العربدة التركية.. وغيرها

04:25 صباحا
قراءة دقيقتين

تحت ذريعة حماية أمن تركيا من «الخطر الكردي»، والمجال الحيوي، والحق التاريخي، يعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحرب على أكثر من جبهة، متنقلاً بين الشرق والغرب من ديار العرب، تارة بالغزو المباشر، وتارة من خلال الجماعات الإرهابية التي جعل منها جيشاً رديفاً يعمل في خدمته.

فيما هو يقضم أجزاء من شمال سوريا ويعمل على «تتريكها»، بواسطة «طوابيره الخامسة» التي قام بتأسيسها من مرتزقة وأوباش الأرض، ويبعث بأفواج أخرى من هؤلاء إلى ليبيا مع جنوده وضباطه للانضمام إلى جماعات إرهابية أخرى تعمل تحت رعاية ما يسمى حكومة الوفاق، ويعلن وزير دفاعه خلوصي أكار من هناك «أن القوات التركية باقية إلى الأبد» في ليبيا.. في غضون ذلك تواصل القوات التركية اعتداءاتها براً وجواً على شمال العراق بشكل شبه يومي، موقعة خسائر في الأرواح والممتلكات، من دون اكتراث باحتجاجات متتالية من جانب الحكومة في بغداد، أو أصوات استنكار من مختلف القوى والأحزاب العراقية، وكأن كل ذلك لا يعنيها، وكأن أردوغان يقول «اصرخوا ما شئتم، واستنكروا كما يحلو لكم.. فذلك لا يعنيني ولن يغيّر شيئاً».

خلال أسبوعين تم استدعاء السفير التركي في بغداد أكثر من مرة، وتم تسليمه رسائل احتجاج «شديدة اللهجة»، كان آخرها يوم أمس الأول بشأن مواصلة القوات التركية الاعتداء على الأراضي العراقية، والمطالبة بالوقف «الفوري لهذه الاعتداءات التي تسيء للسلم الإقليمي، فضلاً عما تشكله من اعتداء على السيادة والممتلكات والأرواح».

أردوغان يدرك تماماً أن رسائل الاستنكار وبيانات الشجب هي لغة الضعفاء، مثلها مثل اللجوء إلى المحافل الدولية، وقرارات الشرعية الدولية التي تبقى مجرد حبر على ورق بالنسبة للأقوياء الذين يعتبرون أنفسهم فوق الشرعية وتلك القرارات، تماماً كما هو حال «إسرائيل» التي ترى فيها «خيال مآتة» لا يخيف إلا الطيور.

العراق، مثله مثل سوريا وليبيا، إذ إن أنقرة لا ترى في هذه الدول مجرد ساحة للتدخل العسكري المباشر فحسب، بل تعتبر أن من حقها التدخل فيها متى شاءت باعتبارها ممتلكات عثمانية، ولها الحق في وضع اليد على ثرواتها باعتبارها «أتاوة» مستحقة ل«الباب العالي». ولذلك لم يخجل وزير الدفاع التركي من المجاهرة بأن تركيا «لن تخرج أبداً» من ليبيا، لأن أجداده كانوا هناك.

هذه العربدة التركية، ومعها العربدة «الإسرائيلية» والإيرانية والأمريكية في الدول العربية، ما كانت لتحصل لو أن الدول العربية قررت أن تكون لها أسنان، وأن تبني جداراً من القوة والبأس لحماية حدودها والذود عن حياضها، وأن تعتمد على ذاتها في تحصين إرادتها وقرارها.. وهي لديها كل الإمكانات والقدرات لو أنها قررت وتوكلت.. لكن الأمر غير ذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"