عادي
أفق

القصيدة وضرورة التجديد

02:30 صباحا
قراءة دقيقتين
لا يتوقف الحديث عن التجديد في الحركة الشعرية العربية، إذ ظلت القصيدة العربية تراوح مكانها منذ ظهور قصيدة النثر التي ما زالت حتى اليوم تلاقي شداً وجذباً بين معترف بها وناكر لها، وبات كثيرٌ من الجدل اليوم يحمل "النثر" غياب التجديد .
لكن اللافت في الجدل الدائر هو أن أصحاب التجارب الشعرية المكرسة في الساحة العربية، يرمون بحمل التجديد على التجارب الشابة، ويرددون مع الكثير من النقاد، جملاً كثيرة تنصب في هذا الإطار، منها: على الشاعر الشاب التساؤل قبل أن يطرح نصوصه، ما الذي سيضيفه إلى الساحة؟ وما المختلف الذي سيقدمه؟
هذا السؤال الذي لطالما أرهق تجارب جديدة، بات ذريعة المشهد الشعري في الحديث عن غياب التجديد، إلا أن الأسئلة الأكثر جدوى في هذه العلاقة بين الشعراء المكرسين، والنقاد، والتجارب الشابة، هي: هل التجديد مهمة الشعراء الشباب؟ أم مهمة الشعراء الذين يملكون تاريخاً شعرياً متراكماً لسنوات وعقود؟، وهل التجديد نتاج حالات جديدة، أم نتاج خبرة وتراكم؟
الإجابات بالضرورة ستثير كثيراً من النقاش حول هذه العلاقات المتشابكة، إلا أن الأكثر قرباً للواقع والأكثر منطقية بينها، هو أن التجديد قبل أي شيء ضرورة وحاجة لدفع المشاريع الإبداعية في أي مستوى، وهو مطلب تتحمله التجارب المكرسة وليست الشابة والجديدة، إذ التجديد نتاج فعل تراكم معرفي مشغول بالوعي والدراية، وليس نتاج تجارب ليست ناضجة .
ولو فتح المتابع سيرة المدارس والحركات الثائرة في المشهد الإبداعي العالمي لوجد أن التجديد فيها جاء على يد تجارب مكرسة ولها تراكم هائل جعل من مشاريعها الثائرة تسير في خطوات ثابتة، فمثلاً مدارس الفن التشكيلي ظهرت على يد أسماء مكرسة .
ربما يحمّل الكثير من المتابعين قصيدة النثر عبء تأخر التجديد أو فتور النضوج الشعري في تجاربها، لكن هؤلاء لا يسألون، كم يبلغ عمر الثورة النثرية -إن جاز التعبير-، وكم يبلغ عمر آخر تجديد حدث على القصيدة العربية قبل قصيدة النثر .
الإجابة ستكون بمنتهى الوضوح، إن هذا التغير لم يمر عليه سوى عقود قليلة، غير كفيلة لإتمام الحالة وإحداث تراكم يؤهل المشهد لتجديد على صعيد الوزن، فالعائد إلى تاريخ التجديد في القصيدة العربية، يجد أن التجديد ظل يسير مبتعداً عن الوزن، وما جرى على الوزن بصورة مباغتة جاء خلال أقل من قرن واحد .
لذلك فإن الحديث عن التجديد اليوم لا ينبغي أن ينحسر في الوزن، فالقصيدة بنية، وموضوع، ومعنى، ومستوى لغوي، وغيرها من العناصر، كما يجب أن ينتبه الكثير إلى أن التجديد لا يشخّص إلا بالدراسة والنقد، واليوم القصيدة الحديثة تكاد تكون غائبة عن النقد بصورة كاملة، لذا سيظل ما يجري من تغيير عليها رهين ذائقة القراء وحدهم .

محمد أبو عرب
Abu .arab89@yahoo .com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"