عادي
نظمها مركز الخليج حول تعزيز ثقافتها في الإمارات

ندوة القراءة توصي بالارتكاز على الأسرة والمدرسة والإعلام

01:09 صباحا
قراءة 22 دقيقة
إدارة الندوة: حبيب الصايغ

أعدها للنشر: هاني عوكل وأميرة شهلاوي

لم تتوقف دولة الإمارات عن تقديم المبادرات المتنوعة التي تستهدف الإنسان باعتباره محور وأساس التنمية المستدامة، فهذه المبادرات هي امتداد طبيعي لفلسفة وتوجهات المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي اهتم بالاستثمار في الإنسان الإماراتي وتسليحه بالعلم والمعرفة وتمكينه بالمعارف على مختلف الصعد.
هذا الجهد الدؤوب في تعميق الثقافة الإماراتية يأتي في إطار سياسة واستراتيجية تتصل بتوسيع المعرفة ونقلها بين مختلف الأجيال، إذ تأتي مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، باعتبار عام 2016 عاماً للقراءة، خطوة جديدة تستكمل مسار الإمارات في تعزيز وترسيخ الثقافة وتعميقها بين مختلف أفراد المجتمع.
ولا يخفى على أحد حجم وكم ونوع المبادرات الثقافية التي استهدفت توعية أفراد المجتمع وحضهم على الاطلاع وتوسيع المعرفة، سواء تلك المبادرات التي اتصلت بتحديث البرامج التعليمية حتى تواكب التطور الثقافي والعلمي وتمكن الأجيال الجديدة من مراكمة المعرفة واستثمارها في الحياة العامة وخدمة القضايا والمكتسبات الوطنية، فضلاً عن مبادرات توجهت بإثراء عموم المشهد الثقافي والدليل على ذلك اهتمام القيادة الرشيدة بانعقاد معارض الكتب والمهرجانات الثقافية والجوائز المحفزة للأدباء والكتاب والشعراء.
وتعتبر تلك المبادرات الحكومية محفزات مهمة لتكريس المعرفة وتوفير بيئة ملائمة للتلاقح الثقافي والمعرفي والتبصر في مجال القراءة والثقافة العامة، ويشكل «تحدي القراءة العربي» أكبر مشروع عربي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي وعبر استراتيجية تقوم على قراءة 50 مليون كتاب خلال كل عام دراسي من قبل أكثر من مليون طالب، إلى جانب مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي وجه بتقديم مكتبة لكل أسرة وحضه على نشر ثقافة القراءة وديمومتها بين أفراد المجتمع.
هذه المبادرات الكثيرة والضخمة لتوفير مناخات تعزز من القراءة واعتبارها جزءاً من ممارسة الحياة العامة خصوصاً أن اكتساب العلم والمعرفة لا يتأتى إلا عبر المواظبة على القراءة.
وهذا يعني أن الكل شريك في التنمية الثقافية واستدامتها لتوليد الكوادر المهنية والمعرفية التي تقدم إضافة نوعية للارتقاء بالوطن، فليس هناك أغلى من رأس المال البشري، والدولة أكدت في أكثر من محفل ومناسبة أهمية المواطن والاستثمار في تنمية قدراته المعرفية وتطويرها على الدوام.
الدولة قدمت العديد من المبادرات التي تصب في خدمة المجتمع، وهذا التحدي المهم ينبغي أن يقابله تضافر كافة الجهود من القطاعين الحكومي والخاص وأفراد المجتمع لتكريس القراءة فعلاً ثقافياً مستداماً وليس موسمياً خصوصاً أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أكد أن «لدينا أزمة قراءة في عالمنا العربي وأن تشكيل مسار للتنمية قائم على المعرفة يتطلب الدفع بأجيالنا نحو القراءة والاطلاع».
إن توجهات الدولة في موضوع القراءة يتعلق باعتبارها سلوكاً ونشاطاً يومياً ينخرط فيه جميع أفراد المجتمع، لضمان تجسيد نموذج الإمارات عاصمة للمحتوى والمعرفة، الأمر الذي يشكل تحدياً حقيقياً لمختلف المؤسسات العاملة في الدولة من أجل ترجمة هذا التوجه على أرض الواقع، دون إغفال دور الإعلام الذي يشكل مرآة للمجتمع والناقل الأساسي لتفاعلاته ومسار تحركه وتطوره والشريك المهم في معادلة المسؤولية الاجتماعية.
تسلط هذه الندوة الضوء على المبادرات التي تعزز ثقافة القراءة في الإمارات، ودور مختلف القطاعات العاملة في الدولة لتمكين المعرفة واستدامة القراءة عبر مناقشة المحاور الآتية:
* المحور الأول: مبادرات تعزيز ثقافة القراءة في الإمارات وبرامجها التنفيذية.
* المحور الثاني: دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافية في تعزيز ثقافة القراءة في الإمارات.
* المحور الثالث: سبل توظيف التكنولوجيا الحديثة لتعزيز ثقافة القراءة في الإمارات

حبيب الصايغ: عام القراءة

نتحدث في هذه الندوة عن القراءة بمناسبة تخصيص العام 2016 عاماً للقراءة في الإمارات، بتوجيه من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وأمر ومتابعة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ولا يخفى على الجميع أهمية هذا التوجيه، والنظر إليه من نواحي كثيرة لكن من أهمها اهتمام الإمارات بالجانب المعنوي، بمعنى أن هذه الدولة التي تحقق تنمية سياسية واقتصادية تطرح نفسها كنموذج في التنمية والمساعدات الإنسانية وأمور كثيرة، فهي تهتم بالجانب المعنوي بعد أن ظن البعض أن هناك قطيعة مع هذا الجانب، وأن هناك هوة بين المادي والمعنوي في الإمارات، فكان عام 2008 مخصصاً للهوية الوطنية، وعام 2015 للابتكار، و2016 يخصص للقراءة، وهذا يدل على أن هناك برنامجاً ورؤية عند قادة هذه الدولة والحكومة، ويجب على المؤسسات الوطنية والأهلية أن تعبر عن ذلك ببرامج ومشاركة مسؤولة. نناقش في هذه الندوة ثلاثة محاور لتعزيز ثقافة القراءة في الإمارات، ولدينا مؤسسات ثقافية كثيرة، ولا أعتقد أن المؤسسات الثقافية هي وحدها المعنية بالقراءة، بل كل مؤسسة وطنية هي مؤسسة ثقافية.

محمد المر: الأسرة والمدرسة

هناك أسس لتعزيز ثقافة القراءة تستند بشكل رئيسي على الأسرة والمدرسة، إلى جانب الأساس الثاني وهو الإعلام والثالث البعد الاجتماعي، وأما الأساس الرابع فهو التحدي التقني، وبالنسبة للأسرة والمدرسة وبالاستناد إلى الدراسات السسيولوجية والاجتماعية التي اتصلت بظاهرة القراءة، اكتُشف بأن أكثر الذين يقرأون تأثروا بشخص معين، سواء بالأب أو الأم أو أستاذ في المدرسة يقرأ ويوجههم، أو صديق، وعندما ينشأ الإنسان في كنف أسرة تهتم بقراءة الكتاب، فإن الاحتمال كبير أن يتأسس الأبناء على حب القراءة، وبالرغم من أن الأمية لم تعد موجودة الآن، إلا أن هناك آباء وأمهات لا يقرأون وبالتالي سيكون من الصعب وجود أبناء يقبلون على القراءة مع مثل هذا المناخ الأسري. وبالنسبة للمدرسة أذكر أنني زرت أحد المدارس منذ فترة وألقيت محاضرة هناك وأردت مشاهدة المكتبة، وإذا فيها كتب تراثية ودينية مكانها ليس هنا، مثل «فتح الباري على شرح صحيح البخاري»، «أسد الغابة في معرفة الصحابة» وهو عبارة عن 20 مجلداً، لكن بالله عليكم في مدرسة إعدادية يوجد فيها مثل هذا الكتاب، والاعتراض ليس على الكتاب وإنما كونه متخصص لا يناسب الفئة العمرية من طلبة المدارس، الأمر الذي جعلني أقول لأمينة المكتبة إن هذه الكتب جيدة لكن الطلاب لن يقبلوا عليها ولا حتى الأساتذة أيضاً، كونها متخصصة لدارسي العلوم الفقهية والشرعية، ولابد للمدرسة أن تختار مكتبة تناسب المرحلة العمرية لهؤلاء الطلبة، وذهبت إلى رجل الأعمال ماجد الفطيم وقلت له إننا نريد أن نغذي مكتبات دبي المدرسية بكتب تناسب أعمارهم العمرية ووافق على المقترح، ثم ذهبت إلى دور النشر واخترت ما يناسب من قصص وكتب معلومات عامة مبسطة وأطالس وقواميس وكتب باللغة الإنجليزية، واخترنا لائحة ممتازة جداً للمرحلتين الابتدائية والإعدادية، وموّل الفطيم مشكوراً هذا المقترح وبالتالي وزعنا الكتب على المكتبات، وبعد ذلك فكرت في الذهاب إلى تلك المدارس لأستعلم ماذا حصل معها، حيث وجدت مكتبة في أحد المدارس مهجورة، وتساءلت عن السبب فرد عليّ أحد الأساتذة أنه لا يوجد مدرس مخصص للمكتبة، علاوة على أنه لا توجد حصة دراسية للمكتبة، وأول ما جاءت المدارس الأجنبية، وجد أولياء الأمور أن هذه المدارس تعطي الطلاب كتاباً كل أسبوع يلخصونه ويقرأونه، وحين يُقبل الطالب على تلخيص وقراءة كتاب كل أسبوع فإنه بالتأكيد سوف يستفيد، وعليه أقول إن تبعات عدم القراءة تأتي في وقت لاحق. أما بخصوص الإعلام فبحكم اهتمامي بضرورات القراءة، أتذكر أن إحدى الصحف كانت تصدر ملحقاً عن المدارس وبشكل أسبوعي كنت أقوم بمراجعة كتب الأطفال والشبيبة، ومراجعتي كانت كتابين أسبوعياً باللغة الإنجليزية والعربية، واستمريت على هذا المنوال لعامين، لكنني تركت هذا العمل لظروف معينة، إنما لم يستمر هذا البرنامج، والأصل أن يكون هناك نوع من الإرشاد والإعلام وتوجيه الطلبة في القراءة الهادفة، وأذكر أن هناك إذاعة باللغة الإنجليزية تجري برامج ممتازة جداً، وكان من ضمن برامجها تخصيص برنامج حواري أسبوعي يشارك فيه أربعة إلى خمسة مثقفين ومثقفات أجانب يختارون كتاباً سواء في الرواية أو المعلومات العامة... إلخ، ويناقشونه مدة ساعة، واستمعت إلى هذا البرنامج كثيراً، إلى درجة أنني كنت أشتري الكتاب الذي كانوا يتحدثون عنه، ومع الأسف لا يوجد في صحافتنا وإعلامنا برامج تصل إلى الجمهور بالشكل الذي طرحته، مع العلم أن المجتمع حين يشاهد أو يستمع إلى كاتب أو مثقف محترم يناقش كتاباً معيناً، فإن ذلك يحفزهم على شراء وقراءة الكتاب، ولابد أن نستخدم الإعلام استخداماً ثقافياً منتجاً واستحضار برامج ثقافية غير مملة تجذب الجمهور، واستضافة كتاب ومثقفين مهمين يشجعون القراء على القراءة، وبالتالي نحتاج إلى برامج تروج للكتاب وعلى أن تشمل لقاءات مع أدباء ومثقفين وبرامج حوارية في التلفاز والصحف والإذاعات. وأخيراً استحضر موضوع التحدي التقني خصوصاً في إطار الأحاديث عن موت الكتاب واعتبار الناس أن المعلومات لا تأتي عن طريق الكتاب وإنما «الإنترنت» وهذا يحتمل شقين، وهو المعلومة كمعلومة والثاني المعلومة كشيء مكتوب، وأما المعلومة كمعلومة فلم تعد مقتصرة على الكتاب ليس من الآن وإنما منذ اختراع الراديو والتلفزيون و«الإنترنت»، لكن بقت الكثير من المعارف الإنسانية تأتي من الكتاب، والتحدي الآخر هو قراءة النص من الورقة إلى الشاشة.

د. رشاد سالم: جذور المسألة

أعود بحضرتكم إلى جذور المسألة، ومن خلال ما سمعته من محمد المر أننا دائماً نتشدق بقولنا نحن أمة اقرأ، وحينما تأملت ذلك في القرآن الكريم فإننا نعم نحن أمة اقرأ بنص كلام الرب عز وجلّ، لكن فهمت من الآيات أن القراءة ليست ضرورية فحسب، ولسنا بصدد تعبئة الناس ليقرأوا، وإنما القراءة تحرر العقل من الخرافات والضلالات والأوهام، والقراءة هي التي تجعل لأمتنا كيان، وهذا الكيان عليه أن يؤدي دوره تجاه البشرية كلها، ولو قرأنا الآيات الأولى «اقرأ باسم ربك الذي خلق» فهذه الآية تحرر العقل من الخرافات والضلالات والأوهام، وتعرفون أن الناس في الجاهلية قبيل نزول القرآن الكريم كانوا يصنعون الأصنام بأيديهم ويخرون لها والعياذ بالله ساجدين، والله عزل وجلّ في أول كلمة قالها للرسول صلى الله عليه وسلم، حين نزول الوحي هي «اقرأ»، وبالتالي فإن القراءة سبيل المعرفة والعلم والتطور، واقرأ لا باسم اللات والعزة وكذا من تلك الأصنام التي عبدوها من دون الله، لكن اقرأ باسم ربك الذي خلق، فهذه تحرر العقل بدل أن يرتمي العقل في أحضان الجاهلية وأصنامها، فإن على العقل أن يتزن ويعتدل ويتعلق برب الكون الذي خلق هذا الكون، وبالنسبة للآية «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، فإنها تحرر الإنسان من رق العبودية، فكلنا خلقنا من نطفة واحدة وليس هناك أبيض ولا أسود ولا غني ولا فقير، ولذلك «خلق الإنسان من علق»، أي من نطفة واحدة، وبالتالي علام يعبد البعض البعض الآخر وعلام يذل البعض البعض الآخر، وكلنا عباد لله الواحد القهّار، والله عزل وجل كرر كلمة اقرأ لكي يبين لهذه الأمة التي تاهت معالمها بفضل تقاعسها أو بعدها عن القراءة أو غيرها من الأسباب الكثيرة، أن تأخذ بيد البشرية الضالة إلى معالم الهدى والنور، ولن يكون ذلك ولن يتحقق إلا بالقراءة، فهي أداة التثقيف والآية الثالثة توضح أن دور هذه الأمة الارتقاء بالبشرية، تماماً كما نطالب أجهزة الإعلام بعامة أن ترتقي بأذواق الناس الفكرية والثقافية واللغوية والقيمية والأخلاقية، لا أن تنحدر بهم، لأننا نشاهد الآن في عالمنا العربي كثيراً من القنوات الفضائية وغيرها تهدم القيم والأخلاق ولا ترتقي بالأمة وإنما تنزل بها إلى الأسفل والعياذ بالله، والآية الثالثة تقول «اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق»، اقرأ تكررت مرة أخرى من باب التأكيد على أنه لا فلاح لهذه الأمة إلا بالقراءة وأن يكون مستندها القراءة لأن القراءة ثقافة والقراءة نور، وفاقد الشيء لا يعطيه، وما لم أقرأ فسوف تظل المعلومة محجوبة وسأظل متقوقعاً، لكن حينما أقرأ فإنني سوف أطل على الآخر وأعرف ثقافته وأعرف من أنا ودوري وأهميتي. استكمالاً للآية «اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم»، فلعلكم تلحظون أن الآيات الأولى التي نزلت على المصطفى صلى الله عليه وسلم، كلها تتعلق بالقراءة والقلم والعلم، لكن للأسف وكما أنبأنا القرآن الكريم «كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى»، وربما نصرف هذا من باب الانشغال بأشياء أخرى غير التي تفيدنا وترتقي بنا، فربما يرتمي الإنسان في أحضان ماديات الحياة وربما يرتمي في أحضان وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، التي يجب أن نُسخرها للنهوض بأنفسنا وأمتنا، بينما نحن نستفيد منها في أهواء بعيدة كل البعد في أن ترتقي بالإنسان وتجعل منه رائداً في التميز والثقافة. ومعذرة أنني لست وعاظاً هنا إنما استوحيت هذه الكلمات واستندت إلى الآية الكريمة ولعل ذلك يتفق مع مهمتي كأزهري ودوري في الحياة والجامعة الإسلامية منهجها تعديل الفهم الإسلامي الصحيح.

د. نجوى الحوسني: منظومة تعليمية

عندما نتحدث عن القراءة فإن محورها الأساسي هو الأسرة ومن ثم المدرسة، وأتفق مع محمد المر بخصوص المنظومة التي تحدث عنها، لكن حدثت عمليات تطوير وتجديد كثيرة، ومثلاً في مجلس أبوظبي للتعليم هناك منظومة تعليمية يجب أن يتعرف إليها أولياء الأمور في المقام الأول، ومن ثم التربويون والمختصون في هذا المجال، بأن ندرس بالمعايير وأقصد بذلك أن هناك مجموعة من المعايير هي التي تشكل المنهاج وتحدد له مادة علمية ومن ثم وسائل تقييم كمنظومة شاملة، ولا نعتبر الكتاب المدرسي الذي يأتينا من الوزارة أو المجلس هو المصدر الوحيد لهذا التعليم، ولتحقيق هذه المنظومة الجديدة واجهتنا الكثير من الصعوبات، حيث إننا ننظر إلى كل تجديد أنه بحاجة إلى توعية مجتمعية كبيرة، وهذه التوعية مع الأسف لم نكن نعرف عنها كأساتذة جامعة، ولم نكن نعلم أن الأبعاد التربوية وصلت في مجلس أبوظبي لهذه الخطة الكبيرة، فإذا جئنا إلى المنهاج وتعمقنا فيه، سنلاحظ أن فيه تجديداً وتطويراً، لكن هل هذا المعلم دُرّب وهيئ بطريقة علمية صحيحة لنقل هذا المنهاج الجديد، وهل تم استقطاب معلمين يستطيعون من خلال ما يجدونه من نصوص أدبية أن نقول إنها صالحة لتدريس هذا المعيار أم لا؟ وكخطوة استباقية وبحكم تواصل مجلس أبوظبي مع وزارة التربية والتعليم، كان هناك مشروع لجرد جميع النصوص الأدبية الموجودة في الكتب العربية، وأتحدث عن مادة اللغة العربية والتربية الإسلامية ومواد الدراسات الاجتماعية أو التربية الوطنية، وحقيقة وجدنا أن بعض النصوص كتبت من قبل جماعات معينة، وبالتالي حدث التجديد والتطوير للمناهج، لكن لم يقابله تجديد على صعد أخرى ونفهم أن المنهاج يحتاج إلى قراءة حديثة، والقراءة الآن لا أراها كمشهد ثقافي في تلك القوة التي ننافس من خلالها الدول الكبيرة خصوصاً عندما نأتي إلى دولة الإمارات باعتبارها منافساً ثقافياً في الاختبارات المعيارية الدولية «البيرلز» «البيزا»، وهناك أربع دول موجودة على قمة هذه الامتحانات، حتى أن أمريكا لم تصل إلى تلك القائمة، والدول الكبرى في هذه الامتحانات هي الصين، هونغ كونغ، سنغافورة، فنلندا، وهم يتحركون من مكان إلى آخر، وللتعرف إلى مناهج هذه الدول أتينا على سبيل المثال بالنموذج الفنلندي وطبقناه في أبوظبي على أرض الواقع وهناك مدرستان فنلنديتان تدرسان أنموذجهما منذ خمسة أعوام، واختبارات «الأمسا» لمجلس أبوظبي للتعليم وهي تقيس جانب القراءة، لم تحدد هناك أي تقدم بين هذه المدرسة الفنلندية ومخرجاتها وبين مخرجات المدرسة العادية في الإمارات، وهذا يدل على أن هناك قراءة مختلفة عندما نتحدث عن تبني التجارب العالمية، وليس كل ما وجدناه صالحاً في الغرب نستطيع تبنيه على أرض الواقع، ثم إن دولاً كبرى تشتكي من انحسار القراءة لديها، وبخصوص التكنولوجيا نحن نواكب الابتكار وطرحنا استخدامها في الحياة المدرسية، وعلى سبيل المثال اليابان من أكثر دول العالم توفيراً للإنترنت في المدارس وغيرها، وأجريت دراسات حول موضوع القراءة، حيث خلصت النتائج إلى أن 72% من المستطلعين آراءهم لا يقرأون من «الإي بوكس» ولا يرغبون في تجربة القراءة من هذه التكنولوجيا، بل إنهم مغرمون بقراءة الكتب الورقية، والحقيقة أننا كلما عززنا وجود الكتاب عند أطفالنا فإنه الهدف بعينه الذي نسعى إليه، لأن أطفالنا متجهون بقوة إلى «الآي باد»، ونحن لم نصل إلى بعض الاستراتيجيات التي تجعلهم يبتعدون عنه، بل على العكس الأم تسهم بشكل أو بآخر في تقريب الطفل من «الآي باد»، وبرأيي أن من أهم القضايا التي ساعدت المجتمعات على النهوض بالمشهد الثقافي المتمثل في القراءة هو الأندية والاتحادات المجتمعية، والآن هناك حملة «أبوظبي تقرأ» وهي مستمرة وتتزامن مع معرض أبوظبي للكتاب، لكن أعتقد أن هناك شريحة مفقودة وغائبة هي أولياء الأمور، إذ ينبغي تنبيههم بضرورة توعية أطفالهم وتعويدهم على القراءة، وأهم محاور «أبوظبي تقرأ» العام الماضي هو تسليط الضوء على الأب والأم، حيث جمعناهم ونسقنا معهم، وبالتالي فإن إنجاح أي فكرة تعليمية يجب أن يكون محورها الأساسي هو الأسرة. العبرة في هذا الموضوع ليست بطرح المبادرات لأنها موجودة بقوة وتخصص لها ميزانيات ممتازة، إنما القصد هنا تأسيس لجنة وطنية للقراءة تشترك فيها كافة المؤسسات الثقافية والرسمية والمجتمعية، وأن لا يكتفي المدرس بالكتاب وإنما يستطيع أن يأتي بأي مصدر تعليمي لتحقيق المخرج التعليمي، ومع الأسف المعلم إلى الآن لا يمتلك كفاءة الانتقاء وبالتالي ينبغي أن يقرأ ويوسع قاعدته الثقافية والمعرفية.

حبيب الصايغ:

هناك اقتراح وهو لماذا لا نخصص على سبيل المثال عام 2016 وعام 2017 للقراءة؟ وأقصد بذلك استدامة القراءة وتعزيزها، ولذلك أقترح أن يكون هناك تنبيه لاعتبار كل الزمن للقراءة.

د. حبيب غلوم:

الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، أوعز في أحد اللقاءات بأهمية الاستماع إلى المثقفين والوقوف عند طلباتهم ومتابعتها، وأتمنى في هذه الندوة أن يتم الاستثمار الفعلي والحقيقي لجهود الدولة والحكومة على صعيد المبادرات المتعلقة بتعزيز القراءة، وأقصد بذلك تضافر كافة المؤسسات وفي القلب منها أفراد المجتمع لتوسيع ثقافة القراءة في الإمارات، ولذلك أتصور أن وجود تشريع واضح من شأنه أن يخدم العملية الثقافية، ولذلك أؤكد أهمية وجود تشريعات تعزز القراءة، وأتذكر أننا كنا نتعلم في المدرسة، حيث كانت هناك مادة المطالعة وهي إجبارية وتستلزم منا القراءة، وهذا النشاط أفادنا في القراءة، لكن اليوم الوضع مختلف وهذا يقودني للتأكيد على أهمية التشريع وعلى أن تخصص وزارة التربية وقتاً واضحاً ومحدداً ويدخل ضمن المنهاج الدراسي، وأقصد بذلك توفير وقت للمطالعة والقراءة، ولدينا إشكالية مع الأسف الشديد أن بعض المؤسسات لا تثق في العاملين لديها وتجدها تتعامل مع أشخاص آخرين، الأمر الذي يستدعي التشديد على ضرورة أن تثق المؤسسات بقدرات كوادرها، إلى جانب أنه ينبغي تشجيع أفراد المجتمع على ارتياد المكتبات، وتسهيل دخولهم إليها وقراءة الكتاب لتحبيبهم على هذه الثقافة، بدلاً من فرض رسوم على استعارة الكتاب ورسوم أخرى عن الانتساب للمكتبة... إلخ، كما ينبغي حقيقة دعم البرامج الجماهيرية وتعزيز القيم المجتمعية والفكرية من قراءة ومطالعة وبحث علمي وتربوي وخلاف ذلك.

عائشة سلطان: نقطة الأساس

موضوع القراءة يعيدنا إلى نقطة الأساس المتعلقة بالبيت والمدرسة، وأتذكر كطلاب أننا وعينا على مكتبة الفصل في الصفين الثاني والثالث الابتدائي، والقصة ليست في وجود المكتبة والكتاب في الأساس، وإنما في وعي التلميذ إلى وجود كتاب آخر غير الكتاب المدرسي، والمشكلة أن هناك خللاً حصل في الأسرة، وأسوق هنا مثالاً على وجود طفل عمره ثلاث سنوات يعيش ضمن أسرته، حيث كان يرسم سفينة ولما كبر عاماً آخر، تمحورت حياته حول سفينة نوح كونه استمع من مدرسته عن سفينة نوح، مع العلم أن والده قبطان وهو من عائلة متمرسة في صناعة السفن، لكن بالرغم من ذلك لا يعرف الطفل سوى رسم سفينة نوح، والعبرة من هذا الموضوع أن أغلب الآباء يعتقدون أن المدرسة هي صاحبة الدور في تعليم الطلبة، بينما هذا الأمر غير صحيح، لأن مؤسستي الأسرة والمدرسة هي التي تعلم الأطفال وتشجعهم على ثقافة القراءة والعلم وغيرها من العادات المستحبة، وأقصد بذلك أن السلوك اليومي يتعزز بتكامل الأدوار المسؤولة بين الأسرة والمدرسة، إلى جانب أنه من الضروري أن يكون هناك حصص للتعبير الحر ضمن النشاط المدرسي العام، لأن التعبير يستلزم القراءة وتوسيع المدارك الثقافية شيئاً فشيئاً، وكانت هناك كتب مهمة مقررة في المنهاج الدراسي منذ فترة، مثل «هاتف من الأندلس» لعلي الجارم، «وا إسلاماه»، «الأيام» لطه حسين، و«تاجر البندقية» لويليام شكسبير، وهذه المطالعات تنمي ثقافة الأطفال وتوسع مداركهم وترغبهم في القراءة أيضاً، لكن مع الأسف مثل هذه الكتب غائبة الآن عن المناهج الدراسية، أضف إلى ذلك أنه لا يمكن إزاحة دور المعلم فيما يتعلق بموضوع القراءة، وهذا يستلزم دعوة المعلمين إلى القراءة لكن بطرق تجعلهم ملمين بالمعرفة وقادرين على تحبيب طلابهم بالقراءة وهذه في حقيقة الأمر تحتاج إلى مهارة، وإذا جاء المعلم صفراً في القراءة فكيف يمكن تحويله إلى معلم ينتمي إلى القراءة، ولذلك أتصور هذا الأمر صعباً، وأجد أن القراءة تتعزز بالمراكمة وهذا ما يحتاجه المعلم حتى يكون متمكناً في نقل المعرفة وحب القراءة لدى الطلاب، إلى جانب أن تحبيب القراءة يحتاج إلى ضخ كتب مبسطة وسهلة على الطلبة ويمكن استيعابها والتدرج في تقديمها بشكل أعقد مع مرور الزمن. على أية حال، نتمنى أن تتضمن مناهج التربية والتعليم برنامج حصة مطالعة على سبيل المثال، لأن ذلك سيعزز من ثقافة القراءة ومع الوقت سيؤسس بشكل ملموس لتوسيع هذه الثقافة بين الأجيال الجديدة تحديداً.

صالحة غابش: الواقع الثقافي

قد لا نختلف بأن مجتمع الإمارات أو الواقع الثقافي في الدولة يقول إن هناك الكثير من البرامج والمبادرات التي تدعم توجه القراءة بالنسبة للصغار وللكبار، وأستحضر هنا مبادرة صاحب السمو رئيس الدولة بخصوص عام القراءة، فضلاً عن مبادرة صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حول تحدي القراءة العربي، والمبادرات الأخرى المتعلقة بالمدارس والمؤسسة التربوية والجامعات، فهناك واقع قرائي من خلال هذه المبادرات، وفي هذا الجانب أستذكر هنا مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة حول «ثقافة بلا حدود»، فهي تعنى بتوفير 50 كتاباً لكل أسرة في الشارقة، وغطيت المنطقة الشرقية والوسطى والآن يجري توزيع الكتب في مدينة الشارقة، ووجود هذه المبادرات دليل على أن المجتمع يعي مدى أهمية هذا المشهد الثقافي في حركة التطوير والتغيير الموجودة داخل المجتمع، لكن مع الأسف الشديد لم يجر استثمار هذه المبادرات على أكمل وجه، وأسوق هنا على سبيل المثال موضوع الإعلام، حيث إننا نجده وبالأخص المرئي، يستحضر مؤثرات سلبية في المسار الإنساني الثقافي والمجتمعي، وفي الإمارات وتحديداً في تلفزيون الشارقة وُجدت برامج حول القراءة، لكن هذه البرامج لم تلق مع الأسف رواجاً كما هو حال برامج المنوعات والبرامج الراقصة، لأن المشاهد إذا اختير بين برامج القراءة وتلك المتعلقة بالمنوعات والراقصة، فإنه بالتأكيد سيختار الأخيرة خصوصاً عند جيل الشباب، والمطلوب أن يراعي الإعلام بين البرامج الثقافية وأوقات عرضها وبين البرامج التي تستحوذ على نسب مشاهدات عالية، أضف إلى ذلك أن مراكز التسوق حقيقة تستقطب الكثير من المرتادين، وبالتالي من الجيد الاستفادة من هذه المراكز عبر تخصيص مكتبات أو منصات تستهدف توسيع ثقافة القراءة، ثم إن بعض الأسر تهتم مع الأسف الشديد بالجانب الشكلي وشراء اللعب والهدايا لأبنائها على حساب توعيتهم بأهمية القراءة، وهذا الأمر أفرز بعض السلوكيات البعيدة عن سلوكيات المجتمع الإماراتي، حتى إن اللهجة الإماراتية تغيرت وتدجنت بتراكيب لغوية مختلفة عند بعض الشباب، وهذا يقود إلى توصية بأهمية وجود حملة توعية كبرى لتعزيز القراءة، ثم إن علينا أن ننشئ الأطفال على القراءة الموجهة التي تفيدهم وتوسع من مداركهم.

محمد المر:

يمكن الاستفادة من المراكز التجارية الكبرى، واعتبارها بازارات ثقافية، وأستحضر هنا مثال سنغافورة، حيث إن إدارة المكتبة الوطنية خلصت إلى أن الشباب هناك لا يقصدون المكتبة العامة، وبالتالي فتحوا فروعاً للمكتبة العامة في المراكز التجارية العامة، ووضعوا هناك كتباً منتقاة، وبالتالي جيد أن تفتح المؤسسات الثقافية أقساماً لها في المراكز التجارية التي يقبل عليها الناس. ثم إنه من الجيد استضافة واستقطاب كتاب ومؤلفين وشخصيات لها حضور جماهيري ودعوتهم لتشجيع أفراد المجتمع على القراءة.

شيخة الشرهان: حصة للقراءة

من واقع فعلي حصل خلال امتحان الثانوية العامة العام الماضي، أن جاء في ورقة اللغة العربية سؤالين والاختيار بين أحدهما والكتابة عنه، إذ لاحظنا حالة من الارتباك في المدارس، حتى إن طالبة لم تكن تعرف ماذا تجيب وردت بأنها لا تعرف ماذا تكتب والسبب أنها لا تميل للقراءة، وهذا حال الكثيرين، مع العلم أن هناك حصة أسبوعية للقراءة في كل صف، لكن مع الأسف يعتبر الطلاب هذه الحصة يوماً للراحة ولا يتم استغلالها بشكل صحيح وإيجابي ينعكس عليهم، وفي المدرسة التي أدرس بها هناك بند يسمى مهارات قرائية ونعطي عليه 15 درجة، وفي حين يوجد هذا البند إلا أن المحتوى مختلف، حيث تختبر الطالبة شفهياً من ضمن المنهج، ولدينا مشروع القراءة يعطي عليه 30 درجة وعبارة عن اختيار كتاب وتلخيصه، إنما ماذا يفعل الطلاب؟ هم يذهبون إلى المكتبات التجارية ويشترونه جاهزاً، أو يحضرونه من الشبكة العنكبوتية، إلى أن طلبت أستاذة في مدرستنا بأن يلخص الطلاب الكتب ويقرأونها في الصف، الأمر الذي جعل بعض أسر الطلبة تعترض وتشتكي من هذه الطريقة الجديدة، ومؤخراً قمت بإعداد بحث شمل 94 طالبة و57 طالباً من عدد من المدارس حول عزوف الطلبة عن القراءة، واكتشفنا أن بعض الأسر لا تشجع أبناءها على القراءة ولا تحثها على هذا الفعل الثقافي، ولتعزيز القراءة سألت الطالبات ما الذي يريدونه، فكان ردهم أنهم يرغبون في وجود مقهى بالمدرسة، قلت لهن إن هذا سيحصل بشروط وعلى أن نسميه مقهى ثقافي وعلى أن تقرأ كل طالبة كتاباً كاملاً وتلخصه في المقهى وتقول ماذا استفادت منه في حياتها ومع أسرتها وهذا خلال شهر، وبالفعل عملنا المقهى وأصبح لي في الصف 30 كتاباً وملخصاً من قبل الطالبات، وهن لم يحبن القراءة وقرأن من أجل المقهى، ومع الوقت تكونت العادة القرائية لديهن.

مريم فرج: خطط محكمة

أعتقد أن البرامج التي طرحت ستكون في جزء منها مبادرات شخصية، إذا لم ترتبط باستراتيجية نتحرك وننفذ من خلالها هذه البرامج، وإذا ما ارتبطت بخطط تقيس الأداء وتُقوّم أي إشكاليات وجدت، ولذلك فإننا بحاجة إلى وجود خطط محكمة ننفذ عن طريقها هذه البرامج التي تحدثنا عنها، والتي من شأن تطبيقها تعزيز ثقافة القراءة في الإمارات، وأعتقد أن التربية بالدرجة الأولى هي المسؤولة عن تنمية القراءة، كما أن التربية ليس لديها دور تكاملي مع غيرها من المؤسسات وأقصد هنا المؤسسة الثقافية ونظيرتها التربوية، ومع الأسف التربية تعمل بشكل مفرد والثقافة بعيدة عنها، والمطلوب تلافي الأخطاء ووضع الاستراتيجيات من الآن حسب متطلبات المرحلة، ذلك أن مشروع الثقافة هو مشروع استثماري فكري واستثماري في الإنسان الذي هو أساس التنمية المستدامة، ولذلك أتمنى أن يكون لدينا وعي بأهمية موضوع الثقافة والقراءة، ولذلك ينبغي أن نفكر بموضوع الثقافة كما نفكر بموضوع السياسة والاقتصاد. أما بخصوص الترجمة فعلينا الاشتغال جيداً في هذا الجانب، لأننا نتلقى المنتج الثقافي الأجنبي أكثر مما نصدر من منتجنا الثقافي، بدليل أن حركة الترجمة بالأغلب خاضعة من الإنجليزية إلى العربية.

ناعمة الشرهان: مبادرات رائعة

حكومتنا تضع مبادرات رائعة جداً في موضوع القراءة والحفاظ على اللغة العربية، وسأبدأ في حديثي عن المدرسة وهيبة المدرسة والمعلم، فلماذا نحن أجيال قارئة ومتمكنة من مهارة الإملاء وخلاف ذلك؟ شخصياً عانيت الكثير في موضوع الإملاء ومن الطبيعي أن كل استزادة معرفية قرائية تحسن من الكتابة والإملاء، وأذكر قبل سنوات عديدة كيف كان الكتاب المصدر الأساسي للمعرفة، وكان ولي الأمر والطالب ينظران إلى المعلم والكتاب والمدرسة بهيبة كبيرة، وبالتالي أصبح المعلم هو القدوة في كل شيء، لدرجة أن حواسنا جميعها مشغولة بحصة المعلم، وكما قلت سابقاً فقد كانت هناك هيبة للمعلم والمدرسة، وولي الأمر يعتبر شريكاً أساسياً في المؤسسة التربوية، مع أنه لم يكن يقرأ أو يكتب، لكن الأسرة كانت تراقب دراسة أبنائها، والأفكار الرئيسية كانت تكتب على «السبورة»، ثم تُقرأ وتُترجم ويعاد كتابتها في فقرة، لكن مع الأسف اليوم ضاعت هيبة المعلم والمسؤولية تقع على الجميع، على الأم والأب والمدرسة والوزارة، وأتخيل كيف كانت حصة التعبير مثل باقي الحصص الأخرى، وكيف يجري الاهتمام بها، أما اليوم ومن واقع خبرة وتجربة في الميدان التربوي، لم أجد منهجاً موجهاً للغة والقراءة، والحصة التي كانت تقرأ فيها الطالبات تعتبر من حصص الاحتياط، وعبارة عن لعب وعدم انتباه، ودور الأم في هذه الأيام صعب في ظل حالة الغزو الثقافي وخلاف ذلك، ولذلك فإن مسؤولية الأسرة كبيرة جداً في تعزيز ثقافة القراءة لدى الأطفال خصوصاً أن الأسرة تستطيع بشكل أو بآخر إيجاد حالة من التوازن بين متطلبات القراءة والاستزادة الثقافية، وبين حب الجيل الجديد للتكنولوجيا، والحمد لله اليوم نعيش في كنف قيادة تدعم الثقافة والقراءة والحفاظ على اللغة العربية وعلينا الاستفادة من هذه المبادرات، إذ إن مبادرة صاحب السمو رئيس الدولة بجعل عام 2016 عاماً للقراءة، مبادرة مهمة، إضافة إلى مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حول تحدي القراءة العربي، ووقفت على هذه المبادرة ولمست إبداعاً في الميدان التربوي وكيف تفاعلت المدارس معها، وأتمنى أن تزيد مثل هذه المبادرات عن العام المخصص لها، وقضية لغتي وهويتي يجب أن يشتغل عليها الجميع لتمكيننا وربطنا بهذه اللغة والهوية، ثم إننا بحاجة إلى المعلم المؤثر والقدوة الحسنة التي تلهم الطلبة للإقبال على المعرفة والعلم، أضف إلى ذلك أن مسؤولية تمكين القراءة لدى أفراد المجتمع هي مسؤولية الجميع، بما في ذلك الإعلام، ولو توحدت الجهود يمكن إنتاج أجيال قارئة.

محمد المزروعي: الفعل الثقافي

الأستاذة مريم طرحت موضوع الثقافة وأجد أنها أهم من موضوع القراءة، لأن الثقافة بطبيعة الحال تشمل القراءة، لكن ما لاحظته أننا حين نتحدث عن القراءة، فإن الذهن يذهب مباشرة باتجاه الكتاب، وعليه أتمنى رفع مستوى مفهوم القراءة من المستوى المرتبط بالكتاب إلى المستوى الاصطلاحي، وأيضاً ألاحظ وجود أنشطة المناسبات والمهرجانات وهذه مرتبطة بطبيعة الدولة، لكننا بحاجة إلى فكرة العمل الثقافي التنموي وأدعو إلى وجود شخصيات متخصصة تداوم على الفعل الثقافي وتعممه بشكل مستمر، وعلى سبيل المثال في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات أجرينا مع مجلس أبوظبي للتعليم مسابقة سرد، والخطة التي أجريناها في منطقة أبوظبي التعليمية تنقسم إلى ثلاثة أماكن، وقبل طرح المسابقة اخترنا حوالي 20 إلى 25 مدرسة وقدمنا لها دورات تدريبية للطلبة حول فكرة السرد والكتابة على مدار شهر ونصف تقريباً، ثم طرحنا المسابقة عليهم باللغتين العربية والإنجليزية وحصلنا نتائج مبهرة.

توصيات الندوة:

أوصت الندوة على أهمية ارتكاز القراءة في الإمارات على أربعة محاور هي الأسرة والمدرسة، والإعلام، فضلاً عن البعد المجتمعي، والتحدي التقني، وضرورة تسليط الضوء على الدور الأسري في تعزيز ثقافة القراءة واستدامتها وتوعية الأهالي والأسر بأهمية القراءة باعتبارها أساس الثقافة والزاد المعرفي، إلى جانب الحاجة إلى برامج حوارية وتربوية في الإعلام تروج للكتاب وتقدم جرعات توعوية في مجال توسيع القراءة واستدامتها، وتوجيه الجيل الجديد للاستفادة من التقنيات الحديثة والتفاعل معها بطريقة تمكنهم من اكتساب مهارات القراءة والاطلاع الثقافي، فضلاً عن أهمية تدريب المعلمين وتحفيزهم على نقل المعرفة وترغيب الطلاب في القراءة، وعدم اعتبار الكتاب المدرسي هو المصدر الوحيد للتعليم، وضرورة وجود دراسات علمية متخصصة وموثقة تقيس نسبة مستوى القراءة عند طلبة المدارس.
ومن ضمن التوصيات إشراك المدرسة في مراحلها المختلفة من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية، لجهة وجود مقر لمكتبة حديثة تتوفر فيها كتب ومراجع جديدة تناسب المراحل الدراسية والعمرية، وتخصيص مدرس وحصة دراسية تتابع موضوع مهارة القراءة الحرة للطلبة، ودعم فكرة زيارة مؤلفين وأدباء مواطنين وأجانب لإلقاء محاضرات أو تقديم قراءات لمؤلفاتهم وكتبهم، من أجل زرع ثقافة القراءة لدى الجيل الجديد وتحفيزهم على اعتبارها نشاط ثقافي يومي، والترويج للمؤلفين والكُتّاب والكتب عن طريق الصحافة عبر مراجعة الكِتاب وإجراء مقابلات لكتّاب وأدباء، فضلاً عن نقاشات وندوات عن الكتب الجديدة والصادرة حديثاً، وتشجيع مجموعات القراءة في الدوائر الحكومية والوزارات والكليات الجامعية، حيث يلتقي فيها محبو الكتب في مجموعات تقرأ الكتب الجديدة وتناقشها في مقر العمل ضمن أوقات مخصصة، أو في المقاهي أو المنازل أو في المؤسسات الاجتماعية والثقافية من أندية ومكتبات عامة... إلخ، واستخدام وسائط الاتصال الحديثة من «تويتر» و«فيسبوك» و«انستغرام»، للترويج للإصدارات الجديدة وللمؤلفين المميزين في الإطار الوطني المحلي وحتى في الإطارين العربي والعالمي، والاستفادة من التجارب العالمية والاطلاع على أساليبها في تعميم ثقافة القراءة، وربط النشاط القرائي بمحفزات مثل تخصيص مسابقات وجوائز لمن يقرأون أكبر كم من الكتب، وإيجاد الترتيبات التي تسهم في توفير مناخات تحض على القراءة، في ظل المبادرات والتوجهات الرسمية في هذا الإطار

المشاركون في الندوة:

محمد المر: الأديب والمثقف.
حبيب الصايغ: رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، رئيس تحرير جريدة «الخليج» المسؤول.
د. حبيب غلوم العطار: المستشار الثقافي في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.
د. رشاد محمد سالم: مدير الجامعة القاسمية بالشارقة.
شيخة أحمد سالم الشرهان: معلمة لغة عربية بمدرسة الظيت للتعليم الثانوي.
صالحة عبيد غابش: مدير عام المكتب الثقافي والإعلامي بالمجلس الأعلى للأسرة.
عائشة سلطان: كاتبة وصحفية ومديرة دار «ورق» للنشر والتوزيع.
محمد المزروعي: كاتب وتشكيلي.
مريم جمعة فرج: قاصة وأديبة.
ناعمة عبدالله الشرهان: عضو المجلس الوطني الاتحادي.
د. نجوى الحوسني: مدير إدارة المناهج في مجلس أبوظبي للتعليم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"