عادي

براءة «أبو عبد الله الصغير» من ضياع الأندلس

02:28 صباحا
قراءة دقيقتين
القاهرة:«الخليج»

«وقائع ثورة الموريسكيين» عنوان كتاب هو الأكثر انحيازاً لوجهة النظر الرسمية، فمؤلفه «مارمول كارباخال» حاز شهرة واسعة وصار عمدة المؤرخين الإسبان وغيرهم عند الحديث عن ثورة الموريسكيين، ربما كان هذا الانحياز هو الذي صادف هوى في نفوس المؤرخين الإسبان القدامى، وهو الذي أدى بالتالي إلى أن يحتل مكانة لا يستحقها، حسب تعبير جمال عبد الرحمن مراجع الترجمة العربية للكتاب، فلماذا إذاً أقدم المركز القومي للترجمة على طباعة هذا الكتاب بجزأيه الضخمين، ما دام يحمل وجهة نظر تاريخية منحازة؟
الدافع للترجمة ومن ثم النشر، هو أن الكتاب يتضمن بعض وثائق لا نجدها في كتاب آخر، وبصدور هذا الكتاب يكون أمام المؤرخ العربي وجهات نظر متعددة، يكمل بعضها بعضاً، ويقدم قاعدة مكتملة لدراسة وقائع ثورة الموريسكيين، ذلك أن الكتب الأخرى التي عالجت الموضوع، وهي كثيرة، لم تخرج عن نطاق الكتب التي صدرت عن المركز القومي للترجمة، وهي «حرب غرناطة» الكتاب الأكثر موضوعية نظراً لمكانة مؤلفه «مندوثا» وطبيعته الثائرة، و«الحرب ضد الموريسكيين» وهو كتاب أقرب إلى الأدب منه إلى التاريخ.
«وقائع ثورة الموريسكيين» يتناول ثورة مسلمي إسبانيا في الفترة ما بين عامي 1568 و1570 احتجاجاً على الاضطهاد الذي تعرضوا له على يد السلطات الكاثوليكية الحاكمة، بعد أن نقضت تلك السلطات معاهدة تسليم غرناطة التي وقعها الملكان الكاثوليكيان في نوفمبر عام 1491 وهي فترة لم يلتفت إليها المؤرخون العرب كثيراً، والسبب في ذلك واضح فوثائق تلك الفترة كلها إسبانية اللغة، إلا رسالة هنا أو هناك موجهة إلى سلطان مسلم في تركيا أو مصر أو بعض فقرات وردت في كتاب.
يدعونا الكتاب للتوقف أمام بعض الفقرات التي ترد في بعض كتب التاريخ، فقد يضع المؤرخ على لسان شخص ما عبارة لا يمكن أن تكون قد صدرت عنه، لعل المثل الأكثر وضوحاً نجده في تلك الخطبة الشهيرة التي نسبت إلى طارق بن زياد، وهي خطبة فصيحة لا يمكن أن تصدر عن قائد حديث عهد باللغة العربية، وفي هذا الكتاب نجد عبارة منسوبة إلى أم الملك المسلم حينما رأته يبكي إذ قالت له: «ابك مثل النساء ملكاً لم تدافع عنه كالرجال».

إن سير الأحداث يوضح أن الملكة الأم شهدت ابنها وهو يدافع بكل ما يستطيع، وهي تعلم يقيناً أن سقوط غرناطة لم يكن بسبب ابنها، بل بسبب مجموعة عوامل بدأت قبل أن يولد، وبالتالي نستبعد أن توبخ الأم ابنها، كما أن المطالع لتطورات الأحداث التي سبقت سقوط غرناطة يدرك أن أبا عبد الله الصغير قد جاهد قدر استطاعته، بل إن اتفاقية تسليم غرناطة كانت نتيجة مفاوضات عسيرة أدارها شخص حريص على مستقبل الأندلسيين، وكثير من المؤرخين الإسبان يحاولون إنصاف أبي عبد الله، لكن معظم المؤرخين العرب يصرّون على إلقاء اللوم عليه، وكأنه هو الذي أضاع الأندلس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"