عادي
مشهد عابر لحدود المنطق

«إمبراطورية النور» لماغريت.. دراما تشكيلية تصدم المتفرج

02:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة: أوميد عبدالكريم إبراهيم

لم يكتسب الفنان البلجيكي الكبير رينيه ماغريت «1898 - 1967» شهرته الواسعة من خلال أعماله الفنية القيّمة فحسب؛ بل أيضاً بفضل أسلوبه الذكي في إثارة الأفكار عند النظر إلى لوحاته، فقد كان حريصاً على خلط مشاعر المشاهد، وخلق تصورات حول الواقع المحيط به بمجرد رؤية إحدى لوحاته؛ من بينها لوحة «إمبراطورية النور» التي تعتبر واحدةً من روائع الفنان البلجيكي، وأحد أعماله التي لا يزال الجدل محتدماً حولها إلى يومنا هذا، وأصبحت نُسخُ هذه اللوحة جزءاً من مقتنيات متحف الفن الحديث في الولايات المتحدة، ومتحف الفنون الجميلة في بروكسل، ومتحف «غوغنهايم» في نيويورك.

«إمبراطورية النور» سلسلة مؤلفة من ثلاث لوحات زيتية أنجزها رينيه ماغريت بين عامي «1949 و 1954»، وفيها يختلط الليل بالنهار في مشهد درامي عصيّ على التصديق، ويجسد صورة متناقضة لشارع وسط ظلام الليل، وينتصب فيه عمود إنارة وحيداً يبدد ظلمته الحالكة؛ في حين تبدو السماء التي تعلوه وكأنها في وضح النهار، ويصف خبراء الفن هذه اللوحة بأنها مستوحاة من أعمال الرسام الإنجليزي الفيكتوري جون أتكينسون غريمشو الذي اشتهر هو الآخر برسم المناظر وقت غروب الشمس.

اختلاج المشاعر

على الرغم من عدم اكتمال هذه السلسلة؛ إلا أنها حظيت بشعبية عارمة، وعُرضت أموال ضخمة في سبيل الحصول عليها من جانب عُشاق وجامعي الأعمال الفنية، وقد بيعت السلسلة بأثمان باهظة لاحقاً، وأرجعَ عدد من النقّاد سبب جاذبية هذه السلسلة إلى تضارب العواطف واختلاج المشاعر الذي يثيره منظر سماء النهار الصافية فوق مشهدٍ ليلي حالك الظلام، وقد كتب رينيه ماغريت نفسه عن هذه الجزئية قائلاً: «لقد ربطتُ مفاهيم مختلفة في (إمبراطورية النور) من خلال هذا المشهد».

رقعة «إمبراطورية النور» الشاسعة لم تقتصر على محيط الفن ونقّاده ومعجبيه؛ بل تعدَّته إلى مجتمع السينما والغناء، ففي عام 1973 استوحى فيلم «طارد الأرواح الشريرة» السينمائي أحد مشاهده من وحي هذه اللوحة التي ظهرت أيضاً في ملصق دعائي للفيلم، وذلك عندما كانت إحدى الشخصيات الرئيسية في الفيلم تقف أمام أحد المنازل؛ حيث يبدو ذلك مطابقاً بشكل شبه تام للمكان الذي رسمه ماغريت في لوحته، وفي عام 1974 استوحى المغني الأمريكي الشهير جاكسون براون غلاف ألبومه «ليت فور ذا سكاي» من لوحة الفنان البلجيكي.

عالم خاص

يقول مؤرخو الفن إن عدداً من الأعمال الفنية لرينيه ماغريت لم تُبصر النور، وإنما ظلَّت في ذهنه على شكل أفكار ومفاهيم، ويصفون الفنان البلجيكي بأنه لم يكن يعترف بالمستحيل الذي يتجلى في لوحة «إمبراطورية النور»؛ إذ كيف لليلِ والنهارِ أن يجتمعا في وقت واحد؟ إلا أن ماغريت كان يعيش بسلام مع أفكاره دون أي اكتراث بما يُقال، وكان يعكس رؤاه الداخلية في لوحاته ويعبّر عن عالمه الخاص بطريقته المتفردة؛ مع أنه كان يلجأ للأسلوب الانطباعي في بعض أعماله.

إذا ما وضعنا جانباً استخدام ماغريت لظاهرتين غير متناسقتين «الليل والنهار» في آن معاً، فإن لوحة «إمبراطورية النور» تجسد منزلاً مطليَّاً باللون الأبيض من الخارج في ليلة هادئة، ويُطلّ على بحيرة أو بركة صغيرة؛ كما تحيط به أشجار داكنة، وينبعث الضوء من بعض نوافذه، وهو ما يدفع إلى الشعور بالراحة والسكينة، ولكن هذه المشاعر تتبدد بمجرد النظر إلى أعلى اللوحة، ورؤية السماء النهارية الساطعة التي تتخللها غيوم جزئية، وقد كان الفنان البلجيكي مؤمناً بأن أسلوبه هذا كفيلٌ بإبهار الناظرين إلى أعماله الفنية.

مفارقات

توصف لوحة «إمبراطورية النور» بأنها من النماذج التي تعكس «المفارقات البسيطة» التي تتفرد بها غالبية أعمال رينيه ماغريت؛ لا سيما أن تلك «المفارقات» لا تظهر للمشاهد منذ الوهلة الأولى؛ بل تحتاج إلى التمعن في اللوحات قليلاً قبل اكتشافها؛ كما يصف آخرون هذه اللوحة بأنها أقرب ما تكون إلى السريالية؛ في حين يصفها فريق ثالث بأنها أشبه بصورة فوتوغرافية، نظراً للتفاصيل الدقيقة والجميلة التي حرص الفنان البلجيكي على إظهارها بحرفية في عمله الفني هذا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"