عادي
أفق

رؤى الشعر

03:07 صباحا
قراءة دقيقتين
عثمان حسن
ما الذي يجعل شعراً يخص شعباً ما، متمايزاً وخصوصياً، وذا نكهة تليق بهذا الشعب من دون غيره؟ بل ما الذي يجعل النقاد والباحثين يدرسون ظاهرة الشعر العالمي بوصفه شعراً إفريقياً أو لاتينياً أو آسيوياً وهكذا؟ وما هي الغاية من هذا التقسيم؟ من الواضح أن نكهة الشعر في أي مكان، ولأي شعب من الشعوب، هي ذات صبغة إنسانية وحضارية بالضرورة، ويبقى بعد ذلك مسألة تتعلق بالتصنيف والجذور والإرهاصات، هو ما يجعلنا مثلاً، نقرأ عن الشعر الياباني بوصفه ينطلق من تراث يتماهى مع فكرة الفناء، وليس الخلود، ولذلك ينحاز إلى الطبيعة، بكل ما فيها من ورود وعصافير ونباتات ومياه في سياق من التواضع الإنساني الخلاّق .
يمكن الاستدلال على هذا النموذج في أشعار آسيوية كثيرة، كما يمكن مقارنته بالقياس على كثير من الشعر العربي الصوفي مع اختلاف الوسائل والأدوات .
ولأن الشعر يقع دائماً في منطقة الحلم، فإن للجغرافيا وللتاريخ المشترك دورهما في بلورة نطاق مشترك، يعبر عن وعي عميق بحاجة الذات كيانياً إلى التفاعل والحوار مع الآخر المختلف، ولذا فإن فضاء اللغة لا يكون عائقاً حين يدرك الإبداع طريقه، ولا يضل بوصلته في فوضى انهماك الشاعر بكيانات وجغرافيا واحدة ووحيدة، التآلف والاختلاف، يمكن العثور عليهما في كثير من التجارب الشعرية المعاصرة المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، حين يدرك الشاعر ذلك الإرث المشترك عبر الأندلس والبحر الأبيض المتوسط، كما هو الشعر المكتوب بالإيطالية وغيرها من اللغات القريبة .
عودة إلى إنسانية الشعر، تجعلنا نتوقف عند كتاب (في الشعر الإفريقي/ جيل الرواد نموذجاً) من تقديم وترجمة المغربي الدكتور حسن الغرفي، والكتاب يجيء على مصطلح الزنوجة، التي ظهرت كحركة ثقافية وأدبية جديدة في مجلة "الطالب الزنجي" وأسسها في باريس ثلاثة شعراء متميزين هم: ليوبولد سنغور، ليون دامس، وايمي سيزير .
يقول سنغور في تعريفها "لسنا نحن الذين اخترعنا تعابير "الفن الزنجي" و"موسيقى زنجية" و"رقصة زنجية" إنهم الأوروبيون البيض، بالنسبة لنا، كان همنا الوحيد، أن ننهض بالزنوجة ونحياها ونعمق معناها -بعد أن نكون قد عشناها- لتقديمها للعالم كحجر الزاوية في بناء الحضارة الكونية" .
الشعر في معناه تعبير إنساني، وهو تأثر وانفعال، ورؤى وأحاسيس، هو أيضاً لغة الخيال والعواطف، وذلك الحيز الذي يلمع دائماً، كلما شرد الوجدان، وتهالكت المواقف، وأصيبت بالبلادة والخمول، وهو ملك الكلام الأنيق، الذي يشف موسيقى وإيقاعات ملونة، فيجرد العالم من سباته، ويدب فيه قوة جديدة ضد بطش اللحظة، واغتيال الطبيعة والكائنات .
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"