عادي
وجوه من الإمارات

ماجد بوشليبي.. الإبداع بماء البحر

04:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: محمدو لحبيب

في منطقة «قلب الشارقة»، وفي المريجة تحديداً ولد الكاتب والباحث الدكتور ماجد بوشليبي سنة 1959 م، ومن عمق التاريخ الثقافي لتلك المنطقة، وعراقتها، وأصالتها، التقط كل مرتكزاته التي صنعت في ما بعد أسس تجربته الإبداعية الأدبية، وهو يقول عن ذلك: «أن تنشأ في قلب الشارقة يعني أن تلتقط التاريخ من الوجوه، من البيوت، والشوارع، من اتساع البحر وقربه منك، من المعالم التي شكلت بدايات الشارقة، من أول مدرسة هناك، من صحف الحائط، من كل مفردات الحياة، لقد كنت محظوظاً أني نشأت هناك»
لم تكن روح المكان فقط هي من أسهمت في تشكيل وعيه الرصين بالأشياء، ولا هي من شحذت قدراته ومواهبه، بل كان تأثير الوسط الأسري حاضراً كذلك: «الأدوات الأولى في رحلة المعرفة التقطتها كذلك من الأهل، كما التقطتها من قلب الشارقة الذي عشقته، فقد نشأت في جو عائلي فيه اهتمام بالعلم والشعر، وكان جدي شاعراً وراوية للشعر، وفي عشيرتي رجال من أهل العلم والدين، التحقت بالكُتاب وأنا طفل لا أكاد أدرك، وعلى الرغم من ذلك أتذكر جيداً ملامح معلمتي المطوعة، فقد كانت شابة فتية صارمة لا تفارق العصا يدها».
قصته مع البحر لم تكن قصة عابرة، بل كانت فيصلاً مهماً في حياته ونقطة مركزية فيها، يقول : «البحر هو جزء من تكويننا، كنا قريبين منه جداً، بمجرد أن تطل من بيتك تجده في مواجهتك، بكل ما فيه من غموض، ومن انطلاق، ثم سافرت مع والدي، وأنا في سن السادسة من العمر في سفينة، لذلك صافحتُ البحر مبكراً، وعلمني البحر الإبداع وعقدت معه علاقة ما زالت عراها لا تنفصم، تعلمت لغته، أنواءه، طباعه المتقلبة، كل ذلك أسهم في تشكيل ذائقة الجمال والعمق عندي مبكراً».
السفر كان كذلك جزءاً من البداية، فقد سافر مع عائلته إلى الكويت في بدايات دراسته في المدرسة الابتدائية، حين كان والده يعمل هناك، وهناك استطاع أن يكتشف مواهبه في مجالات عدة كالمسرح، والموسيقى، واللغة العربية، والكتابة القصصية، ويقول عن تلك التجربة: «في المدرسة هناك اشتركتُ في المسرح المدرسي، في الكورال الموسيقي، وغيره، كنت أحب القراءة جداً، والفضل في ذلك بعد الله، يعود لأستاذي، الذي كان يقدم لنا مادة غنية جداً خارج المنهج المدرسي، كنا نتنافس في حفظ مطالع المعلقات الشعرية، وغيرها، ثم بدأت الكتابة بفعل ذلك التراكم الثقافي وتلك البيئة التي نشأت فيها مبكراً».
أن تبدأ الكتابة بشكل مبكر، ربما هو أمر مر عليه الكثيرون، لكنه مع معظم الحالات كان مجرد تعبير بسيط لا يرقى إلى درجة الإبداع، لكن بوشليبي نجح مبكراً في أن يضع بصمته الإبداعية بشكل احترافي، فقد اختير ضمن أفضل خمسين كاتباً للقصة القصيرة في مسابقة في الكويت، وهو في سن العاشرة من عمره. ويقول موضحاً ذلك: «بدأت الكتابة وعمري تسع سنوات، واتجهت إلى القصة القصيرة، وحين كنت في العاشرة من العمر اشتركتُ في مسابقة للقصة في الكويت، ووقع الاختيار عليّ لأكون ضمن أفضل خمسين كاتباً فيها، لم يكونوا يعرفون عمري في البداية، وقد ساعدني ذلك التقدير والوصول لذلك المستوى من التنافسية على أن أشعر بالثقة، وأن أواصل دون تعثر البدايات التقليدي».
القصة هي الأساس عنده لكل ما كتبه حتى في مجالات أخرى من الأدب والفكر، ويقول عن ذلك: «القصة هي الأساس، ولقد بدأت علاقتي بها بالقراءة لأساطينها في العالم العربي، ولقد اكتشفت مبكراً أنها عالم يعلمك أشياء عديدة، من بينها القدرة على التكثيف والاختصار، والحبكة المتقنة في حيز صغير، وذلك ما انعكس في كتاباتي الأخرى».
كتب بوشليبي قصصاً عدة، من بينها: «الأرملة والمهر» و«حبة البندق» و«فاطمة»، ثم بدأت حكايته مع الكتابة المسرحية بعد ذلك، فكان من أوائل من نشروا نصاً مسرحياً في الإمارات، حيث نشر نصه «حمدوس» سنة 1983 . ويقول عن ذلك: «اتجاهي للكتابة المسرحية كان جزءاً غير منقطع من كتابتي الأدبية وشغفي بذلك العالم، كنت أشعر بأن المسرح يمكن أن يجمع بين القصة، واللغة وجمالها، والبيئة الأصيلة التي كانت المرتكز الأول لي، لذلك اتجهت إليه، وبدأت الكتابة فيه في سنة 1983، حيث كان نصي (حمدوس) من أوائل النصوص المسرحية الإماراتية، ولعل بدايتي مع المسرح كانت بسبب تجاور مكان عملي في البلدية مع قاعة إفريقيا، ومسرح الشارقة الوطني، حيث كنت أحضر هناك وأشاهد تلك الأجواء، وفي الثمانينيات أتى المخرج التونسي المنجي بن إبراهيم، وأنجز عرضاً مسرحياً لنص (حمدوس) في مسرح الشارقة».
ذلك الاشتغال الثقافي اتخذ وجهة أعمق بعد تعيينه سنة 1986 مديراً عاماً لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وكانت تجربة الدائرة مهمة له في جانبين: الدخول في تواصل مباشر مع المشروع الثقافي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والعمل تحت إشراف مباشر منه، وتلك تجربة غنية لأن أفكار سموه في هذا المجال لا تنضب وتتطلب مثابرة، فكان ذلك مدرسة جديدة له في مجال العمل الثقافي والإداري، ثم كان تواصله ضمن مهمته في ذلك المشروع الثقافي بكل فئات المجتمع وقطاعاته، كباراً وشباناً وصغاراً، مثقفين وصحافيين وطلاباً وناساً عاديين.

تخصص نادر

أدرك بوشليبي أهمية السياسات الثقافية، وندرة هذا المجال البحثي في الوطن العربي ككل، فاستطاع الحصول على الدكتوراه في هذا التخصص ، يقول عن ذلك: «حين أردت نقاش أطروحتي للدكتوراه في السياسات الثقافية، حضر متخصصون من عدة مجالات مختلفة، كان التخصص غير معروف، وغير محدد الملامح آنذاك، لقد أدركت أهميته من خلال البنية النظرية للثقافة، والتي تلتقي فيها أنماط عديدة معرفية خارج التصنيف الأدبي والفكري العادي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"