلتها منذ الخمسينات، ومن خلال هذه القصة تم استعرض التاريخ الاجتماعي اللبناني، من نظرتها، ليقول من خلاله إنها محاولة لأنسنة الحديد، لكونه يجسد المواطن العادي الذي رأى كل شي وأحس بشيخوخته. ويؤكد زكاك كذلك أن رصد الفعل الإنساني وخصوصيته عبر الحقب المختلفة، يعتبر من الأساسيات التي تمنح الفيلم معناه بالنسبة إليه، مشيراً إلى أن النجم الفعلي هو الإنسان، لذلك يعمل على رصد التفاصيل الإنسانية الصغيرة في أعماله، فنحن لا نخترع إنسان، إنما المعايير الإنسانية السامية، معايير الانفتاح وليس التعصب ورفض الآخر والظلامية التي تسيطر على عالم اليوم.
موضوعات أفلام زكاك الوثائقية، ربما تجد مساحة أكبر وانتشاراً أوسع، لو وجدت معالجة روائية، تقارب شخوصها بما يمكنها من الوصول لأكبر عدد ممكن، كمثيلاتها من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، إلا أن لصاحب «يا عمري» رأياً آخر، فمع موافقته على أن المعالجة الروائية يمكن أن تصل لعدد كبير من الجمهور، إلا أنه يراهن على حرية الفيلم الوثائقي الأكبر، ومجال اختباره الأوسع لكونه يجسد الواقع عبر أدواته نفسها، دون أن يخترع شيئاً.
شغفه واهتمامه بالتاريخ الإنساني في بلده دفعه منذ زمن باكر للتنقيب في تاريخ السينما اللبنانية، ليتخرج حصيلة بحثه في كتاب باللغة الفرنسية، يقول إنه لم يجد من يمول ترجمته ونقله للعربية، إلا أن مادته أضحت قديمة لمرور 20 عاماً على كتابته، معلناً اعتزامه إعداد كتاب آخر عن الموضوع نفسه، ويبدو زكاك مديناً لكتابه بالكثير، مشيراً إلى أنه مثل انطلاقته الحقيقية في مجال السينما، لتعريفه بالمخرجين والوسط السينمائي، وتمكينه من تحديد موضع قدمه من الأشكال السينمائية المختلفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"