تخلى الجيش «الإسرائيلي» عن عقيدته العسكرية القائمة على شن «حرب خفية» ضد سوريا، وتحول إلى تبنّي استراتيجية عدوان معلن ومكشوف.
خلال يومي 19 و20 يناير/كانون الثاني، قصفت طائرات حربية «إسرائيلية» مواقع في العاصمة دمشق وجوارها، مستخدمة صواريخ «كروز» تطلق من الجو. وقد اعترضت الدفاعات السورية، وهي أنظمة دفاع جوي روسية، العديد من هذه الصواريخ.
ومع ذلك، أسفر الهجوم «الإسرائيلي» عن مقتل (استشهاد) أربعة عسكريين سوريين ووقوع أضرار في مطار دمشق المدني. وهذا يعادل جريمة حرب سافرة، تماماً مثل الضربات الجوية العديدة التي شنتها «إسرائيل» ضد سوريا في السابق.
وإنه لأمر مخزٍ أن تكون الأمم المتحدة وحكومات الغرب، قد التزمت صمتاً نفاقياً، بينما يفرض الغرب عقوبات على سوريا وروسيا بسبب «تجاوزات» مزعومة.
والأمر الغريب بشأن هذا العدوان «الإسرائيلي» هو أن حكومة تل أبيب اعترفت به علانية، وذلك على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو نفسه. وزعمت «إسرائيل» أن غاراتها الجوية الأخيرة استهدفت الوجود الإيراني في سوريا، حيث قال نتنياهو أثناء زيارة إلى تشاد: «لدينا سياسة محددة، هي استهداف التحصينات الإيرانية في سوريا».
وفي وقت سابق من يناير/كانون الثاني، كان نتنياهو قد تباهى خلال اجتماع لحكومته نقلت وقائعه على التلفزيون ب «تحقيق نجاح» في الضربات الجوية «الإسرائيلية» المتتالية ضد ما وصفه ب «أهداف إيرانية» في سوريا.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن إحدى هذه الضربات الجوية «الإسرائيلية»
( في سبتمبر/أيلول الماضي ) كانت قد تسببت بإسقاط طائرة استطلاع روسية خطأ بنيران الدفاعات الجوية السورية، لأن الطائرات الحربية «الإسرائيلية» حلقت خلف الطائرة الروسية مستخدمة إياها كستار. وأثار ذلك غضب روسيا، التي سارعت إلى تسليم سوريا نظام الدفاع الجوي المتطور «إس - 300». وهذا النظام ساهم بفعالية في اعتراض عشرات من الصواريخ التي أطلقتها طائرات حربية «إسرائيلية» داخل سوريا في غارات لاحقة.
والأمر المثير للاهتمام في الغارات الجوية «الإسرائيلية» ضد سوريا في الفترة الأخيرة، هو أن «إسرائيل» تخلت عن سياستها التقليدية المتمثلة
ب «لا تعليق» على غارات طيرانها ضد سوريا، وأخذت تعلن عن تفاصيل هذه الغارات. ويرى محللون أن من الممكن أن نتنياهو يحاول استغلال هذه الضربات لأهداف سياسية، حيث يسعى إلى تجديد ولايته في انتخابات مقررة في إبريل/نيسان المقبل.
ولكن يبدو أن هناك الآن تحولاً كبيراً في الإستراتيجية العسكرية «الإسرائيلية» تجاه سوريا وإيران. إذ إن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، قد دفع مختلف القوى في المنطقة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها. والقرار الأمريكي يعني أن روسيا أصبحت الآن القوة العسكرية الأولى في سوريا، ومن الممكن أيضاً أن يتعزز دورها الإقليمي في الشرق الأوسط. كما أن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد أصبحت تشعر بثقة أكبر في قوة مركزها.
وفي إطار هذا التحول، يبدو أن «إسرائيل» تحاول التأثير في التطورات السياسية والعسكرية في سوريا. فبعد فشل حربها السرية من أجل تغيير النظام في دمشق، تحولت «إسرائيل» الآن إلى سياسة عدوان مكشوف. وفي الواقع، إعلان «إسرائيل» عن غاراتها الجوية المتكررة على سوريا يشكل عملياً اعترافاً بارتكاب أعمال عدوانية وجرائم حرب..
وهذا كان واضحاً فجر يوم 21 يناير/كانون الثاني، عندما أطلقت مقاتلات «إسرائيلية» مغيرة، صواريخ «كروز» على مواقع في دمشق وجوارها، وذلك بعد أن وجهت «إسرائيل» تحذيراً إلى سوريا من مغبة إطلاق نيران دفاعاتها الجوية على الطائرات «الإسرائيلية» ( ! ). وعندما اعترضت الدفاعات الجوية السورية، العديد من القذائف والصواريخ «الإسرائيلية»، تحولت «إسرائيل» إلى استهداف الجيش السوري مباشرة. وأفادت تقارير عن مقتل ( استشهاد ) أربعة جنود سوريين.
إن هذا الانتهاك «الإسرائيلي» المكشوف للقانون الدولي، وكذلك تكثيف هجماتها العسكرية، إنما ينم ببساطة عن غطرسة القوة. وهذا يمكن أن تكون له عواقب.
* صحفي وكاتب بريطاني - موقع «استراتيجيك كلتشر»
