عادي
يقدم البديل في إطار من العدالة

التمويل الإسلامي يطرح رؤية آمنة للخروج من الإعصار (1)

04:19 صباحا
قراءة 11 دقيقة

حارت العقول والأفهام في تحديد الأسباب ومن ثم الحلول الحقيقية لانهيارات الأسواق التي نجمت عن فقاعة العقارات، أو ما تعرف بأزمة الرهون العقارية . ورغم كثرة الحديث عن المحفزات وخطط الانقاذ، وضخ الأموال إلا أن الأسواق باتت لا تستجيب بشكل مؤثر لتلك الخطط والمحفزات . وكأن فيروس الانهيار يكتسب مناعة ذاتية تجاه مختلف محاولات الانقاذ لجسد الاقتصاد العالمي المريض .

في هذا الخضم يطرح الدكتور معبد علي الجارحي الخبير المالي المعروف ومدير التدريب بمصرف الامارات الاسلامي ورئيس الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي رؤية ثاقبة وموضوعية حول الأزمة وأسبابها ومظاهرها، والمخرج الآمن منها، عبر دراسة ننشرها على حلقتين، ايماناً منا بأهمية الطرح وأصالة الأفكار التي تستند اليها الدراسة التالي نصها .

تكمن أسباب العاصفة التي هبت مؤخرا على الاقتصاد العالمي، في طبيعة النظام الاقتصادي المطبق في الدول الغربية . ودعنا نبدأ بتلخيص أهم ملامح هذا النظام . أولاً: هو نظام يعتمد على إعطاء الحرية الاقتصادية الأهمية القصوى في كافة القطاعات، وثانياً يعتمد على أسس إقراضية في توزيع الموارد المالية . وثالثاً، يركز التعامل في أسواقه المالية على التجارة في المخاطر، أو ما يسميه الفقهاء عقود الغرر، التي تضم المستقبليات والمشتقات وغيرها . ورابعا، لكي يمكن استخدام تلك العقود، يسمح في الأسواق ببيع ما لا يملك، وربح ما لايضمن، وبيع الديون .

هذه الملامح الأربعة هي السبب الرئيسي وراء العواصف التي تصيب الاقتصادات الغربية بصورة متكررة ومتزايدة بين فترة وأخرى . ودعونا نشرح لماذا تكمن الملامح الأربعة للاقتصاد الغربي وراء المشاكل المتكررة التي تتزايد في حدتها .

أولاً، من حيث إعطاء الحرية الاقتصادية الأولوية القصوى، فإن ذلك يؤدي من ناحية إلى ضعف إجراءات التضبيط والرقابة في الاقتصاد، ويفتح بابا أوسع لانحرافات الأسواق، خاصة في مجالات الاحتكار والمضاربات القمارية . ومن ناحية أخرى، غالبا ما يتضاءل الاهتمام بالعدالة الاجتماعية، وتضعف أغراضها، بحيث تقتصر على مجرد إبقاء الفقير على قيد الحياة، دون إعادة توزيع حقيقي للثروة بين الأغنياء والفقراء . وهذا يعرض المجتمع لصراعات اقتصادية وسياسية بعضها ظاهر، وأكثرها يتفاقم ببطء وراء الأستار .

ثانيا، أن الاعتماد على الأسس الإقراضية في تخصيص الموارد المالية، يؤدي إلى إعطاء الملاءة المالية الدور الأول في تخصيص الموارد، بدلا من الجدوى الاستثمارية . وبالتالي، فإن المصارف والمؤسسات المالية سوف تقوم بنشاطها التمويل عن طريق الإقراض، أي تقديم القروض بفائدة، وتتجنب التمويلات السلعية والمشاركات . وهذا يحوّل عملية التمويل إلى مجرد بيع نقد ناجز بنقد آجل، وينصب اهتمام المقرض في هذه الحالة على ملاءة المقترض، وليس على قدرته على السداد، التي ترتبط بعاملين: الأول جدوى استخدام الأموال وربحيته المتوقعة من جانب، والملاءة من ناحية أخرى . فيتم التركيز على العنصر الأخير بدرجة أكبر، وإهمال العنصر الأول، وهو جدوى استخدام الأموال المقترضة . ويؤدي ذلك الأسلوب إلى تحول المصارف إلى مؤسسات وساطة مالية، تقترض (أي تشتري النقد) من الجمهور بفائدة ربوية، ومن ثم تقرضه (أي تبيع النقد) بفائدة أعلى للمتمولين .

ثالثا، من المفهوم بداءة أن المتاجرة تكون في السلع والخدمات، أو في حقوق ملكية لموجودات فعلية وموجودة، كالأسهم مثلا، أو في موجودات موصوفة في الذمة، كصكوك في طائرات تحت التصنيع، وتمثل كلا الأداتين حقوقا على المشاع في موجودات الشركات . ولكن الاقتصاد الغربي نحا منحا خطيرا عند ابتداع التجارة في غير المملوك للبائع، أو الموجود أصلا . هذه العقود التي تشمل المستقبليات والمشتقات مصممة للتجارة في المخاطر، أو بمعنى آخر المقامرة . فالمتعاملون في تلك العقود يقامرون على الأسعار في المستقبل، ومن الأساليب المستخدمة في هذا المجال البيع القصير، والشراء الطويل، وتأجيل البدلين في البيع . فالبيع القصير (short selling) (أو ما يسمى عرفاً بالبيع على المكشوف) يعني أن يقامر البائع على انخفاض سعر الأسهم، ومن ثم يبيعها الآن (دون أن يملكها) على أمل أن يكون سعرها قد انخفض عندما يحين وقت تسليمها، وبالتالي يشتريها بسعر أرخص مما باع به ، ويكسب الفرق، الذي يخسره في الوقت نفسه من يكون قد اشتراها بسعر أعلى وتسلمها وهي أقل سعرا . أما الشراء الطويل (long purchase) فهو ينصب على قيام المشتري بالمقامرة على ارتفاع سعر الأسهم، بأن يشتريها بقرض ربوي، على أمل أن يبيعها بسعر أعلى في المستقبل، ويكون مكسبه الزيادة في السعر، التي يكون قد خسرها من باعها قبل ارتفاع الأسعار . وفي الغالب يرتبط الشراء الطويل بالقروض التي تقدمها المصارف مباشرة أو من خلال السماسرة للتمويل الربوي لجزء أو هامش من ثمن البيع، ولذلك يسمى بالشراء أو التعامل على الهامش . ويتم الكثير من التعامل على أساس مستقبلي، بأن يدخل أطراف في عقود بيع يؤجل فيها دفع الثمن وقبض السلع إلى أجل مستقبل . وتؤدي تلك العقود القمارية إلى خسارة من باع ثم ارتفعت الأسعار ومن اشترى ثم انخفضت الأسعار، مقابل ربح من باع ثم انخفضت الأسعار ومن اشترى ثم ارتفعت الأسعار .

وهكذا تنبني الأسواق على ترتيبات قمارية تحيلها إلى قاعات قمار، تستقطب الأموال من أنشطة إنتاج السلع والخدمات، إلى نشاط مشبوه، يعتمد على محاولة الحصول على مكسب سريع بالمقامرة على اتجاه الأسعار على حساب طرف آخر . ومن الغريب أن الأسواق العالمية المنظمة تقودها قلة من المتخصصين الذين يدرسون الأسواق بعناية، ويحسنون عادة القيام بمقامرات محسوبة، وبذلك يكونون في الغالب الكاسبين في المقامرة . وتقابلهم كثرة من الجمهور من غير المتخصصين، الذين ينجرفون كالقطيع وراء الرغبة في تحقيق الكسب السريع، وهم في الغالب الخاسرون في المقامرة .

رابعا، أنه من الواضح أن تلك المعاملات القمارية في أسواق السلع والمال تعتمد على رخصتين تأصل كل منهما في تلك الأسواق، الأولى بيع ما لا يملك، أي أن البائع يبيع سلعة لا يملكها ولا ينتجها، والثانية، بيع الدين، أي أن البائع يكون له دين على طرف آخر، فيقوم ببيعه في السوق . وهذا يجعل المعاملات أقرب إلى الوهم وأبعد عن الحقيقة من المعاملات الفعلية التي تجيزها الشريعة والتي يتم فيها تقابض البدلين: كما في البيع المطلق الذي يتم فيه تسليم واستلام كل من البدلين: السلع مقابل الثمن في الحال . أو قبض أحدهما وتأجيل الآخر كما في البيع بثمن آجل حيث يتم تسليم السلع ويؤجل قبض الثمن، أو حيث يعجل دفع الثمن ويؤجل تسليم السلع، كما في بيع السلم .

أما بيع الديون فمصيبة أخرى، فباعتراف المتخصصين، تكون أسواق الديون أو السندات أكبر مصدر للهزات الاقتصادية وما يسمى العدوى . فسوق الديون بطبيعتها يسهل الدخول فيها بشراء السندات الذي يمكن أن يتم في لحظات، كما يسهل الخروج منها عن طريق بيع السندات . وعندما تتجه التوقعات إلى سوء الأحوال في بلد ما، تخرج منه الأموال مهرولة، مما يجعل خروجها مشابها للإعصار الذي يعصف باقتصاد تلك الدولة . فتنهار مؤشراتها الاقتصادية بسرعة مذهلة، وتنتقل العدوى إلى الدول التي ترتبط اقتصاداتها بالدولة المصابة .

ومن العجيب أن حجم التجارة في الديون (أو السندات) أصبح يفوق حجم الإنتاج البشري من السلع والخدمات بمراحل، حيث يبلغ حجم التعامل في الديون في الأسواق المالية العالمية ما يزيد على ألف مليار دولار يوميا، بينما يصل الإنتاج العالمي من السلع والخدمات إلى بضعة وثلاثين ألف مليار في العام الكامل . ومن المقبول عامة أن يكون القطاع السلعي حيث يتم إنتاج وتبادل السلع والخدمات أكبر بكثير من القطاع المالي، بحيث يكون مكان القطاع المالي بمثابة مكان الذيل من الكلب، الذي يهز ذيله، دون أن يهتز باهتزاز الذيل . ولكن التعامل في الأسواق المالية جعل الذيل يفوق الكلب في حجمه وحركته، أي أن الذيل يهز الكلب وليس العكس .

ولقد كانت سوق الديون هي الباب الواسع الذي دخلت منه الأزمة الأخيرة . فقد قامت البنوك الأمريكية بتقديم قروض لملايين الأمريكان لغرض شراء مساكن . وكانت تلك القروض مضمونة بالعقارات التي يسكنونها أو يملكونها والتي تم رهنها . ثم بعد ذلك قامت البنوك بإغراء أصحاب المساكن بإعادة تمويل الرهون العقارية، بعد أن أعادوا تقييم العقارات بسعر أعلى مما بيعت به . وبذلك حصل ملاك العقارات على المزيد من القروض دون ما يزيد ما لديهم من عقارات . وبذلك أصبحوا أكثر عرضة للوقوع في شراك الإعسار . وفي العادة تقوم مؤسسات متخصصة بالتأمين على تلك الديون، من أكبرها: فريدي ماك وفاني ماي، على أساس أن أقساط التأمين سوف تزيد على الديون التي يفشل أصحابها في السداد، وبالتالي تحقق تلك المؤسسات أرباحا كبيرة . ونظرا لسهولة بيع الديون، فقد قامت البنوك الأمريكية بتجميعها في حزم وإصدار سندات مقابلها، ثم بيعها في الأسواق المالية . وقام بشرائها العديد من البنوك في أنحاء المعمورة، على أساس أنها ديون مضمونة بعقارات ومؤمن عليها من قبل مؤسسات عملاقة .

ومن طبيعة الديون الربوية عدم القدرة على الاستمرار، بمعنى إذا أصيب المدين بالإعسار، وتأخر في سداد قسط من القرض، تفرض عليه فوائد تأخير مضاعفة، وإذا أعيدت جدولة الدين، زادت عليه رسوم إعادة الجدولة، وبالتالي يزيد حجم الدين، وبالرغم استمرار المقترض في السداد، فإن الدين لا يختفي ولا ينتهي . بل قد يدفع المدين عدة أمثال أصل الدين دون أن يتمكن من سداده . وهكذا كان من المحتم أن يؤدي إعسار لا يتمكن الكثيرون من سداد ما عليهم من مستحقات الديون العقارية .

ولقد كان واضحا منذ البداية أن المقترضين من أصحاب العقارات قد غرر بهم، ووضعوا في موضع لا بد وأن يؤدي بالكثير منهم إلى الإعسار . وجاءت الطامة الكبرى عندما تبين أن الأغلبية العظمى لتلك الديون غير قابلة للسداد، إما لفقر المقترضين، أو للمبالغة في قيمة العقارات المرهونة كضمان، أو كليهما . وبذلك اشتهرت تلك الديون باسم الديون الرديئة (subprime debt) .

ولما كانت البنوك التقليدية تستقطب الودائع على هيئة قروض مضمونة السداد بأصلها وفوائدها، بينما تقرض تلك الأموال قروضا يعتمد ردها على الضمانات الموجودة، فقد وجدت البنوك التي قدمت القروض العقارية نفسها في مأزق شديد، حيث من المطلوب منها أن تقوم برد الودائع وفوائدها، ولكنها لا تستطيع تحصيل ما عليها من ديون . كما أن الشركات التي ضمنت تلك الديون، وجدت أن قيمة الديون الرديئة تفوق ما لديها من موارد للقيام بسداد ما عليها من ضمانات . وبذلك أصبح كل من البنوك المقرضة وشركات ضمان القروض العقارية مهددة بالإفلاس . وهذا شيء خطير يمكن أن يهدد النظم المصرفية في البلاد التي تورطت بنوكها في تقديم الديون العقارية أو شرائها . فالخطورة تكمن في حال تقدم المودعين لسحب ودائعهم مع عدم تمكن البنوك بردها . وإذا حدث ذلك لأحد المودعين، هرول بقية المودعين في البنك لسحب ودائعهم خوفا عليها . وإذا انتشر خبر إفلاس بنك واحد هرول المودعون إلى بقية البنوك لسحب ودائعهم فينهار النظام المصرفي كله في الدولة .

ونظرا لما قامت به الحكومة الأمريكية من تقديم دعم سخي لمؤسسات ضمان الديون العملاقة، مثل فريدي ماك وفاني ماي، ولكبرى البنوك التي أنشأت تلك الديون، ولأن الحكومات الغربية سوف تحذو حذو الحكومة الأمريكية، فإنه يحق لنا أن نسأل هل هذا الدعم كان إجراء حكيما؟ وإذا لم يكن كذلك، فكيف نحل المشكلة التي تكمن وراء الأزمة؟

المشكلة تكمن في عجز المقترضين، ومعظمهم من صغار المدخرين الذين حصلوا على قروض تفوق قدرتهم على السداد، ولم يقم الكثيرون منهم باستخدام الأموال المقترضة فعلا في تمويل نشاط اقتصادي يزيد دخولهم وثرواتهم، بما يمكنهم من سداد ما اقترضوه . ولذلك، فمن المنطقي أن يكون الحل بمساعدة هؤلاء المقترضين مباشرة على سداد ديونهم عن طريق إعفائهم من كافة الفوائد وإعادة الجدولة دون زيادة في قيمة الدين، أو إعفائهم من جزء من أصل الدين وفوائده . أما شراء الشركات وإنقاذها فهو يعنى مساعدة الدائنين وليس المدينين . بمعنى أن الشركات التي قامت بتقديم القروض أو بضمانها سوف تحصل على أموال إضافية لمنعها من الإفلاس، ولكنها سوف تستمر في مطالبة المقترضين بالسداد، وتتمادى في بيع عقاراتهم لتحصيل ما يمكن تحصيله من الديون . بينما نجد أن المقترضين، وهم بالملايين، سوف يستمر تدهور أوضاعهم المالية، وتنخفض مشترياتهم من السلع والخدمات، مما يؤدي بالاقتصاد إلى ركود محقق .

وقد يدعي البعض أن مساعدة شركات الإقراض وضمان القروض يساعد على استمرار القطاع المصرفي على الاستمرار في الإقراض، وأنه إذا توقف الإقراض، فسيحل الكساد بالاقتصاد . ولكن المؤسسات المالية بصفة عامة، ومهما قامت به الدولة من إجراءات، سوف تخفض نشاطها ألإقراضي، بل إن الشك في قيام البنوك بإخفاء الحقيقة حول ما لديها من ديون سيئة قد أدى إلى انعدام الثقة بين البنوك نفسها، بحيث جعلها تحجم عن إقراض بعضها بعضاً . والأولى إذن أن نضع الأموال في أيدي الجمهور المقترض، لكي يستمر الطلب على السلع والخدمات دون انخفاض، وبذلك نبقى على المحرك الأساس للنشاط الاقتصادي .

ومن المفهوم أن تكون البنوك والمؤسسات المالية الكبيرة أكثر قدرة على الحصول على الدعم الحكومي، نظرا لما تتمتع به من قوة سياسية واقتصادية . حيث يكون أغلب الوزراء في أمريكا وكثير من ألعاملين في المؤسسات السياسية من رجال الأعمال السابقين ذوي الصلة بمؤسسات الأعمال التي كانوا يعملون فيها من قبل . كما أن الكثير من مؤسسات الأعمال يدعم الحملات الانتخابية للمرشحين المفضلين . ويؤدي ذلك في إطار تبادل المنافع إلى التأثير في القرار السياسي . ولكن كما شرحنا من قبل، لا فرق بين دعم البنوك الكبيرة أو الصغيرة، إذ لن يؤدي ذلك الدعم إلى حماية الاقتصاد من الركود، وإنما الواجب أن يقدم الدعم مباشرة للمقترضين، لحمايتهم من الإفلاس . وبالتالي، تتم تسوية ديونهم بما يحمي البنوك من الإفلاس من ناحية، كما تستمر قوتهم الشرائية دون تدهور، فتستمر بذلك عجلة الاقتصاد في الدوران من ناحية أخرى .

ولذلك نقول بكل ثقة إن الحلول المطروحة لعلاج الأزمة حلول جزئية، تهدف ولا تتعدى التهدئة المؤقتة، ولكنها لا تحل الأزمة المتفاقمة، إلا إذا اعترفت الدول الغربية بإفلاس النظام، وفتحت بابا واسعا للنقاش حول سبل إصلاحه . وهذا شيء مقلق لنا نحن العرب، الذين لدينا أموال كثيرة في الاقتصاد الغربي، ولذلك يحق لنا أن نسأل: أين أموالنا العربية، وهل يمكن أن تعود إلينا؟ فهناك خطر محقق على الأموال العربية في الاقتصادات الغربية، سواء أكانت في البنوك الأجنبية، أم في الأسواق المالية، أم حتى لدى الحكومات الغربية على هيئة أذون الخزانة والسندات الحكومية . ويختلف الخطر باختلاف أسلوب توظيف الأموال . فالأموال لدى البنوك تواجه مخاطر إفلاس البنك واحتمال قيام الحكومات بخفض سعر الفائدة لمواجهة الكساد المنتظر . والأموال لدى الأسواق المالية تواجه التدهور الشديد في أسعار الأسهم وسوء أداء الشركات مع حدوث الكساد . والأموال لدى الحكومات تتعرض لخطر خفض أسعار الفائدة وتوقع رفض الحكومات تسييل أذون الخزانة والسندات الحكومية في ظل الشح السائد في السيولة . يضاف إلى ذلك أن الأموال الموظفة حاليا بالدولار قد يبدو أنها قد تحسن وضعها مع تحسن سعر صرف الدولار . إلا أن ذلك التحسن ظاهرة مؤقتة وخادعة، تتزامن مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتأزمة، وتزول مع تزايد الانفراج السياسي الذي يتوقع أن تبدو بشائره مع التغير المنتظر للإدارة الأمريكية . ومن المعروف أن الأموال العربية قد عانت الكثير من الخسائر في الماضي وهي ما تزال معرضة للمزيد منها . وهذا يعزز الاعتقاد أن تلك الأموال قد خرجت من أوطانها لمبررات سياسية قاهرة، وليس لمبررات اقتصادية يمكن تفهمها .

والآن وقد عم التشاؤم في أسواقنا المالية، فهل يمكن أن نستبدل به قدرا من التفاؤل؟ يعود التشاؤم الحالي في الدول العربية عامة والدول الخليجية خاصة إلى الارتباط الوثيق بين الاقتصادات العربية والاقتصادات الغربية في أوربا وأمريكا، والتشابه شبه المطلق بين الهياكل المؤسسية للنظام المصرفي والأسواق المالية بين بلاد العرب وبلاد الغرب، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى انتقال العلل الاقتصادية إلينا عن طريق العدوى مع غيرها من العلل الثقافية والاجتماعية .

ولذلك فمن الواجب السؤال: كيف نحصّن بلادنا من تلك العلل؟ والواقع أن منظومة الاقتصادي الإسلامي بصفة عامة، ونظام التمويل الإسلامي كأحد مكونات المنظومة كاف لإعطائنا مناعة طبيعية، وهذا يحتاج إلى تفصيل . ولكي نختصر، نركز على نظام التمويل الإسلامي وكيف يحقق المناعة الطبيعية لبلداننا من الأمراض الدخيلة علينا .

هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الحلقة المقبلة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"