هل يظل الجسد حيّاً بعد موت الدماغ؟

06:05 صباحا
قراءة 4 دقائق
هل يتمكن الجسد من البقاء على قيد الحياة بعد توقف الدماغ؟
سؤال كان مطروحاً . . وقد ظهرت الإجابة عنه أخيراً من حالة طفلة أمريكية، لكن ذلك لا يدوم كثيراً كما تبين، ولا يتم أبداً من دون مساعدة من الأجهزة الطبية .
فقد تمكنت فتاة من كاليفورينا تبلغ من العمر 13 عاماً من البقاء على قيد الحياة معتمدة على جهاز تنفس بعد إعلان الأطباء عن موت دماغها .
صحيح أن الشخص الذي يموت دماغه لا يعتبر من الناحية القانونية متوفياً، ولكن ما أعضاء الجسم التي يمكن أن تواصل العمل بمساعدة التكنولوجيا؟ وإلى أي مدى زمني؟
في الأسابيع القليلة الماضية، اعتبر الأطباء أن هذه الطفلة وتدعى جاهي ماكماث، ميتة دماغياً بعد معاناتها تعقيدات شديدة ونادرة حدثت لها بعدما أجرت عملية جراحية لاستئصال اللوز . وقد كافحت أسرة جاهي لإبقاء ابنتهم موضوعة على جهاز تنفس على أمل أن تعود إلى الحياة، بيد أن قاضي محكمة أصدر أمراً بإيقاف تشغيل الجهاز بعد أسبوع .
ومن الناحية القانونية البحتة، يعتبر أي شخص ميتاً عندما يفقد أي نشاط عصبي في الدماغ أو في جذع الدماغ، وهذا يعني أن النبضات الكهربائية التي تنتقل بين خلايا الدماغ لا تتمكن من الحركة .
وللتأكد من وفاة شخص ما دماغياً، يجري الأطباء عدداً من الفحوص لتحديد ذلك، وواحدة منها تختبر ما إذا كان بمقدور المريض استهلال تنفسه، وهي حركة استجابة لا إرادية أولية وفطرية للغاية يجريها جذع الدماغ .
وفي الولايات المتحدة ودول أخرى كثيرة، يعد الشخص ميتاً إذا فقد كل نشاطه الدماغي (موت دماغي) أو جميع وظائفه التنفسية والدورة الدموية . وفي حالة جاهي، خلص ثلاثة أطباء إلى نتيجة مفادها أنها تعتبر ميتة دماغياً .
والنظام الكهربائي الذاتي للقلب يمكنه إبقاء العضو نابضاً لفترة قصيرة بعد موت الدماغ . وفي الحقيقة، يمكن للقلب أن ينبض حتى خارج الجسم، ولكن من دون جهاز التنفس الذي يسهم في إبقاء الدم والأكسجين في حالة حركة، سيتوقف هذا النبض بسرعة شديدة، وغالباً في أقل من ساعة .
وتقول البروفيسورة ديانا شاندوس، أستاذة جراحة الأعصاب في جامعة أوهايو أن جهاز التنفس يمكنه إبقاء بعض العمليات البيولوجية (بما فيها وظائف الكلى والمعدة) تعمل لفترة تبلغ نحو 7 أيام . ومن المعروف أيضاً أن الشعر والأظافر يمكنها النمو حتى بعد وفاة الفرد .
وينوه الباحث كينيث غودمان، مدير برنامج الأخلاقيات البيولوجية في جامعة ميامي، إلى أن عمل هذه الوظائف لا يعني أن الشخص لا يزال حياً . ويضيف قائلاً: "إذا مات الإنسان دماغياً، فإن هذا يعني أنه ميت، ولكن، بمساعدة التكنولوجيا، يمكننا جعل الجسم يقوم ببعض الأشياء التي اعتاد القيام بها عندما كان حياً" .
ومن دون الدماغ، لا يفرز الجسم هرمونات مهمة يحتاجها للمحافظة على أداء عمليات بيولوجية (تشمل المعدة، الكلى والوظائف المناعية) لفترات تزيد على أسبوع . فالغدة الدرقية على سبيل المثال، تعتبر مهمة لضبط وتنظيم أيض الجسم، وهرمون فازوبريسين يحتاجه الجسم لجعل الكلى تحتفظ بالماء .
وتقول الدكتورة شاندوس إن ضغط الدم الطبيعي، الذي يعد مهماً ايضاً للوظائف الجسمانية، لا يمكن في الغالب المحافظة عليه لدى شخص ميت دماغياً، من دون أدوية ضغط الدم . والشخص الميت دماغياً لا يمكنه أيضا المحافظة على درجة حرارة جسمه، ولذلك يبقي الأطباء على دفء الجسم بتغطيته ببطانية، وإبقاؤه في غرفة درجة حرارتها عالية، وفي بعض الأحيان يلجأ الأطباء إلى استخدام سوائل وريدية دافئة .
وتشير الدكتورة شاندوس إلى أن جسم الشخص الميت دماغياً لا يحصل على الدعم من بقية الأجهزة في العادة لفترة طويلة، وفي بعض الأحيان يوفر الأطباء الدعم (على شكل جهاز تنفس، هرمونات، سوائل، الخ) لعدة أيام إذا كانت الأعضاء ستستخدم للتبرع، أو بناءً على طلب أسرة المريض التي قد تكون بحاجة لقضاء مزيد من الوقت مع مريضها .
وإذا استوفيت جميع معايير موت الدماغ، لا يتبقى وفقاً للبروفيسورة شاندوس أي شيء آخر يمكن عمله، وبذلك يكون الجسم في وضع الدعم الاصطناعي . وترى البروفيسورة شاندوس أن قضية جاهي تعد مأساوية، وكونها أمّاً فإنها تشعر بأسى بالغ حيال أسرتها .
وتوجد دراسات قليلة جداً فيما يتعلق بالمدى الزمني الذي يمكن المحافظة عبره على جسم شخص ميت دماغياً . وبدأ الجدل حول موت الدماغ في حقبة الخمسينات من القرن الماضي في فرنسا عندما أبقى الأطباء على 6 مرضى أحياء لفترة تراوح بين يومين و26 يوماً من دون تروية دموية للدماغ . وقد أفرزت هذه الواقعة الطبية المفهوم القائل إن ثمة طريقة ثانية للموت، لأن هؤلاء المرضى سيموتون في النهاية . (في السابق، كان الشخص يعد ميتاً فقط عندما يتوقف قلبه وتنفسه) .
واليوم، وبوجود أجهزة التنفس، وأدوية ضغط الدم والهرمونات، يمكن (نظرياً) إبقاء جسم شخص ميتاً دماغياً، يعمل لمدة أطول، قد تكون غير محددة، ولكن بمرور الوقت تزداد صعوبة المحافظة على جسم شخص ميت دماغياً، وترتفع مخاطر إصابة النسيج بالتهاب .
وقالت أسرة تيري شيافو، التي قاتلت من أجل إبقاء ابنتها التي أصيبت بتلف دماغي، على أجهزة ووسائل الدعم الحياتي لفترة 15 عاماً، إنها ستسعى للإسهام في نقل الطفلة جاهي إلى مستشفى آخر لضمان المحافظة على الدعم الاصطناعي لفترة طويلة . وبخلاف جاهي، لم تكن تيري شيافو ميتة دماغياً، لكنها كانت في حالة تسمى طبياً ب: (الإنبات الدماغي المستديم) وهي حالة يتسم بها المريض ببعض مظاهر النشاط الدماغي .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"