عادي
بلا ضفاف

كتاب «المثل السائر»

02:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
يعدّ كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» لأبي الفتح، ضياء الدين، نصر الله بن محمد الشيباني، المعروف بابن الأثير الكاتب المتوفى -637ه إحدى أمهات الكتب في الأدب والبلاغة والنقد، التي لم يكن يستغني متأدب أو كاتب أو شاعر قديماً عن النظر فيها، ولا تزال إلى اليوم تغذي نهم كل من يريد أن يطلع على فنون الأدب العربي القديم، وكل من يريد أن يتعلم أساليب الكتابة الأدبية، وذلك لما حوى هذا المؤلَّف القيم من الآراء التي تدور حول صناعة الكتابة، وتتعمَّق في أصولها في عصر ابن الأثير، وفي العصور التي سبقته، مقدماً جرداً موسوعياً لما استقرت عليه لدى العلماء وكبار الأدباء والنقاد ممن سبقوه وعاصروه، مازجاً ذلك بآرائه الخاصة وترجيحاته الذكية في فنون الأدب وتقنيات الكتابة، مع استشهادات من روائع النصوص التي خلفتها تلك العصور، فجمع كتابه بين الرأي والتطبيق، وحسن الاختيار، وجاء خلاصة لقرون عديدة من صناعة البلاغة العربية، هي قرون الصفاء والمجد الإبداعي في تاريخ الأدب العربي.
يظهر كتاب «المثل السائر» ما يتمتع به ابن الأثير من موسوعية علمية لا تقتصر على علم الأدب وما يرتبط به من نحو وبلاغة وشعر ونقد، بل تتجاوزه إلى سائر العلوم التي كانت تسود في عصره، من علوم القرآن والشريعة، وعلوم الفلسفة والمنطق والتاريخ والفلك وغيرها، كلٌّ يأخذ منه ابن الأثير بحظ محققاً شرط القدماء في أن الأدب هو الأخذ من كل علم بطرف، غير أن كل ذلك موظف لإبراز آراء الكاتب في فنون الكتابة الأدبية التي هي تخصص ابن الأثير الأول وملعبه الذي برّز فيه، ويشترط ابن الأثير للكاتب في عصره أن يطلع على عدة مجالات ويتعمق في معرفتها، تدخل في مجملها في المفهوم الموسوعي القديم للأديب، الذي يجعل منه عالماً متبحراً في عدة فنون اللغة والبلاغة والشعر والنثر، والتاريخ والشرع والأحكام السلطانية والإدارة بشكل عام، وهي شروط تبدو اليوم عسيرة لكنها كانت ضرورية لازمة للكتاب في ذلك العصر، خصوصاً وأن الكتابة كانت وظيفة خطيرة، فالكاتب يتولى ديوان الإنشاء للخليفة أو الملك أو السلطان، الذي يتكفل بكتابة رسائلهم ومخاطباتهم وقراراتهم الرسمية، وكان ابن الأثير نفسه كاتباً في ديوان الأيوبيين، وهي مسؤولية خطيرة تحتاج إلى علم وحكمة ودقة في اختيار الألفاظ وصناعة الأساليب.
يعتبر كتاب (المثل السائر) درساً في فن الأدب، يقدم للمبتدئين أصول هذه الصناعة، والخصائص التي يرتكز عليها أهم نوعين فيها، وهما الشعر والنثر، يقدم آراءه في أسباب القوة والضعف في كليهما، مستشهداً في ذلك بفحول الشعراء والكتاب الذين كان لهم أثر في تاريخ الأدب، كما يعتبر أيضاً كتاباً نقدياً؛ لأنه يفيض بكثير من الأفكار والآراء الحرة في الأدب والأدباء، ويقدم آراء نقدية خاصة به في أشعار فحول الشعراء كامرئ القيس، وتأبط شراً، والفرزدق، وأبي نواس وأبي تمام، وأبي الطيب المتنبي، وغيرهم من كبار شعراء العربية، وفي كثير من الأحيان تكون آراؤه موضوعية، وفي أحيان أخرى يصدر عن ذاتية وذوق خاص به، لكن آراءه في الأغلب عميقة وتدل على حصافة رأي.
يقول ابن الأثير في مقدمة كتابه، متحدثاً عن قيمة الاطلاع على كتابات السابقين بالنسبة لمن يريد أن يتأدب: «وأما النوع الرابع: وهو الاطلاع على كلام المتقدمين من المنظوم والمنثور، فإن في ذلك فوائد جمّة؛ لأنه يعلم منه أغراض الناس، ونتائج أفكارهم، ويعرف به مقاصد كل فريق منهم، وإلى أين ترامت به صنعته في ذلك، فإن هذه الأشياء مما تشحذ القريحة، وتُذْكِي الفطنة».


محمد ولد محمد سالم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"