عادي
أفق

عالم جديد . . شجاع

03:01 صباحا
قراءة دقيقتين
باسمة يونس
في عام 1923 أصدر الكاتب الإنجليزي ألدوس هكسلي رواية "عالم جديد شجاع"، سجل فيها مخاوفه المتخيلة وشكوكه من أن يتمكن العلم من السيطرة على حياة الناس وتحويلهم إلى أتباع له، وملأ روايته بكل الصور التي تعبر عن مساوئ العلم بسبب سعيه إلى إقصاء الفنون والآداب وتجريد الإنسان من مشاعره المرهفة، وصورت مخيلة هكسلي "مدينة العلماء الفاضلة" التي ستهيمن بقوتها على العالم الجديد وتخفي له بذلك الكثير من المفاجآت غير السارة .
ولا شك بأن قدرة الأدب الذي ألهم العالم طويلاً العديد من الاختراعات والابتكارات المتطورة تمكنه من تحذير الناس من نتائج العلم مستقبلاً، وتوقع ما لا يمكن للإنسان العادي رؤيته، مقابل ما يمتلكه الكاتب من قدرات للتنبؤ بما يمكن أن يحدث، وهو ما جعل هكسلي يقول في روايته الكثير عن عالم أسماه عالم العقاقير والآلات، معبراً بذلك عن خشيته من دخول الناس أسفل معطف عالم آلي ومادي مرهق، تنتفي منه العاطفة وتتجرد الحياة من الجمال الطبيعي الذي تلهمه العواطف والمشاعر المرهفة والآداب .
وهكسلي ليس الكاتب الوحيد الذي تمكن بذكاء وموهبة نادرة من استطلاع نتائج العلم قبل حدوثها، لكنه عبر عن الكثير بجرأة، وخصوصاً حين قال إن العلم قد يصل بالإنسان إلى حد الاستغناء عن تكوين عائلة وعن الالتزام بالزواج، بعد أن أصبح من الممكن لمن يرغبون بذلك تكوين الأجنة في القوارير بطريقة علمية بدلاً من تكوينها في الأرحام، إضافة إلى المختبرات التي تسعى إلى اختيار الأطفال، والتحكم في تركبيتهم الكيميائية، وتكوينهم الجثماني واستعدادهم العقلي، وهذه الاختبارات سوف تسهم برأي هكسلي في إلغاء شخصية الفرد الأصلية ودخول العالم في هوة تشابه مرعب غير محمود .
إن العالم الجديد الذي يكتفي بالتكنولوجيا والآلة بعيداً عن الفنون والآداب، عالم مخيف يغامر بتخليه عن العواطف والمشاعر وارتباطه بالمعادن والمواد أكثر من ارتباطه بالقلوب والأرواح، وقد سجل هكسلي وقتها رأيه بالسينما التي ستعرض مناظر بشعة لن يتقزز الجمهور منها، والكتب التي لا تحمل في طياتها ما يعبر عن الفكر المستنير لانتمائها إلى عالم آلي تحرر من المشاعر الجميلة والخيالات الممتعة .
وعبر هكسلي عن خوفه مما سيحدث عندما يصل الإنسان إلى درجة التوقف عن التفكير، لأن الآلة تفكر عنه، وما تتسبب به سهولة الضغط على الأزرار للحصول على ما يريده، ويمكن أن يصل به إلى درجة الكسل والعجز والملل السريع، وهو ما يعيدنا إلى أهمية تعزيز الفنون والآداب، واستثارة الاهتمام باكتشاف أسرار العالم والطبيعة وممارسة الهوايات والرياضة الجسدية والتفكير والبحث، وهو ما يسير بنا على خط متواز مع التطور العلمي ليحمي الإنسانية من نتائج المستقبل الجديد المتوقعة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"