المهارات الشخصية والمؤهلات العلمية

02:35 صباحا
قراءة 5 دقائق

يركّز المحاسبون، بطبيعتهم، على الأمور المالية من الناحية التقنية، لكن من الضروري، وفقاً لأماندا لاين، المدير الإقليمي في الشرق الأوسط لهيئة المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز، ألا يغفلوا عن أهمية التميّز ببعض المهارات الشخصية للنجاح في بيئة العمل المعقّدة في عصرنا هذا .

تخرّج الجامعات اليوم، في مختلف أنحاء الإمارات، طلاباً جدداً أكثر حماسةً وجدّيةً في العمل واستعداداً، من أيّ وقت مضى، للخضوع لمقابلات من أجل الحصول على وظائف . لكن يرتفع الطلب، في الوقت ذاته، على ضرورة تطوير مهاراتهم الشخصية في مجال التواصل، والحفاظ على مظهر لائق في محيط العمل، وحسن إدارة الوقت، ومراعاة آداب السلوك في مكان العمل . ينطبق هذا الأمر اليوم أكثر من ذي قبل، لا سيّما أنّ عدد الإماراتيين الطامحين إلى دخول القطاع الخاص آيلٌ إلى ارتفاع . في هذا الإطار، أفاد أرباب العمل في دورة العام 2012 الخاصة بمعرض الإمارات للوظائف وهو معرضٌ سنوي هدفه تأمين الوظائف للمواطنين الإماراتيين حصرياً بأنّ المرشّحين الذين يتمتّعون بمهارات متطوّرة في التواصل، وغيرها من المهارات الشخصية، يملكون حظوظاً أكبر في العثور على وظيفة أحلامهم .

لا يخفى على أحد أنّ أرباب العمل أصبحوا يبحثون، أكثر فأكثر، عن موظّفين ذوي مهارات شخصية متطوّرة، ما يجعل هذه المهارات نقطةً ثمينة تسهم في رسم معالم مسيرة مهنية ناجحة . فالمهارات الشخصية تمثّل شرطاً أساسياً للتعامل مع الزبائن والمديرين والجهات التنظيمية والمعنيين الآخرين . بطبيعة الحال، لا ريب في أنّ المؤهلات التقنية المتخصّصة ضرورية أيضاً لبناء مسيرة مهنية ناجحة، لكنّ امتلاك هذه الكفاءات وحدها لم يعد، ربّما، كافياً في أيامنا هذه . فقد كشفت دراسة أجرتها شركة غرانت ثورنتن العام الماضي عن أنّ أهمّ الصعوبات المقترنة بتوظيف المتخصّصين في مجال المحاسبة، وفقاً ل55% من المديرين الماليين، تتمثّل بإيجاد موظّفين يتمتّعون بمهارات شخصية، بالإضافة إلى تدريبهم التقني . بعبارة أخرى، إذا كان ربّ العمل يدرس طلبَي مرشّحَين لوظيفة معيّنة يتساويان في الكفاءات، قد تكون المهارات الشخصية هي اللمسة الأخيرة التي سترجّح كفة أحدهما على الآخر .

لعلّ الفكرة السائدة التي طالما اقترنت بالأذهان بشأن المحاسب هي فكرة ذلك الإنسان المنطوي على نفسه الذي تشكّل الأرقام شغله الشاغل . لكنّ هذه الصورة هي، اليوم أكثر من ذي مضى، أبعد ما تكون عن الحقيقة . صحيحٌ أنّ المهارة في معالجة الأرقام عنصر أساسي من مقوّمات المحاسب الناجح، إلا أنها باتت، في القرن الواحد والعشرين، جزءاً واحداً لا أكثر من المعادلة المطلوبة لتحقيق النجاح في هذا المجال . فدور المحاسب قد شهد تغييراً جذرياً على امتداد العقود القليلة الماضية . بالفعل، لم يعد بالإمكان اعتبار المحاسبين مجرّد كتّاب حسابات لا أكثر، بل هم اليوم صانعو قرارات يحتلّون أرفع المناصب في الشركات، كما أنهم من أهمّ المصادر للمعلومات المتعلقة بالأسواق المالية . وليس هذا فحسب، بل إنّ القدرة على التواصل بفعالية وكفاءة وإقناع، مع الآخرين، عنصر لا يستهان به هو الآخر .

وفي هذا السياق، يقول ريتشارد هولاند، المدير المالي في مجموعة الجابر: في بيئتنا اليوم، حيث أصبح التواصل من خلال الأجهزة المحمولة أكثر انتشاراً، يتميّز المحاسب المحترف والرفيع المستوى بقدرته على التواصل مع زملائه والأطراف الخارجية بإيجابية وفعالية .

واليوم، أصبحت الجهات التي تؤمّن التدريب والمؤهّلات المهنية تعترف، أكثر فأكثر، بهذا الأمر، فتساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم في التواصل ونسج العلاقات بين الأفراد، كجزء لا يتجزأ من دراستهم . فضلاً عن ذلك، احتلّت بعض الشهادات التي تتطلّب التدرج في العمل لفترة من الوقت، مثل شهادة المحاسب القانوني المشارك التي تمنحها هيئة المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز، مكانةً قيّمة جداً بما أنها تمنح المرشّحين للوظائف فرصة التعامل اليومي مع زملائهم وزبائنهم بشكل محترف، كجزء من عملية تعلّمهم .

إلى جانب ذلك، تعتبر المهارات الشخصية ميزة مفيدة في جميع الحالات والأعمال، ما يتيح للمحترفين الاستمرار في تطوير مهاراتهم بغضّ النظر عن منصبهم، أو ربّ عملهم، أو حقل عملهم . ومع أنّ هذه المهارات لا تعتبر، في بعض الأحيان، ملموسة أو قابلة للقياس فوراً، كغيرها من المهارات المهنية الأكثر تحديداً، لكن بإمكان الموظّف تطويرها في أيّ بيئة مهنية تقريباً . فهي تخضع للتنقيح والتشذيب بشكل مستمرّ، وسرعان ما ستصبح جزءاً لا يتجزأ من المقاربة التي ينتهجها الأشخاص لمعالجة وضع معيّن، أو استغلال فرصة، أو تخطي صعوبة ما . من هذا المنطلق، لا شكّ في أنّ مباشرة الموظّف بتطوير هذه المهارات في مرحلة مبكرة من مسيرته المهنية خطوةٌ أكيدة لقطف ثمار جهوده في المستقبل، رغم أنّ أوان التقدّم واكتساب هذه المهارات لا يفوت أبداً .

من جهته، يقول فينو بارامشوار، المدير المالي لشركة الدنيا: صحيح أنّ الكفاءة التقنية ضرورية، لكن يجب على المحاسب الطامح إلى أن يكون مديراً مالياً أن يتخلى عن العقلية التقليدية التي تقتضي منه أن يكون مؤرّخاً أو مسجّلاً للأرقام، ليرتقي إلى مستوى المستشرف والشريك الفعليّ في العمل . سعياً لتحقيق ذلك، من الضروري أن يطوّر بعض المهارات الأساسية خلال تقدّمه في مراحل مسيرته المهنية، على غرار تكوين فهم ممتاز لبيئة عمله، وتطوير قدرته على التأثير في القرارات واستراتيجية العمل من خلال التواصل الفاعل مع القسم والمؤسسة ككل، ونسج الشراكات والعمل ضمنها بشكلٍ فعّال .

لا ريب في أنّ شغل منصب المدير أو مستشار الأعمال في أي شركة أو مؤسسة، يتطلب القدرة على التعامل مع الأشخاص ومعالجة المشكلات بفعالية، وهو شرط مطلوب بشدّة في عالم الأعمال . ففي ظلّ سعي أصحاب الشركات والمشاريع التجارية إلى النموّ والتوسّع، تصبح مهارات الأشخاص عنصراً أكثر قيمةً، لا تقل أهميّته سواء في الشركات الكبيرة أو الصغيرة منها . في الواقع، يتأثّر العديد من القرارات التي يتّخذها المحترفون، سواء تعلّقت باختيار مستشار أو توظيف طاقم عمل جديد، بالانطباع الذي يخلّفه فيهم شخص ما كإنسان، عوضاً عن كونه مجموعة من المهارات والمؤهلات الثابتة والقابلة للقياس لا غير .

في هذا الإطار، ولما كانت الإمارات العربية المتّحدة تسعى إلى إعداد مجموعة واسعة من الخبراء رفيعي المستوى، المتخصّصين في الشؤون المالية، من أجل تحقيق النجاح الاقتصادي وبناء جيل قادم من كبار رجال الأعمال، يجب أن تشكّل المهارات الشخصية جزءاً أساسياً من عدّة عمل كلّ موظّف محترف، عوضاً عن كونها مجرّد إضافة بسيطة في نهاية عملية طويلة من التدريب والتأهيل .

هيئة المحاسبين القانونيين في إنجلترا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"