الإمارات .. تشريع احترام الإنسان

04:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
حبيب الصايغ

هنا الريادة والسبق أيضاً لكن الشيء من معدنه لا يستغرب، وإنما قامت دولة الإمارات العربية المتحدة على مبادئ المحبة والسلام والتسامح والانفتاح على الآخر واحترامه حتى في حالة الاختلاف وخصوصاً في حالة الاختلاف. هذه هي دولة الإمارات تقدم الأنموذج الأمثل من جديد، وهذه المرة، يتمثل الأنموذج في المرسوم بقانون الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بشأن مكافحة التمييز وازدراء الأديان ونبذ خطاب الكراهية.
يلفت النظر في المرسوم بقانون، إلى جانب التوقيت المثالي، هذا الإتقان في وضعه مطوقاً بالحضارة والذوق، حيث التأكيد، بشكل مباشر وغير مباشر، على منظومة القيم الكلية التي يجب أن تسود المجتمعات كافة، وهو ما ينسجم ويتسق اتساقاً كاملاً مع دستور دولة الإمارات الذي ينص في أكثر من موضع، ومنذ ديباجته المضيئة على أهمية المحافظة على كرامة الإنسان وإعداده لحياة كريمة، وذلك نحو تحقيق المساواة المجتمعية في أفقها الرحيب، بعيداً عن السقوف الخفيضة والأطروحات الضيقة.
ولقد عاش العرب المعاصرون، منذ أن عاشوا، وهم يطالبون بالمطالب التي يحققها المرسوم بقانون الصادر في الإمارات منتصف نهار أمس، وهو اليوم الذي سجل نفسه بما طوَّق ووهب يوماً تاريخياً حقيقياً. هو يوم للحقيقة، وللحياة والعمل في ظروف طبيعية ملائمة، تنبذ عبر الممارسة الواقعية، آفة هذا العصر المتمثّلة في التدين الذي يناقض الدين، وفي ذهاب الخطاب الديني الزائف في المبالغة حد التوحش، وفي التمييز القاتل، القاتل بالفعل لا القول، وكم من مقولة لمعتوه تحولت إلى رصاصة غادرة أو سكين في عنق أو ظهر غافل أو بريء. كم مقولة أو عبارة لمثقف وعالم ورجل دين، ويا للمفارقة، حين يغادر بعض الدعاة الهدى إلى الفتنة، منبئين، وبالأدلة القاطعة، عما في نفوسهم من ظلمات بعضها فوق بعض.
ولماذا دولة الإمارات؟ لماذا دولة الإمارات حتى في هذا أولاً؟
لأنها دولة تعرف ذاتها وتنطلق من القوة والإمكان، وتنشغل بالتنمية ورفاه المواطن في أفق الأمن والاستقرار والعدل. إن الدولة التي تطمح إلى الوصول في العام 2021 إلى كوكب المريخ تعرف تماماً كيف تتعامل مع ثوابتها وأخلاقياتها في العام 2015 على كوكب الأرض.
ما علاقة هذا بذاك؟ المسألة واحدة وترتبط ببعضها بعضاً معبرة عن تطلعات الوطن الصغير الكبير الذي حقق، قيادة وشعباً، المنجز المعجز حتى الآن، وها هو يتقدم الموكب السائر، على المستويين العربي والدولي، إلى المستقبل.
هل يصل إلى مستقبله من لا يتقدم اليوم موكب الطموح والعمل؟ هل يصل إلا الذكي الأبي صديق النور لا الظلام؟ صديق الظلام لا يصل لأنه، ببساطة، اختار عدم الرؤية، العتمة بحيث لا يستطيع يرى، وقبل ذلك آثر الاختفاء وراء أصابعه المرتعشة.

اليوم، منذ اليوم في الإمارات، سيعد المرجفون بأصابعهم حتى العشرة، قبل أن يتبنوا خطاباً طائفياً أو تكفيرياً، وربما قطعوا أصابعهم قبل الإقدام على مغامرة بحجم الإساءة إلى الرموز الدينية والمقدسات وكلها يجب أن يحترم ويصان، أو مغامرة بحجم التحريض على القتل عبر فضائية أو وسيلة تواصل اجتماعي، بعد أن أقر المرسوم بقانون عقوبة الإعدام، نعم الإعدام، لكل محرض أدى تحريضه إلى قتل آخر بسبب عقيدته أو ملته أو عنصره عبر آخر، وفي عقوبات المرسوم بقانون الرادعة السجن خمس سنوات وعشرا والغرامة، فكم ترى س«تنظف» وسائل التواصل الاجتماعي، وكم سيتخلص «تويتر» من ثرثرته؟
ثم إن المرسوم بقانون الذي أصدره صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، لن يقي بلادنا شرور الكراهية والعنصرية والطائفية وازدراء الأديان فقط، وإنما سيحمي الحريات الشخصية من أوسع الأبواب، حيث الإنسان حر في معتقده، ولا يجوز أن يهان أو يساء إليه بسبب الاختلاف معه في الرأي أو المعتقد، أما التكفير الذي أصبح يردده البعض وكأنه لازمة ضرورية أو نشيد اعتيادي، فمعاقب عليه بأشد أنواع العقوبة في المرسوم بقانون الجديد، ما يردع التكفيريين ويقيد ألسنتهم.

يهدف المرسوم بقانون الجديد إلى احترام الإنسان كونه، في حد ذاته، محترماً ابتداء، ولا يغير من ذلك الاحترام أو يؤثر فيه لون أو جنس أو عنصر أو معتقد أو دين أو مذهب، فلكل ما يعتقد والشرط أنه لا يتعدى على حريات الآخرين في ما يرون أو يعتقدون، ولهذا وللكثير غيره، يسهم المرسوم بقانون الجديد في تكريس الإمارات دولة وفكرة ومشروعاً، وترسيخ وجودها باعتبارها أنموذجاً عربياً وعالمياً يصلح قطعاً للتمثل والاقتداء.
إلى ذلك، يسهم المرسوم بقانون في تكريس الإمارات دولة تسامح واعتدال ورفاه وأمن واستقرار وعدالة ودستور وسيادة قانون، ويضعها في طليعة الدول المبادرة إلى نبذ الكراهية والتمييز عبر تشريع عصري ومتقدم له سمة الشمول من ناحية، ويفصل حيثياته وشروطه بوضوح من ناحية ثانية، وفي الجهة المقابلة يضع خطاً فاصلاً كبيراً بين التمييز السلبي والتمييز الإيجابي.
ويبقى تفعيله عبر الوعي به، فعلى كل متضرر في دولة الدستور والقانون اللجوء إلى القانون ليمثل خصمه أمام قاضيه الطبيعي، نحو حفظ الحق والقضاء، ما أمكن، على فتنة هذا العصر.
المطلوب من بعد ذلك من الدول الشقيقة والصديقة إصدار قوانين وتشريعات مشابهة ومماثلة، فالقضايا التي يتصدى لها المرسوم بقانون الإماراتي بشأن نبذ التمييز والكراهية وازدراء الأديان قضايا عابرة للقارات وكذلك جرائمها، ولا بد من التعاون نحو تطويقها والقضاء عليها من خلال العمل المشترك في الإطار الإقليمي، خصوصاً عبر مجلس التعاون والجامعة العربية والمنظمات الإسلامية، على تكامل التشريعات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"