التوازن المفقود في سياسة أمريكا الشرق أوسطية

02:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

في فترة ما قبل رئاسة دونالد ترامب، كان كثيرون من خبراء السياسة الخارجية الأمريكية قد نبهوا إلى ضرورة إيجاد توازن بين مكونات المصالح الحيوية للولايات المتحدة في العالم العربي، بحيث لا يطغى التحيز لإحداها على الأخرى، مما يؤدي في النهاية إلى خلل في السياسة الخارجية، التي يفترض أنها تهدف في المقام الأول إلى حماية المصالح الحيوية في الشرق الأوسط.
هؤلاء نبهوا إلى أن التحيز المطلق والسافر ل«إسرائيل» وعدم استخدام النفوذ الأمريكي لمنع «إسرائيل» من دفع عملية السلام نحو الانهيار، يضران بمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة في المنطقة.
نفس التوجه هو الذي التزمت به السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش - الأب، الذي اعتبر أن انتهاء الحرب الباردة، وزوال الاتحاد السوفييتي من على خريطة صراع القوتين العظميين، يحتاجان إلى تغيير جوهري في سياسة بلاده في الشرق الأوسط بالانحياز إلى مبدأ الاستقرار الإقليمي، والذي يتأسس على حل الصراع بين «إسرائيل» من جهة، والفلسطينيين والعرب من جهة ثانية، عن طريق معاهدة سلام بين الطرفين.
وتحقيقاً لذلك بذل جهوده لعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، والذي ألزمت الولايات المتحدة نفسها فيه بدور الوسيط النزيه بين طرفي عملية السلام. وفي مدريد فرض بوش على إسحق شامير رئيس وزراء «إسرائيل» تجميد عملية بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ كونها غير شرعية، وعقبة في طريق السلام.
وبعد انتهاء مؤتمر مدريد، تم بدء جلسات اللجان المتفرعة عنه، عاد شامير إلى بناء المستوطنات، في تحدٍّ صارخ لإرادة الرئيس الأمريكي، عندئذ وجه بوش إنذاراً ل«إسرائيل» بإيقاف قرض قيمته عشرة مليارات من الدولارات، إذا لم ترجع إلى الالتزام بإيقاف بناء المستوطنات، واتجهت «إسرائيل» إلى حشد القوى اليهودية الأمريكية للضغط على بوش، لكنه حسم الأمر بإيفاد وزير خارجيته جيمس بيكر إلى الكونجرس؛ ليعلن أمامه أن تصرف «إسرائيل» يضر بالأمن القومي الأمريكي، عندئذ تحوّلت اتجاهات السياسة الأمريكية، سواء من جانب البيت الأبيض أو الكونجرس، إلى مبدأ التوازن بين مكونات المصالح الحيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بمراعاة مصالح الطرفين العربي و«الإسرائيلي»، ما دام الأمر لا يخص فقط نزاعاً «إسرائيلياً» فلسطينياً، لكنه يمسّ أيضاً المصالح الحيوية للولايات المتحدة.
لكنّ تحولاً بدأ يحدث في مسارات السياسة الأمريكية، نتيجة عاملين أساسيين، أولهما غياب الإحساس بوجود فعل عربي يمكن أن يشعرهم بأن الانحياز ل«إسرائيل» يمكن أن يضرّ بالمصالح الحيوية ومصالح الأمن القومي الأمريكي.
ولا ننسى يوم أن وجّهتُ سؤالاً إلى مسؤول بالخارجية الأمريكية في واشنطن، هو ألا يمكن أن يكون في هذا التحيز إضراراً بالمصالح الأمريكية في المنطقة؟.. وكانت إجابته: إن كل رئيس أمريكي يبدأ عهده بالاطلاع على خريطة أداء طرفي النزاع، وحين يجد أن الطرف «الإسرائيلي» هو الفاعل، وأن الطرف العربي في حالة سكون، فما الذي يدفعه إلى تغيير السياسة الأمريكية في المنطقة.
والعامل الثاني هو غلبة حسابات السياسة الداخلية بصورة طاغية على اعتبارات السياسة الخارجية، فالرئيس ترامب مهتم بإعادة انتخابه لفترة ثانية، مدركاً حجم الرفض الداخلي ضده، ولذلك لجأ إلى إرضاء قاعدة انتخابية تملك 20% من أصوات الناخبين، يمثلهم ما يعرف بائتلاف المسيحية الصهيونية، الذين صار لهم نفوذ ضخم في دفع سياسته نحو التحيز المطلق ل«إسرائيل»، وأيضاً تسليم ملف القضية الفلسطينية إلى ثلاثة من مناصري سياسة الاستيطان «الإسرائيلي»، وعرقلة قيام الدولة الفلسطينية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"