عادي
شواب جزيرة طنب: ما زلنا ننتظر يوم عودتنا لجزيرة السلام

الجزر المحتلة تسكن القلوب والعيون

05:36 صباحا
قراءة 8 دقائق
رأس الخيمة: حصة سيف الشحي

«تمر الأيام والسنون وما زلنا نقبع بذاكرتنا الحية نستنشق أمالاً وتراودنا الأحلام ليل نهار ننتشي بخبر يذكرنا بأيامنا الماضية على أرض الجزيرة أرض السلام والوئام تنتابنا الحسرة ويعتصرنا الألم على فراقها».

كلمات انبثقت من أفواه شواب جزيرة طنب «أرض السلام» كما أطلق عليها أهلها حيث يتمنى كل واحد منهم أن يعود ليعمر منزله من جديد ويكمل ما تبقى من حياته على أرض الجزيرة تتنازعهم الرغبة في العودة وتتفطر قلوبهم حسرة لضياع حقهم فيها ويراودهم الأمل لاستعادتها يوماً من الأيام حيث لابد للحق أن يسترد ولابد للحقيقة أن تنجلي.

نساء الجزيرة اللواتي تألمن لتذكر أياماً كانت بمثابة حلم جميل بين جبال وسهول وأشجار وأمواج تتلاطم حباً واشتياقاً للجزيرة الغناء مازلن يسمعن أصوات مواشيهن الحرة الطليقة وقهقهات أطفالهن بين الجبال والسهول.

أما أطفال الجزيرة التي غادروها فما زالت ذكراها تراودهم ومحفوظة في ذاكرتهم وأبوا أن ينسوها إلى أن توارى أجسادهم التراب بعد أن ينقلوا الحلم الجميل لأبنائهم وأحفادهم ليعيشوا اليوم الذي انتظروه، يوم تسترد الحقوق وترجع الجزيرة لأصحابها بعد أن فرقت السياسة والأطماع العسكرية بين الحق وأصحابه.

نروي الذكرى الأليمة لاحتلال جزر طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى بعد مرور خمسة وأربعين عاماً على احتلالها، قصص أهالي طنب حول الجزيرة الغناء بعد فراقها في 30 نوفمبر تشرين الثاني عام 1971.

«الخليج» أجرت مقابلات مع شهود عيان من أهالي جزيرة طنب، قبل سنوات، وحصرت شخصيات من القبائل التي انتقلت إلى إمارة رأس الخيمة، بعد الاحتلال الإيراني للجزر، وانتقل البعض منهم إلى رحمة الله، وخلف ذكرياته الموثقة في الجزر لأحفاده، فيما مازال البعض منهم من شواب الجزيرة، يتطلعون إلى اليوم الذي يعودون فيه إلى جزيرة «السلام» كما أطلقوا عليها.

طنب الكبرى جزيرة المعادن

حسب ما ذكر في الدراسة الوثائقية عن الجزر العربية الثلاث للدكتور جلال التدمري أوضح في دراسته أن جزيرة طنب يدل اسمها بوضوح على أصالتها العربية وكلمة طنب عربية معناها «حبل طويل يشد به سرادق المنزل»، وتقع جزيرة طنب الكبرى على مدخل مضيق «هرمز» وتبعد عن إمارة رأس الخيمة 35 كيلومتراً وعن الساحل الشرقي للخليج العربي مسافة 50 كيلومتراً ومساحتها 91 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ طولها نحو 12 كيلومتراً وعرضها 7 كيلومترات، تقع إلى الشمال من جزيرة أبو موسى وتبعد عنها مسافة 50 كيلو متراً.

وترتفع الجزيرة بسطحها المنبسط وهي دائرية الشكل ذات قبة صخرية بازلتية غنية بالمعادن

ولا سيما «مادة المغر» وهي الأوكسيد الأحمر وتستخدم لصبغ الصوف وصنع الدهانات، وقد اكتشف المنقبون عن النفط وجود كميات منه في مخزونها الصخري، كما أنها تسيطر على طريق الملاحة البحرية داخل الخليج العربي.

كان يقطنها حوالي 700 شخص من العرب قبل احتلالها وكلهم ينحدرون من قبائل حريز وبني تميم والشامسي نزحوا منها إبان الاحتلال الإيراني لها في 11 نوفمبر من عام 1971 وسمو بعرب الجزر وكانوا يعيشون على صيد السمك واستخراج اللؤلؤ والاتجار به في أسواق دبي ورأس الخيمة كما يمتهن البعض منهم رعي الماشية.
وتمتاز جزيرة طنب بسطحها المنبسط ويقوم في طرفها الشرقي الجنوبي المقابل لمدن الخليج العربي مرتفع جبلي أقيمت على قمته منارة لإرشاد السفن في عام 1912 بموافقة من حاكم رأس الخيمة آنذاك الشيخ سالم بن سلطان بناء على طلب من الحكومة البريطانية باعتباره صاحب السلطة والسيادة على الجزيرة، وكانت إقامة هذا الفنار في الجزيرة من الأهمية بمكان نظراً لموقع الجزيرة على خط سير السفن الداخلة والخارجة للخليج العربي.
وتتوافر في الجزيرة مياه عذبة تستخدم للشرب والزراعة حيث تنتشر أشجار النخيل وبعض الأشجار المثمرة الأخرى في مزارع الجزيرة وحدائق منازلها، ووفرت آنذاك لسكانها العديد من المؤسسات الخدمية كالمدرسة الابتدائية للبنين والبنات والعيادة الصحية ومركز للشرطة.

جزيرة طنب الصغرى

أما جزيرة طنب الصغرى ويطلق عليها «نابيوه» وهي إحدى الجزر التابعة لإمارة رأس الخيمة، فتقع عند مضيق هرمز على بعد 10 كيلومترات غرب جزيرة طنب الكبرى وتبعد عنها مسافة 12- 14 كيلومتراً.
تقدر مساحتها بكيلومترين وتبعد عن الساحل الشرقي للخليج العربي بحوالي 43 كيلومتراً وتتكون أرضي الجزيرة عند أحد أطرافها من مجموعة من التلال الداكنة اللون ويبلغ ارتفاعها 116 قدما. والجزيرة مجدبة وغير مأهولة بالسكان نظراً لعدم توافر المياه العذبة فيها وتأوي إليها الطيور في مواسم هجرة الطيور ويؤمها الصيادون أحياناً من سكان طنب الكبرى للصيد والاستفادة من الطيور البرية فيها.

ذكريات الأهالي

أهالي طنب القاطنين في رأس الخيمة والذين لجأوا إليها بعد الاحتلال مباشرة في زوارق الصيد واستغرقت رحلة اللجوء إلى سواحل رأس الخيمة حوالي 6 ساعات حسب ما ذكر الأهالي.

كلثم علي محمد التميمي 67 عاماً «من أشهر نساء طنب في إمارة رأس الخيمة، حدثتنا عن الحياة في جزيرة طنب وكيف كان أهلها البسطاء يمتهنون حرفة الصيد والغوص على اللؤلؤ، وكيف كانت الأمهات يروون أشجار النخيل بجلب الماء من الآبار، ومن ثم تجميع الحطب كوقود للطبخ مؤكدة أن حياة أهالي طنب لا تختلف كثيراً عن حياة أهالي الإمارات في ذلك الوقت باختلاف قبائلهم، فقد كانت التجارة وبيع السمك والعلاقات التجارية برمتها مع دبي حيث كانت تشتهر بالتجارة الرابحة ويتوافد إليها التجار من كل جانب، فيما كان الأرز والفواكه وباقي الاحتياجات نجلبها من دبي.

وأضافت أن أرض جزيرة طنب كريمة تجود علينا بالخضراوات والنخيل وشجر الرول ذي الفاكهة اللذيذة الطعم، فيما كانت منازلنا من طين وحصى ونسكنها في الشتاء وفي الصيف نسكن في العريش المصنوع من سعف النخيل.

وتتابع حديثها محوله الحديث إلى عادات أهالي طنب في الأعراس حيث كان العرس يستمر لمدة أسبوع والمهر حوالي 400 إلى 800 درهم فقط ولا يرى الرجل «المعرس» زوجته إلا في اليوم الأخير من العرس وكانت العروس تتزين بالذهب وشيلة «قطعة قماش لتغطية الرأس» مصبوغة بمادة «النيل» وهي مادة زرقاء حالكة السواد، كما كنا نلف شعر العروس «بالياس» نوع من أنواع وراق الشجر، ونسمي التسريحة «شونجي» وثوب العروس مطرز ولونه أخضر في الغالب وملون في معظم الأحيان.

قصة الرحيل الإجباري

تقول الجدة حليمة خميس إسماعيل «72 عاماً» من نساء جزيرة طنب: أتذكر يوم الغزو وكأنه بالأمس حينها كنت متزوجة وعندي خمس بنات، أصغرهم «رقية» كانت في المهد، وحين سمعنا أصوات طائرات ومدافع خرجنا دون أن نتوقع أن الغزو قادم نحونا.

وتتابع: قدم نحونا حوالي 3000 مسلح، فأوضحنا لهم بلغتنا العربية أننا لا نملك أسلحة لندافع عن أنفسنا، إلا أنهم أخرجوا الرجال من البيوت بالقيود إلى مركز الشرطة الذي اقتحموه عنوة وقتلوا شرطياً من شرطة رأس الخيمة يدعى «سالم بن سهيل» وهو أول شهيد في الإمارات».

5000 نخلة تمتاز بطولها وثمارها

أحمد محمد محمود بن تميم «71 عاماً» من أهالي جزيرة طنب يقول: حين غادرنا طنب كان عمري 26 عاماً تقريباً كنت حينها مع البحارة نصطاد السمك ونبيعه في دبي وكان الأهالي يزرعون النخيل حيث زرعت في طنب حوالي 5000 نخلة تمتاز بطولها وثمارها الطيبة وتنوع رطبها المتمثلة في الخنيزي والخصاب والمسلي وجش ربيع وغيرها من الأنواع.
وتمتاز الجزيرة بتربتها الزراعية وتنتشر على أراضيها شجر الرول بكثرة والشريش والسدر في الجبال والغوبان الذي يشبه السمر الذي تجمع النساء أغصانه لاستخدامه كوقود للطبخ فيما نستخدم حطب الرول كأساس للعريش وغيره من المنازل.

اختار الأهالي الرحيل

عبد الرحمن القاسم «56 عاماً» يقول كنت بالصف الخامس حين خرجنا من طنب على ظهر قوارب الصيد وأتذكر حين جمع الإيرانيون الجنود الأهالي في مكان واحد، كما جمعوا كل الأسلحة التي يحتفظ بها الأهالي آنذاك، كان «الشوزن» و«السكتون» أسماء البنادق القديمة التي كان الأهالي يحتفظون بها، وصادرها الجنود الإيرانيون مشيراً إلى أن جده علي محمد التميمي كان مسؤولاً عن أهالي الجزيرة فخيروهم بين تسليم جنسياتهم التي كانت تتبع رأس الخيمة وبقائهم تحت حكم الشاه وبين الرحيل، فاختار الأهالي الرحيل حفاظاً على أسرهم ورفضهم لحكم العجم.
وقال: كان الأطفال يدرسون في بداية العام الدراسي وكان عيد الفطر قد مضى عليه حوالي 10 أيام أو أكثر فيما كان بعض الأهالي صائمين الستة من شوال.
أما عن دراستهم في طنب فأكد أبو القاسم أنهم درسوا في المدرسة التي كانت في الجزيرة، ودرسوا في الصف الأول والثاني المناهج الكويتية فيما درسوا في الصف الثالث والرابع المناهج القطرية وبعدها أكملوا في رأس الخيمة إذ التحق الأولاد بمدرسة عمر بن الخطاب في رأس الخيمة والبنات التحقن بمدرسة هند التي كان موقعها بجوار دوار الجسر.

لم نصدق نية الاحتلال

فاطمة علي محمد التميمي «70 عاماً» من أهالي طنب ولدت وتزوجت في طنب وكانت ترضع ابنتها ذات الأربعين يوماً حين هجم الإيرانيون عليهم، تقول: كنا نسمع أخباراً من إذاعة لندن أن الإيرانيين يريدون احتلال جزيرة طنب ونتداول تلك الأخبار ونحن غير مدركين أن ذلك سيحدث حقيقة في الواقع.

حينها كان الشيخ صقر بن محمد القاسمي بنى مدرسة ولم يكمل الأطفال عامهم الأول فيها غير أربعة شهور، وبنى أيضاً مركزاً للشرطة فيما بلغ عدد الشرطة 6 أشخاص وكان ناصر الزعابي يأتي باستمرار إلى الجزيرة ليزود الشرطة «بالروشن» أي المير من طرف حاكم رأس الخيمة وكان يجلب بشكل دوري «النشر» أي علم رأس الخيمة عندما يتعرض للتمزق والتهتك من آثار الطقس.

وتضيف: كان أبي يعمل في شركة «كريمكنزي» البريطانية «المتخصصة في تنظيم الملاحة والتي كانت تصنع» البويات «وهي عبارة عن أضواء كالفنر المحلي تنير الطرق للسفن في البحر، وكان «أبو طاره» الاسم المتداول محلياً للبريطانيين نسبة إلى «قبعاتهم التي يرتدونها» يستعدون للرحيل من الجزيرة وعندما هجم الإيرانيون رحلنا جميعاً من على الجزيرة، وبقي أبي ،رحمه الله، في الشركة إلا أنه جاء في اليوم الثاني من رحيلنا بعد أن قدم استقالته.
وعن مناطق طنب تقول فاطمة إن الجزيرة تضم تقريباً 7 مناطق متمثلة في «راس البوث والظهر ومرصغ الجيث ومشرع وماشية وراس طلوع وراس بو الطبول» وسميت الأخيرة كذلك نسبة إلى الأصوات التي تصدر من البحر حين يضرب الجبل.
وعن مناخ الجزيرة تفيد فاطمة أن جوها بارد وممطر شتاء ولا يمر علينا الشتاء إلا وتمطر مطراً غزيراً وينبت الزرع الذي تقتات منه الأبقار والماشية ولم يكن عندنا جمال، وماء الجزيرة حلو للغاية على نقيض ماء جزيرة أبو موسى التي كانت مياهها «خريجة» أي مالحة.

الطائرات فوق منازل الطين

عائشة إبراهيم أبو القاسم «52 عاماً» تحدثت عن حلم راودها وما زالت في السادسة من عمرها حيث نهضت من منامها ورأت الطائرات تحوم فوق منازل الطين وتنشر منشوراتها التي تسابقت مع الأطفال على حملها والتقاطها حيث كانوا يظنون كما قالت أن الشيخ صقر بن محمد القاسمي سيزور الجزيرة فحملوا المنشورات والتقوا بأهاليهم الذين سبقوهم بقراءة المنشورات، وضج الجميع حين علموا أن إيران ستهجم على الجزيرة، وشاهدنا الجنود وهم يحملون ويوزعون أعلام إيران ويلصقونها على الجدران ويغيرون صور الحاكم بحاكمهم شاه إيران وهو يمتطي جواده.

جسم للجزر الثلاث على أرض الواقع

النوخذة المواطن صالح حنبلوه من أهالي منطقة الرمس في رأس الخيمة قال: إن جزر الإمارات المحتلة تعيش في قلوبنا وفكرنا ونحاول قدر الإمكان تعريف أبنائنا بحقهم في الجزر ولم نكتف بالمحاضرات والندوات فشكلنا قبل سنوات مجسم الجزر الثلاث على أرض الواقع في أحد المراكز التراثية في المنطقة، ليتسنى لطلبة المدارس تخيل الجزر على أرض الطبيعة حيث كان المركز يقصده العديد من الطلبة اثر زيارات جماعية تنظمها إدارات المدارس، وتوجد الجزر والحياة التقليدية لأهالي الإمارات قديما مشكلة بطريقة بسيطة تلامس شغاف الماضي وتعيشنا في أجوائه ونفحاته العتيقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"