عادي

الحضور القطري في اليمن.. دور مشبوه وعلامات استفهام

06:24 صباحا
قراءة 6 دقائق
صنعاء:«الخليج»
كشفت الأدوار المباشرة وغير المباشرة، التي لعبتها دولة قطر سواء في حروب صعدة الست، التي خاضتها الدولة اليمنية ضد جماعة الحوثي المتمردة والانقلابية منذ منتصف عام 2004م حتى عام 2009م، أو دعمها لأذرعها الإعلامية، وخصوصاً المعروفة بتبعيتها أو ولائها لحزب التجمع اليمني للإصلاح «الإخوان المسلمين»، حقيقة تورط قطر في إشاعة التوتر، وتأجيج الفتنة والصراع الدموي في اليمن حتى الوقت الراهن؛ وذلك عبر دعم التحركات الحوثية والانقلابية، ومد الحوثيين بالسلاح منذ سنوات طويلة.
وقد وجَّه عدد من الكتّاب والمحللين السياسيين انتقادات واسعة للأدوار القطرية في اليمن، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية، وبمقدمتها عدن التي تتعرض بشكل دائم لمؤامرات تهدف إلى العنف والصراع، واتهموا مسؤولين في حكومة الشرعية من المحسوبين على «الإخوان المسلمين» بالوقوف وراء الحملات والمؤامرات، التي تستهدف عدن المحررة بتضحيات رجالها من المقاومة والجيش الوطني، وأيضاً تضحيات ومساندة الأشقاء بدول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.
كما انتقدوا دور وسائل الإعلام القطرية، وفي صدارتها قناة «الجزيرة» الإخبارية وأذرعها الإعلامية، التي تبث من داخل البلاد وخارجها؛ حيث تنشر معلومات وأخباراً مجردة من الحقيقة والواقع، وأرجعوا الأمر إلى مسعى تلك المنابر الإعلامية لتبرير الممارسات غير السوية، التي تخدم أهدافاً سياسية تتناسب مع توجهات قطر.
في شهر يونيو/ حزيران من عام 2006م، وفي ذروة تصاعد تداعيات الصراع بين جماعة الحوثي المتمردة والجيش اليمني، برزت دولة قطر كأول وسيط إقليمي يتطوع للقيام بمساعي لتسوية الصراع الناشئ والمحتدم في جبال صعدة، بأقصى شمال البلاد قبل أن تتكشف خلال السنوات اللاحقة حقائق اختزلت تفاصيل قاتمة لمخطط إيراني استهدف الدفع بالجماعة المتمردة للتحول إلى ميليشيا مدججة تمتلك القدرة على التوسع خارج حدود المحافظة الحدودية، وتهدد استقرار اليمن ودول الجوار وصولاً إلى اختطاف مؤسسات الدولة، والتسبب في حروب داخلية، لا تزال قائمة ومستعرة؛ حيث أفرزت تداعيات تجاوزت حدود الكارثة.
ويمكن القول، إن توقيع اتفاقية الدوحة في 2008م بين الدولة اليمنية من جهة وجماعة الحوثي من جهة أخرى، كان دافعاً معنوياً كبيراً شعر بموجبه الحوثيون بخروجهم منتصرين، وهو ما جسده الواقع الجديد ما بعد الحرب الرابعة، والتحضير للجولة الخامسة؛ حيث بدت جماعة الحوثي خلال تلك الفترة وكأنها أكثر قوة وخبرة من حروبها السابقة، ووضعت استراتيجيات حربية جديدة، وفتحت جبهات قتال جديدة، واعتمدت الهجوم عوضاً عن الدفاع، مستفيدة من التعويضات المالية، التي جنتها من الحرب الرابعة المقدرة بنحو 18 مليون دولار، واستغلالها في شراء الأسلحة، وتجنيد المزيد من المقاتلين الذين قدر عددهم بالآلاف، وهو ما اعتبره الحوثيون مقومات للدخول بجولة صراع جديدة، لينهار اتفاق الدوحة فعلياً بعد نحو أربعة أشهر من توقيعه، ولتتجدد الحرب في مطلع شهر مايو/ أيار من عام 2008م، ووفقاً لتلك المكاسب التي حققها الحوثيون توعدوا بنقل القتال إلى العاصمة صنعاء، وبالفعل حدث ذلك في ال 14 من الشهر والعام ذاته، من خلال اندلاع المواجهات المسلحة بين قوات الأمن وعدد من المسلحين في إحدى قرى مديرية بني حشيش المجاورة لمطار صنعاء الدولي شرق صنعاء.
واعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في دراسة ظاهرة جماعة الحوثي، الدكتور عبد الرحمن أحمد سلام الكاف في تصريح ل «الخليج»، أن الوساطة القطرية منحت الحوثيين أكبر مكسب تحقق لهم منذ أواخر عام 2004م، الذي اندلعت فيه شرارة تمردهم المسلح على الدولة من خلال الاعتراف الرسمي الذي وفرته لجماعة الحوثي من قبل النظام السياسي السابق، وإظهار الأخيرة كند للحكومة، وكمكون سياسي وهو ما يتقاطع مع الفتاوى الشرعية، التي صدرت بحقها، باعتبارها جماعة ضالة منحرفة عن الدين والملة، وخارجة عن القانون.
واتهم الدكتور الكاف، قطر بلعبها دوراً محورياً في تنفيذ المخطط الإيراني الهادف إلى خلق ذراع عسكرية لنظام الملالي، يتمكن من خلاله من تهديد استقرار اليمن ودول الجوار، وبخاصة المملكة العربية السعودية من خلال قيامها بدور وساطة أحيطت بالغموض والشبهات في أهدافها والآليات غير التقليدية التي اتسمت بعدم الشفافية في التعامل مع طرفي الصراع المحتدم في أقصى شمال البلاد.
من جهته، اعتبر الباحث اليمني الدكتور يحيى عبد العزيز الحمزي، الذي أعد دراسة حول حروب صعدة.. والتحول الدراماتيكي في مسار تكوين وظهور جماعة الحوثي، أن إيران لعبت دوراً فاعلاً في إعادة تفعيل الوساطة القطرية، مؤكداً أن الدبلوماسية الإيرانية أسهمت بدور نشط في الدفع باتجاه توقيع اتفاق جديد، لإنهاء الحرب ضمن أطر ضامنة لبقاء نفوذها المذهبي على الحدود اليمنية السعودية.
وأشار إلى أن اتفاقية الدوحة التي وقعت بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي برعاية الديوان الأميري القطري في 21 يونيو/ حزيران 2010م مثلت في مجملها اختزالاً لحالة انكسار غير مسبوقة لمفهوم الدولة أمام عنجهية الميليشيا المتمردة، منوهاً بأن قطر فرضت من خلال رعايتها لهذا الاتفاق حضوراً مغايراً للحوثيين على واجهة المشهد اليمني؛ حيث تحولت الجماعة المتمردة إلى طرف في أزمة ذات أبعاد مذهبية وطائفية، وممثل لأقلية شيعية مضطهدة.
وفي الأول من شهر أغسطس/ آب 2008م، وجه عضو مجلس النواب اليمني محمد بن ناجي الشايف اتهامات صريحة لإيران بالوقوف وراء الوساطة القطرية بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في محافظة صعدة، معتبراً أن هدف الوساطة غير المعلن تمثل في «تخفيف الضغط العسكري من جانب القوات اليمنية على المتمردين».
واعتبر الشايف، الذي ترأس لجنة الحريات في البرلمان اليمني، أن الوساطة القطرية جاءت في الوقت الذي أوشكت القوات اليمنية على حسم المواجهة لمصلحتها، مشيراً إلى أن القطريين حاولوا، عبر الوساطة التي فشلت مساعيها تكريس صورة قطر كدولة محورية مهمة في المنطقة، أما الحقيقة فهي أنهم مجرد رسل من إيران، في محاولة يائسة لمزاحمة الموقع السعودي في المنطقة والعالم.
من ناحيته، أكد الشيخ أحمد عبد العزيز الرميح وهو أحد الوجاهات القبلية الشابة المناهضة للحوثيين بصعدة في تصريح ل«الخليج»، أن من أهم المكاسب التي حققها الحوثيون من خلال الوساطة القطرية، تمكنهم من الحصول على امتياز نشر مذهبهم في صعدة، وإخراج المذاهب السنية منها.
ولفت إلى أن تحركات أعضاء وفد الوساطة القطرية، الذي كان يترأسه رئيس الديوان الأميري القطري آنذاك، لم تتسم بالشفافية، ولا حتى اللباقة من خلال الإشعار المسبق للحكومة اليمنية، مؤكداً أن هذه التحركات أحيطت بالكثير من الغموض، ما أفقد قطر، ومنذ وقت مبكر من تدشينها لوساطتها صفة الوسيط النزيه والمحايد.
من جهته، يرى الباحث والكاتب اليمني علي محمد السراجي، أن أهم مبادرات الوساطة من قطر، جاءت كجزء من استراتيجيتها الأوسع لحل النزاعات، التي شملت لبنان وفلسطين والسودان، منوهاً بأن المساعي القطرية بدأت من خلال زيارة في مايو/ أيار 2007، قام بها الأمير حمد بن خليفة آل ثاني إلى اليمن، وبحسب تقارير نشرتها صحيفة «الوسط» الأهلية اليمنية المقربة من جماعة الحوثي، فقد أرسل أمير قطر السابق، فريقاً من وزارة الخارجية إلى صعدة؛ بهدف الاجتماع بقيادة التمرد، كما سافر يحيى الحوثي إلى قطر، لينقل مطالب المتمردين، ونتج عن ذلك صدور إعلان مشترك لوقف إطلاق النار بتاريخ 16 يونيو/ حزيران 2007م؛ حيث يقوم هذا الاتفاق على قائمة من الأهداف العامة التي بقيت سرية، إلى أن نشرها المتمردون بعد نحو السنة، تشمل في جملة أمور: موافقة من قبل المتمردين على التخلي عن مواقعهم وأسلحتهم الثقيلة، إلى جانب التزام من الحكومة بإعلان عفو عام وإطلاق مشاريع إعادة إعمار مدعومة قطرياً في صعدة. كما نص على أن تقوم الحكومة بتشكيل لجنة أخرى تضم يمنيين من الجانبين، إضافة إلى قطريين، كي يسعوا للتوصل إلى اتفاق سلام.
وأشار إلى أن قطر عاودت حضورها في صعدة بتنسيق إيراني وموافقة أمريكية توجت توجهاتها الجديدة بإعلان الدوحة إنشاء «مؤسسة قطر لتنمية اليمن»، وهي تابعة لمؤسسة قطر للتنمية، التي وعدت حينها بتعهد مشاريع تنموية، وبناء البنية التحتية في محافظة صعدة وهو ما لم يتحقق.
و بالرغم من عدم وجود أدلة تثبت تورط قطر بشكل سافر في تزويد الحوثيين بأسلحة ومعدات عسكرية، إلا أن كافة المعطيات التي فرضتها طبيعة الدور والحضور القطري في اليمن من خلال الوساطة القطرية وارتباطها العضوي بالمخطط الإيراني الهادف إلى تعزيز قدرات الميليشيا المتمردة للتوسع خارج حدود صعدة تثير شكوكاً موضوعية في أن الحكومة القطرية أسهمت بدور لوجستي في تمكين الحوثيين من الحصول على أسلحة إيرانية من خلال دعمها غير المعلن للجماعة، الخارجة عن القانون، وحرصها على استمرار أنشطتها غير المشروعة وتوسعها خارج حدود صعدة، فيما لا يزال مبهماً حتى اليوم الأسباب غير المعلنة التي دفعت الدوحة إلى التراجع عن تسليم المنح التي التزمت بها في عام 2013م والمقدرة ب500 مليون دولار لحكومة الوفاق الوطني، المشكلة بموجب اتفاق المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"