علم السلوك وتطبيقه في السياسات الحكومية

01:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. نبيل اليوسف *

أكثر من 200 مؤسسة حكومية حول العالم تستخدم علم السلوك في صنع السياسات. وقد كانت المملكة المتحدة أول دولة تبادر بإنشاء وحدة مختصة في عام 2010 تحت مسمى فريق علم السلوك.
في خطوة سباقة أطلق الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، البرنامج الوطني للمكافآت السلوكية. ولا يقتصر الهدف من هذا البرنامج على تشجيع أفراد المجتمع على تبني الأفكار والأفعال الإيجابية فحسب، بل يعد أيضاً خطوة في مسيرة حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة نحو المستقبل. إنَّ ما يعرف بعلم السلوك تستخدمه الحكومات بشكلٍ متزايدٍ لتحقيق نتائج أفضل فيما يتعلق بالسياسات الحكومية حيث إنه يشكل أداة تساهم في زيادة فعالية السياسات عبر فهم السلوك البشري بشكلٍ أفضل وإجراء تغييرات بسيطة قد تدفع أفراد المجتمع إلى التجاوب أو التصرف بطريقة إيجابية.
لقد قامت العديد من الحكومات في مختلف أنحاء العالم بإجراء تحسينات بسيطة في سياساتها وخدماتها بناء على مفاهيم علم السلوك، مثل تغيير طريقة المراسلة عبر المواقع الإلكترونية الحكومية أو تعديل نماذج الطلبات الحكومية. ففي المملكة المتحدة، أسفرت هذه التغييرات عن تحقيق فائض عام بمقدار 392 مليون دولار على مدى عامين ونيّف، وقد استطاعت الحكومة على سبيل المثال مضاعفة عدد المتقدمين للالتحاق بالجيش البريطاني، وزيادة الحصيلة الضريبية بأكثر من 200 مليون جنيه استرليني. كما أدى تبني علم السلوك إلى نتائج مبهرة في أنحاء مختلفة من العالم فقد أدى إلى تقليل النفايات في شوارع كوبنهاغن بالدنمارك بنسبة 46٪، ورفع نسبة توظيف الباحثين عن عمل في سنغافورة من 32٪ إلى 49٪، وزيادة تسجيلات المتبرعين بالأعضاء والأنسجة في كندا بنسبة 143٪، إلى جانب العديد من النتائج الاجتماعية الإيجابية الأخرى.
وفي الوقت الراهن، تستخدم أكثر من 200 مؤسسة حكومية في العالم علم السلوك في صنع السياسات. وقد كانت المملكة المتحدة أول دولة تبادر بإنشاء وحدة مختصة في عام 2010 تحت مسمى فريق علم السلوك، مستوحية ذلك من أفكار «ريتشارد تايلر» الحاصل على جائزة نوبل و»كاس سيستاين». وقد تعهدت حكومة المملكة المتحدة بأنها سوف تغلق هذه الوحدة إذا لم تحقق عائداً يساوي عشرة أضعاف ما تم استثماره فيها في غضون عامين. هذه الوحدة لم تحقق هذا العائد فحسب، بل وفرت أيضاً ما يتجاوز 20 ضعفاً من تكلفتها التشغيلية.
وقد أنشأت عدة دول أيضاً من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وسنغافورة وأستراليا والدنمارك وحداتٍ مماثلة لترسم سياساتها وبرامجها وخدماتها وتعززها وتعيد تقييمها. وقد استخدمت سنغافورة، على سبيل المثال، علم السلوك لتقليل استهلاك الطاقة عن طريق إرسال رسائل في فواتير لذوي الاستهلاك المفرط من الكهرباء تقارن بين معدلات استهلاكهم ومعدلات جيرانهم. كما أنشأت صالات رياضية مجانية في الهواء الطلق من أجل تذكير السكان بممارسة التمارين الرياضية، ووضعت صناديق القمامة بعيداً عن محطات الحافلات حتى لا يتسبب المدخنون في إزعاج أي شخص.
وفي أستراليا، بدأ أحد المستشفيات في إرسال رسالة نصية تتضمن العبارة التالية: «إذا حضرت، لن يخسر المستشفى مبلغ المئة وخمسة وعشرين دولاراً الذي سنخسره عندما تتغيب عن موعدك». ساهمت هذه الخطوة في توفير المستشفى نحو 50,000 دولار أمريكي كل عام كان يخسرها بسبب عدم حضور المرضى حسب مواعيدهم.
لقد أصبح علم السلوك راسخاً لدى معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم. ويعد البرنامج الوطني للمكافآت السلوكية الخطوة الأولى لتبني الجهات الحكومية في دولة الإمارات هذا العلم ونتمنى أن تستمر هذه التجربة وأن تكلل بالنجاح.

* الرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية للاستشارات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"