عادي
ندوة الخليج تناقش الخطط الاستراتيجية وتصورات الدولة

الإمارات تواكب المتغيرات الاقتصادية بالاستعداد لمرحلة ما بعد النفط

03:41 صباحا
قراءة 17 دقيقة
دبي : الخليج

أعدها للنشر وأعد ورقة المحاور: هاني عوكل

بخطى ثابتة، وبرؤية واضحة، تخطط دولة الإمارات لما بعد النفط، إدراكاً منها لحقائق الجيولوجيا وثوابت الجغرافيا، وعوامل التاريخ، ومتغيرات الاقتصاد، ورهانات السعي نحو المراكز الأولى.
وقد كانت البداية في القمة الحكومية العام الماضي، عندما ذكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن التفكير والتخطيط لنصف قرن مقبل، حتى يكون الاقتصاد الإماراتي مستداماً ومتيناً ومتنوعاً لا يعتمد على الموارد التقليدية، بما فيها النفط.
ثم جاءت «خلوة ما بعد النفط»، لتؤكد هذا التوجه ولتبحث في البدائل والخيارات من أجل مستقبل الأجيال المقبلة، والحفاظ على دولة الرفاه التي سعى لها، وكرّسها الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، ورعاها من بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
وقد شكلت خلوة «الإمارات ما بعد النفط»، خريطة طريق للدولة والحكومة نحو التأسيس لمرحلة ما بعد النفط، التي ترتكز على الاستثمار في العقول باعتبارها أساس التنمية والمدخل الرئيسي لتطور عجلة الاقتصاد وتنويعه ومواكبته التنمية الشاملة والمتوازنة بين مختلف القطاعات.
الخلوة ركزت على عناوين كثيرة تستهدف تنمية العقول الشابة وتطوير قدراتها لبناء اقتصاد معرفي، يستند إلى الابتكار والتكنولوجيا للوصول إلى تنمية مستدامة، ذلك أن المبادرات التي أعلن عنها مؤخراً مثل عام الابتكار وعام القراءة، جميعها تأتي لتكمل مسيرة الدولة في التطور والرقي الحضاري والعلمي والمعرفي.
وقد وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بإطلاق استراتيجية متكاملة لإمارات ما بعد النفط، وقريباً سيتم الإعلان عن هذه الاستراتيجية التي تشكل محور عمل مختلف المؤسسات في الدولة لترجمة وتطبيق رؤيتها في تبني نهج مبتكر ينعكس إيجاباً على مسيرتها في التنمية.
وتطمح الدولة في السنوات المقبلة إلى تقليل الاعتماد التدريجي على النفط والموارد الطبيعية، وفي الوقت ذاته تركز على ربط العقول المبدعة والمبتكرة ضمن عجلة التنمية، وتستهدف إقامة المشروعات الحيوية والمتطورة التي يمكنها أن توسع من القاعدة الإنتاجية والاقتصادية.
وللوصول إلى اقتصاد وطني متنوع يحقق مصادر للدخل لا تعتمد على النفط والموارد التقليدية، ويضمن ديمومته، وعدم تأثره بالأوضاع الاقتصادية العالمية وتقلبات الأسواق، كل ذلك يستلزم من الجهات الحكومية والمجتمعية التفاعل مع مبادرات الدولة وترجمتها على أرض الواقع.
لقد حققت الدولة منذ تأسيس اتحاد الإمارات في العام 1971 العديد من الإنجازات التنموية التي لاقت استحساناً عربياً وإقليمياً ودولياً، وتمكنت بالجهد الدؤوب، وبفضل القيادة الرشيدة من تقليل الاعتماد على النفط، واليوم 70% من الاقتصاد الوطني غير معتمد على النفط، وخلوة ما بعد النفط جاءت لتعزز هذا المفهوم بالتخلي التام عن النفط، عبر إضافة قطاعات اقتصادية جديدة وتحقيق تنمية شاملة متوازنة في إمارات الدولة كافة.

د. فاطمة الشامسي: نحو الاتجاه الصحيح

موضوع الإمارات ما بعد النفط له أهمية كبيرة، وحظي باهتمام القيادة قبل أن يحظى باهتمام المتخصصين في هذا الموضوع، وقد دعت القيادة إلى خلوة خصصت لمرحلة الإمارات ما بعد النفط، وخرجت بنتائج سمعنا عنها، وتبعها التعديل الوزاري الذي أُطلق عليه وزارة المستقبل. وقد جاءت هذه الندوة لتتناول هذا الموضوع في ثلاثة محاور، المحور الأول سيخصص لدور النفط في الاقتصاد الإماراتي، وكما تعلمون لعب النفط دوراً رئيسياً في اقتصاد دولة الإمارات، وشكّل أساساً لبناء هذا الاقتصاد ونهضة الإمارات، ومساهمة النفط كبيرة في بناء البنية التحتية وفي العنصر البشري والمادي، فقد كان يشكل ما يزيد على 80% من الناتج القومي، ووصل الآن إلى 30% حسب الإحصاءات الجديدة، إذاً، هناك مسار يؤكد أن الإمارات بدأت تخطو في الاتجاه الصحيح المتعلق بتقليل الاعتماد على النفط كسلعة خام.

د. جاسم المناعي: تأثر بانخفاض سعر النفط

يشكل النفط جزءاً كبيراً ومهماً، ليس في الإمارات فقط، وإنما في اقتصادات مجلس التعاون بشكل عام، والاعتماد على النفط وصل إلى مرحلة كبيرة جداً، لدرجة أن أي تذبذبات في أسعار النفط تؤثر مباشرةً في مختلف القطاعات الاقتصادية، ومستوى الإنفاق وإيرادات الحكومة. مثلاً إذا أخذنا دول مجلس التعاون فإن النفط وإيراداته تشكل تقريباً بين 80 إلى 90% من الميزانية، وهذا يعتبر نسبة كبيرة جداً غير موجودة حتى في الدول النفطية الأخرى، وإذا استعرضنا النرويج فإنها دولة نفطية كبيرة لكنها لا تعتمد على النفط، بل حددت مستوى الاعتماد عليه، بينما النفط في دول مجلس التعاون لا يشكل الجزء الأكبر من إيرادات الميزانية فقط، إنما يشكل الجزء الأهم في الصادرات، حيث إن الصادرات النفطية تشكل تقريباً 85% من الإيرادات التصديرية لدول المنطقة، وهذا يؤشر إلى الاعتماد الكبير على النفط، وهذا الأخير يشكل بين 30 إلى 40% في الناتج المحلي، والأهم من كل ذلك، أن القطاعات الصناعية غير النفطية عندنا في المنطقة تعتمد على النفط، ولا ننسى ذلك، ونصنفها كأنها تنويع، وأنها بعيدة عن الاعتماد على النفط، سواء صناعات البتروكيماويات، الألمنيوم، الحديد، وهذه الصناعات قائمة على أساس الجدوى الاقتصادية التي تعتمد على النفط وتكلفته والطاقة في هذه الصناعات، مثلاً يمكن القول إن الألمنيوم والحديد 35% من تكلفة إنتاجهما هي طاقة (غاز)، وخطورة الاعتماد على النفط اليوم بشكل كبير، نابعة مما وصلنا إليه في المنطقة من تذبذبات النفط وارتفاعه وانخفاضه، لكن في الوقت الحاضر هي مرحلة حرجة لاقتصادات المنطقة، لماذا؟ لأنه في السابق حينما كان ينخفض سعر النفط ويصل إلى نحو 50 دولاراً للبرميل، فإنه يغطي إنفاقنا في الميزانية ولا يوجد عجز، لكن اليوم ونتيجةً للتوسع في الإنفاق فقد وصلنا إلى مرحلة نتأثر بها مع انخفاض سعر برميل النفط، وهذه الخطورة التي ينبغي الانتباه، لها ومعالجتها في أقرب فرصة ممكنة.

د. معاوية العوض: تراجع دور النفط

دور النفط كبير، وقد أدى دوره بقوة ثم بدأ يقل، لكن لولا النفط لما كانت هناك البنية التحتية الكبيرة في الإمارات، ولما كانت عملية البناء، ولا حتى وصلنا إلى مرحلة نتحدث فيها عن اقتصاد معرفي وابتكار.. إلخ، لأن هذه تحتاج إلى بنية تحتية قوية، وهذا ما فعله النفط الذي رسخ لوجود بنية تحتية قوية، وحين تأسست الدولة في العام 1971 كان يشكل النفط 90% من النتاج المحلي، وفي النصف الثاني من السبعينات وحتى أوائل الثمانينات، شكل النفط 51% من الناتج المحلي، وفي منتصف الثمانينات كان المتوسط نحو 40%، ومن 2000 إلى 2014 شكل النفط 32% من الناتج المحلي، وهذا من دون النظر في التقلبات في أسعار النفط، وإذا ألقينا نظرة على متوسط النمو الكلي في الاقتصاد الإماراتي من 1975 إلى 2014، كان 9.4%، ولو ألقينا نظرة على النمو في القطاعات غير النفطية وحذفنا النفط، فإنه بين 1975 و2014 كان النمو 10.3%، وعملية البناء من النصف الثاني لسبعينات القرن الماضي بدأت تؤتي أكلها، وبالتالي أسست لمرحلة يكون فيها النفط أقل أهمية مع الزمن، ونتمنى في يوم من الأيام أن يكون النفط مكملاً للاقتصاد، أو عامل استقرار له. وهناك قطاعات أكثر نمواً وقطاعات أخرى تمثل أكبر نسبة من الناتج المحلي، والأكثر نمواً هي المشروعات المالية والخدمات الحكومية والنقل والاتصالات من القطاعات الأكثر نمواً، والقطاعات التي تمثل أكبر نسبة من الناتج المحلي تأتي على رأسها التجارة الداخلية، ومن ثم العقارات والخدمات والأعمال، وبالدرجة الثالثة التشييد والبناء، وهذه القطاعات مرتبطة بشكل كبير بعملية البناء في البنية التحتية، وبالتالي تشكل نسباً كبيرةً من الناتج المحلي، وعملية البناء لم تتوقف من السبعينات من القرن الماضي إلى اليوم، وحالياً هناك إكسبو 2020 الذي يحتاج إلى بنية أكبر في ظل التوجه نحو قطاع السياحة والتوسيع بشكل كبير، واقتصاد ديناميكي مثل اقتصاد الإمارات يؤكد أن عملية البناء والتغيير لن تتوقف فترات طويلة، إنما البنية التحتية الأساسية التي تحتاج إلى تطوير بشكل نوعي تنسحب على التعليم والصحة.

د. محمود الإرياني: نجاح في التنويع

نلاحظ أنه حينما تنهار أسعار النفط يبدأ الحديث عن المستقبل والفعل لاستدراك تهاوي أسعاره، وفي السبعينات من القرن الماضي على سبيل المثال، حينما تهاوت أسعار النفط، تم إنشاء وكالة الطاقة الدولية التي تقابل قوة (أوبك) في تلك الفترة، وحينها قيل إن أوروبا ستجد مصادر طاقة بديلة وتستغني عن النفط، لكنها إلى اليوم لم تستغن عن النفط، بالرغم من أنها أقامت مشروعات مهمة للطاقة البديلة، وبخصوص دور النفط في الاقتصاد الإماراتي، فإنه مهم في حقيقة الأمر، ودولة الإمارات كما هو حال دول الخليج، تتأثر بالنفط بطريقة مباشرة وغير مباشرة، حيث نجحت الإمارات في التنويع، لكن هناك صناعات تعتمد على النفط، والكثير من الخدمات تعتمد على النفط أيضاً.

د. فاطمة الشامسي: دور بارز للصناعة

كثير من الاقتصاديين والمحللين يرون أن قطاع الصناعة سيلعب دوراً بارزاً في اقتصاد دولة الإمارات، وهذا مؤشر على أن قطاع الصناعة قائد في عملية التغيير الاقتصادي والنمو، فهل سيلعب قطاع الصناعة هذا الدور، وهل دولة الإمارات لديها الإمكانات لكي يكون هذا القطاع رائداً في دولة الإمارات، خصوصاً أن الإحصاءات تشير إلى أن مساهمته في الناتج المحلي تزيد على 5.5% في إجمالي الناتج، في حين أن قطاع التشييد هو القطاع الرائد ومساهمته تصل إلى 9.6%.

د. وسيم مينا: مضاعفة جهود القطاع الخاص

النفط ساهم في بناء الكثير من القطاعات في الإمارات وفي التنويع الاقتصادي، وحكومة الإمارات دعت مؤخراً للابتكار وتحسين جودة التعليم، واتبعت استراتيجية تستهدف التنويع الاقتصادي القائم على المعرفة ورأس المال البشري، وخلال الفترة من 2000 إلى 2014 بلغ متوسط إجمالي استثمارات إماراتية بالقياس إلى الناتج المحلي ما يقرب من 22%، وقلّت نسب البطالة في الإمارات إلى مستويات متدنية، غير أنه من المهم التعاون بين القطاعين الخاص والحكومي في هذه الأوقات لزيادة الاستثمار في الصناعات النظيفة، مع تقديم حوافز للقطاع الخاص من أجل مضاعفة جهوده نحو الاستثمار في الطاقة البديلة.

د. سليمان الجاسم: 4 محاور لتنويع مصادر الدخل

أذكر أننا تحدثنا في السبعينات من القرن الماضي خلال ندوة عن النفط، وحضرها الدكتور مانع العتيبة، تحدثنا عن اقتصاد الإمارات ما بعد النفط، وشارك أحد الدكاترة من الكويت، حيث قال إن النفط هو الثروة النابضة والثروة الناضبة، بمعنى أنه الثروة التي تحرك اقتصاد دول الخليج العربي إجمالاً، والناضبة أي القابلة للنضوب في فترة معينة، فكيف نستطيع أن نستخلص ونستخدم هذا المحرك النابض لتوليد ديمومة في اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي؟ أعتقد أن هذا ما نجحت فيه النرويج، التي تعتبر من الدول المتميزة التي خلقت مصيراً اقتصادياً متميزاً عن بقية دول العالم، حيث إنها تعتبر ثالث أكبر مصدر للنفط في منظومة الأوبك، لكنها خلقت أبعاداً جديدة في تنمية اقتصادها الوطني، واستلزمت في تطوير الاقتصاد غير النفطي أربعة محاور ركزت على تنويع مصادر الدخل، التحديث، تنمية الموارد البشرية بالصرف على التعليم المتميز، دعم التنافسية في القطاع الخاص، وهذا مثّل أهم ثلاثة مشاريع في الاقتصاد النرويجي.

د. علي توفيق الصادق: استفادة من ثروة النفط

النفط هو ثروة ولابد من حساب الدخل من هذه الثروة، وأظن أن الإمارات عملت على ثلاثة محاور، الأول يتمثل في الاستثمار واستبدال ثروة النفط بثروة مادية هي المستشفيات، البنية التحتية، المدارس، الجسور، التعليم، والمحور الثاني هو أن الإمارات لديها ثروة مالية بحدود 700 إلى 800 مليار دولار وهذه تنتج لها دخلاً أيضاً، والمحور الثالث هو ما نراه من عمارة في الإمارات، وإذا أردنا التعرف إلى النفط وأين ذهب ودوره، فعلينا النظر من ناحية اقتصاد كلي على مكونات الناتج المحلي الإجمالي، ونأخذ كل قطاع على حدة، مثلاً قطاع الزراعة يعتبر ضعيفاً بالرغم من أن النفط ساهم من حيث التمويل، لكن هناك قطاعات قوية وحاضرة في الدولة والنفط أيضاً ساهم في تمويلها، واسترشاداً بتجارب الدول الأخرى يمكن استعراض حالة النرويج التي لم تنفق إيرادات النفط، بل وضعتها في صناديق سيادية تحافظ عليها وتزيدها للأجيال المقبلة، وأظن أن الإمارات استفادت من ثروة النفط، وأرجو أن تستمر لأنها نعمة من الله، وعلى المسؤولين أن يستفيدوا من هذه الثروة ويعوضوا في ثروة النفط بأجزاء من الثروة الأخرى.

د. شيخة الشامسي: انخفاض المساهمة في الناتج

في ما يخص دور النفط في اقتصاد الإمارات، أُلقي الضوء على هذا الموضوع، حيث بدأ يتراجع دور النفط في الثمانينات من القرن الماضي، لأنه ظهر في صور أخرى، ومعامل التكرير وضعت في الصناعات التحويلية، إذاً، هو النفط لكن بصور مختلفة، وعلى مستوى الإمارات وُجه لبنية أساسية تتصل بخدمة التجارة والنقل والاتصالات، وكلها ساعدت في إيجاد موارد تمثلت في إعادة التصدير، وشجعت القطاع الخاص وبرز انخفاض مساهمة النفط في الناتج القومي لدولة الإمارات أكثر من الدول الأخرى.
والسؤال: هل تراجع دور النفط في دولة الإمارات، أو دول الخليج، أو على مستوى العالم؟ النفط يتراجع واحتياطياته لا تفي بمتطلبات العالم، وهناك ذروة في الإنتاج لكل دولة ثم تبدأ بالتراجع، وقدرت ذروة الإنتاج للوطن العربي عموماً من سنة 2010 إلى 2020 وفي هذه الفترة الوطن العربي يصل إلى ذروة الإنتاج ومن ثم يبدأ بالتراجع، فإذاً، نحن وفي حال انخفضت الأسعار فإننا في الطريق إلى التراجع، ومعلوم التأثير الإيجابي لدولة الإمارات بسبب النفط، من بنية تحتية وارتفاع مستوى المعيشة قياساً بفترة السبعينات من القرن الماضي.

نجيب الشامسي: أبعاد إيجابية مختلفة

الموضوع ليس الإمارات ما بعد النفط فقط، إنما هناك دول تعتمد إلى حد كبير على المساعدات المباشرة وغير المباشرة لتنميتها واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا شك في أن النفط له أبعاد مختلفة إيجابية حيث ساهم خلال العقود الخمسة الماضية، في إحداث بنية تحتية متطورة في الإمارات يشار لها بالبنان، وتضاهي البنى التحتية في الكثير من دول العالم، من طرق ومواصلات، وموانئ، وشبكات الاتصال.. إلخ، ووجود بعض التشريعات القانونية التي تخدم النمو الاقتصادي، وكذلك ساهم النفط في إبراز الإمارات على الخريطة الاقتصادية العالمية، حيث أصبحت الدولة مهمة اقتصادياً في الخريطة الاقتصادية العالمية، وأخذت تساهم بشكل مباشر، وغير مباشر في صياغة القرار الاقتصادي الاستراتيجي على مستوى العالم من خلال المنظمات الاقتصادية الموجودة، وكذلك أوجد النفط أكبر الصناديق السيادية في العالم، وهذه نقاط إيجابية لا نستطيع إنكارها وإنكار التطور الذي حدث، لكن هناك دائماً خلط بين النمو الاقتصادي والتنمية، والنفط ساهم في إيجاد نمو اقتصادي وفي الوقت ذاته حقق تنمية اقتصادية نطمح إلى زيادتها، لكن لا يزال النفط يساهم بشكل مباشر في الكثير من القطاعات، والقطاع الخاص لا يعمل إلا بوجود الإنفاق الحكومي، سواء الحكومات المحلية أو الاتحادية، كما أن القطاع الخاص يعيش على التدفق المالي من قبل الحكومة.

د. فاطمة الشامسي: رؤى استراتيجية

الدولة وضعت تصورات لمرحلة ما بعد النفط، وهناك خطط استراتيجية، مثل خطة الإمارات 2021 وأبوظبي 2030، وجميعها رؤى استراتيجية تستهدف الارتقاء بالوضع الاقتصادي ورسم خريطة للمستقبل في ما يتعلق بالنمو بكل أبعاده، وهذه جزء من التنمية الشاملة بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. إلخ، والخطط التي وضعت أدركت هذا الجانب وتسير بهذا الاتجاه.

د. أحمد مراد: تراجع التأثير

يُعرّف النفط بأنه مصدر تقليدي طبيعي غير متجدد، بمعنى أنه ينضب مع الوقت نتيجة الاستهلاك، ويقل مخزون النفط وبالتالي ينضب، والنفط لعب منذ قيام الاتحاد إلى الآن الدور الكبير الرئيسي في التنمية الاقتصادية التي تشهدها دولة الإمارات، وهذا واضح، حتى إن الدولة أصبحت نموذجاً لدول كثيرة في منطقة الخليج، وتذبذب أسعار النفط سيكون له تبعات وتأثيرات سلبية على النمو، إلا أن هذا التأثير يقل مع الوقت بسبب التنوع.

د. فاطمة الشامسي: الحفاظ على مستوى المعيشة

المحور الثاني عن الجهود الإماراتية لتنويع مصادر الدخل، والرؤى يجب أن تركز على أن هذه الموارد والثروة الموجودة حالياً يجب أن توجه أو تستخدم لكي نحافظ على مستوى المعيشة نفسه الذي يعيشه الأفراد، وأن نراعي الجيل المقبل، لأن الأجيال المقبلة هي الثروة.

د. سليمان الجاسم: تنويع البنية التحتية

حينما بدأت الإمارات بالشروع في تطبيق استراتيجيات جديدة بما يختص بتنويع البنية التحتية، وبالذات الاقتصادية، تساءل كثيرون عن جدوى هذه الخطط الاستراتيجية وهل صحيح أن الإمارات تعتمد الاعتماد الكلي على النفط وتنجح في تقليل اعتمادها الكلي عليه بالاتجاه إلى بدائل أخرى؟ باعتبار الإمارات من أبرز الدول النفطية وتنعم بعائدات ضخمة، وأيضاً شكّك كثيرون بصعوبة إحداث هذا التحوّل في الإمارات، خاصةً مع وضع النشاط الاقتصادي لجهة أن معظم القطاع التجاري وبعض القطاع الصناعي مملوك لغير المواطنين، فضلاً عن هيكل التركيبة السكانية في الإمارات، إذ شككوا في نجاحها في تطبيق هذه الخطة، لكن من خلال موازنة 2015 والناتج القومي الذي يبلغ 1.1 تريليون، كان المتوقع أن يرتفع في عام 2017 إلى 1.6 و1.8 تريليون في العام 2018، وسيكون مع هذا النمو في الناتج القومي الإجمالي تخفيض في مساهمة قطاع النفط فيه، وعندما نقرأ عن حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في القمة الحكومية العام الماضي، ذكر أننا سنحتفل بآخر قطرة نفط في العام 2050، وهو عمر قصير وليس طويلاً، إذاً، كيف نستطيع من الآن أن نبدأ ونستعد لإيجاد البدائل؟ حينما نقرأ أيضاً تصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، أثناء الخلوة الوزارية في منتجع باب الشمس، ذكر أن تطوير العقول البشرية هي العملة العالمية لاقتصاد القرن الحادي والعشرين، وهي السبيل الوحيد الذي نسعى إليه لتحقيق تنمية مستدامة نقود من خلالها دولتنا نحو المزيد من التقدم والرخاء، وقال إن في دولة الإمارات الخبرات والموارد والإرادة والتصميم، والأهم من ذلك هو الرؤية للقيادة الحكيمة، وهذه كلها تُمكّن الإمارات من امتلاك الحلول المبتكرة لخلق اقتصاد جديد وتنويع مصادر الدخل في الدولة.

د. فاطمة الشامسي: إدارة أكثر كفاءة للموارد

ذكر الدكتور سليمان أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قال إننا سنكون فرحين بتصدير آخر برميل للنفط، لكنه وضع شرطاً، ألا وهو القدرة على التعامل مع إدارة مواردنا بصورة أكثر كفاءة، وإذا استطعنا أن ندير هذه الموارد بصورة أكثر كفاءة من الآن، فإننا سنكون فرحين بتصدير آخر برميل نفط، وأيضاً ذكر الدكتور سليمان أن المكون الرئيسي في ديناميكية هذا الاقتصاد هو الاستثمار في رأس المال البشري والتحول إلى اقتصاد المعرفة.

د. علي توفيق الصادق: نقلة تنموية نوعية

يوجد في الإمارات نمو وتنمية، والنمو يتذبذب من عام إلى آخر، أما التنمية فهي الباقية، وعلى سبيل المثال، التعليم والصحة تزداد والبنية التحتية كذلك، وبالتالي فإن التنمية في تطور بفضل النفط في الأساس، وبوجود بنية تحتية يراكم عليها، وهذا يعني وجود نقلة نوعية بالنسبة للتنمية في الإمارات، إنما ألاحظ أيضاً أن استخدام النفط كان نمطياً، بمعنى أنه حين يزداد السعر تزداد الإيرادات ويزيد الإنفاق أكثر، مع أننا تحدثنا عن أن هذه السياسة المالية غير دائمة، خصوصاً أنه حين يهبط سعر برميل النفط فإنه يصعب الإنفاق كما كان في السابق، وبالتالي حينما يكون السعر جيداً والإيرادات كذلك.

نجيب الشامسي: الإنفاق الحكومي المحرك الأساسي

الحقيقة هناك جهود بذلت وقامت بها الدولة على مختلف الصعد، ولها نتائج إيجابية، إنما ما نلاحظه أن الإنفاق العام الحكومي هو المحرك الأساسي لاقتصاد الدولة، في الوقت الذي ظل فيه القطاع الخاص متطفلاً على القطاع الحكومي، مع التسهيلات والامتيازات التي حصل عليها الخاص من قبل الحكومة، وصحيح أن هناك استراتيجيات اتحادية ومحلية، لكننا بحاجة إلى تعليم يستوعبه القطاع الخاص ونوعيته من حيث وجود تخصصات يحتاجها سوق العمل، ولا يغفل أن الإمارات أصبحت وجهة استثمارية مهمة وجاذبة وتنافس الكثير من الدول بفضل الاستقرار السياسي والأمني، ووجود بنى تحتية قوية، وهذه جميعها جذبت الاستثمار إلى الإمارات.

د. فاطمة الشامسي: اهتمام بالبنية القانونية

يجب أن نهتم بالبنية القانونية والتشريعات في الدولة، وأعتقد أن وزارة الاقتصاد تسعى جاهدةً لإقرار هذه القوانين، مثل قانون الشركات والصناعة ومدقق الحسابات والاستثمار الأجنبي، وهناك مشروع بهذه القوانين.

د. أحمد مراد: اعتماد على التعليم

تنويع مصادر الدخل في أي دولة يعتمد بشكل أساسي على التعليم، لذلك نجد أن الإمارات منذ أن بدأت بتنويع مصادر الدخل، لجأت للاعتماد على التعليم باعتباره المحرك الرئيسي لإيجاد مصادر جديدة لا تعتمد على النفط، وانتشرت الجامعات، والآن هناك في الدولة أكثر من 100 جامعة، لكن لابد أن يكون هناك اهتمام بالتعليم الفني والتخصصي، لأنه هو الذي يساعد على وجود مصادر أخرى تعتمد على غير النفط، لذلك التعليم المهني بدأ منذ فترة مع إنشاء كليات التقنية العليا، إنما مع التوسع الكبير والتنمية التي تشهدها الدولة فلابد من أن يكون هناك توسع في البرامج التخصصية التي تفي فكر واستراتيجية الدولة في الفترة المقبلة.

د. فاطمة الشامسي: الاستثمار في رأس المال البشري

مهم جداً الاستثمار في رأس المال البشري عبر التعليم، ولا يقصد بالأخير كثرة عدد الجامعات، وإنما جودة التعليم الذي يحصل عليه الطالب، لكن مع الأسف يمكن القول إن مخرجات بعض الجامعات لا تناسب سوق العمل، لأن الطلبة يتوجهون إلى التخصصات الأدبية التي لا تفي بما هو مطلوب من اقتصاد المعرفة، وبالتالي ينبغي التركيز على التخصصات الأخرى مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهذه هي التخصصات المطلوبة للوصول إلى اقتصاد المعرفة.

ديناميكية عدم التأثر بتقلبات أسعار النفط

قالت د. شيخة الشامسي : إذا نظرنا للجهود الإماراتية لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، بالنسبة لدولة الإمارات، فإنها حاولت تحقيق نوع من الديناميكية بحيث تكون في منأى نوعاً ما عن تقلبات أسعار النفط، حيث شجعت القطاع الخاص وقطاعي التجارة والتشييد والبناء، ومنحت العديد من التسهيلات للقطاع العقاري، وهذه السياسات ساهمت في تنويع مصادر الدخل، وأدت إلى رفع أربعة قطاعات، هي التشييد والبناء والتجارة، جملة وتجزئة، ونقل وتخزين وعقارات وخدمات، ومساهمتها وصلت إلى 40%، في حين أن مساهمة النفط نحو 33%، والصناعات التحويلية التي يعول عليها كانت مساهمتها فقط 9%، وأيضاً الإمارات تعتبر جالبة للاستثمارات الأجنبية، وحسب إحصاءات صادرة عن الأمانة العامة لمجلس التعاون، فإن مستوى التضخم في الإمارات أدنى من الدول الخليجية، وهناك انخفاض في معدلات الضرائب، فضلاً عن وجود بنية أساسية وتوجه لتميلك الأجانب، وكل هذه الأمور جعلت الدولة من أكثر الدول جذباً للاستثمارات بعد تركيا، لكن ما حصل عندنا أن الاستثمار الأجنبي في الإمارات ساهم في رفع السيولة، وهذه الأخيرة أعطت تسهيلات في تمويل العقارات، بينما استغلت تركيا الاستثمارات الأجنبية في تنمية قطاعها الصناعي، إذاً، في الإمارات نحن نوّعنا في مصادر الدخل، لكن لم نصل بعد إلى التنمية المستدامة المطلوبة، وهذا ما أوصى به البنك الدولي حول ضرورة توجيه العائدات للصناعات التصديرية بدلاً من الإنشاءات العملاقة، وأوصى بتحاشي زيادة رواتب الموظفين، ورفع نسبة الإنفاق على البحث العلمي والتقني.. إلخ، وهناك جهود بذلت في هذا الجانب، لكن لا نستطيع القول إن المستقبل مضمون، ولابد أن تكون هناك جهود أكبر، وأن نضع في الاعتبار نضوب النفط في الإمارات في ظل الأسعار السابقة، إنما الوضع الآن مختلف والمورد النابض لا يعني من وجهة النظر الاقتصادية أنه لا يوجد في الأرض، بل إن تكلفة إنتاجه أعلى من إيراداته، وبالتالي اعتبره ناضباً ولا يعني لي الكثير، وهناك دول لديها نفط لكن تكلفة الاستخراج أعلى من الإيرادات، ولذلك تتوقف عن إنتاجه، وكما تعلمون الآن أسعار النفط تدنت بشكل كبير على مستوى العالم، وتكلفة الإنتاج في الإمارات نحو 12 دولاراً والأسعار وصلت إلى مستويات صعبة.

أيقونة للطاقة المتجددة

قال د. عبدالله إسماعيل: في حقيقة الأمر، هناك أيقونة للطاقة المتجددة في الإمارات هي «مصدر»، ويمكننا القول للطلبة وغير الطلبة، إن الإمارات متقدمة عن الكثير من دول المنطقة في مجال الطاقة الشمسية بالذات، وحين اصطحب الطلبة في جولة دراسية إلى مجمع محمد بن راشد «شمس 1»، يمكنهم ملاحظة روعة الإنجاز في هذا المشروع، أضف إلى ذلك أن الزوار الأجانب والمتخصصين حينما يأتون إلى الإمارات فإنهم يشيدون بتقدمها في مجال التخطيط للمستقبل، وعلى سبيل المثال، اللقاءات السنوية على هامش معرض الطاقة في أبوظبي تعتبر في غاية الأهمية، وتدل على أن الدولة تتهيأ للمستقبل وتوجه نحو دراسة التخصصات وإجراء البحوث التي تمكننا من اعتماد مصادر جديدة نظيفة غير النفط، وخلال هذا المعرض تعرض أفضل البحوث والإنجازات ذات الصلة، و«مصدر» تعتبر الآن أيقونة، إلى جانب «إيرينا» التي تعتبر مكسباً كبيراً للدولة، وهذه جميعها دليل على أننا نخطط لمرحلة ما بعد النفط، والإمارات أيضاً قطعت شوطاً كبيراً في موضوع الطاقة النووية، وخلال 2020 إلى 2022 سنولّد 20% من الطاقة الكهربائية من النووية، كما أن هناك مشروع استخدام طاقة الفحم النظيف في إمارة دبي، وهذه تقنية حديثة وقليلة التكلفة، واستناداً إلى إحصاءات عن تقرير «إيرينا» الأخير، تفيد بأن الإمارات خلال مؤتمر القمة للتغير المناخي في باريس، كانت أنشط دولة في مجال الاعتماد على الطاقة النظيفة، حيث التزمت في المؤتمر بأنه بحلول 2020 ستعتمد بنسبة 24% على الطاقة النظيفة، (الطاقة الشمسية والنووية)، وأننا في العام 2030 سنعتمد بشكل كبير على الطاقة النظيفة غير الأحفورية، ثم هناك مشروعات ومراكز بحثية كثيرة تعتبر «مصدر» من أنشطها في العالم العربي، و«مصدر» لديها مشروع يستهدف توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية بنسبة 7% في العام 2020، و«ديوا» لديها محطة قائمة تنتج 100 ميغاوات، وبعد عدة سنوات تطمح لتوليد 1000 ميغاوات عبر الطاقة الشمسية، والمجلس الأعلى للطاقة في دبي لديه لوائح رائعة وعالمية في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة والشبكات الجديدة.

المشاركون في الندوة:

1 د. أحمد مراد: القائم بأعمال عميد كلية العلوم في جامعة الإمارات
2 د. جاسم المناعي: عضو مجلس إدارة بلوم بنك، الرئيس السابق لصندوق النقد العربي
3 د. سليمان موسى الجاسم: باحث وأكاديمي
4 د. شيخة الشامسي: أستاذة جامعية في الاقتصاد
5 د. عبدالله إسماعيل: أكاديمي وباحث في معهد روتشستر للتكنولوجيا بدبي
6 د. علي توفيق الصادق: مستشار اقتصادي
7 د. فاطمة الشامسي: نائب مدير جامعة باريس سوربون- أبوظبي
8 د. محمود علي الإرياني: خبير اقتصادي
9 د. معاوية العوض: مدير معهد الدراسات الاجتماعية والاقتصادية بجامعة زايد
10 نجيب عبدالله الشامسي: مدير عام الهيئة الاستشارية في مجلس التعاون الخليجي
11 د. وسيم مينا: أستاذ مشارك في جامعة الإمارات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"