«الإخوان» والطوق الحديدي

03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

يطوق «الإخوان» عقولهم بطوق حديدي يُطبق على تفكيرهم، ويحول بينهم وبين التماس مع أي تطور عقلاني قد يفيدهم، من بعد مرورهم بتجارب قد تكون قاسية.
وتمر بهم السنين وقد تطول، فإذا بهم يصرون على إبقاء تفكيرهم رهينة هذا المحبس، الذي فرضه عليهم كبارهم، الذين قيدوا تفكيرهم تحت مسمى «السمع والطاعة»، وبمقولة تلقى على أسماع من تنتابه لحظة إعمال عقله بالتفكير والتأمل، فيقولون له «لا تسأل ولا تناقش؛ لأن من هم فوق يعرفون أكثر منك»؛ ومن هم فوق المقصود بهم «أعضاء مكتب الإرشاد».
وأمام كل لطمة تنزل عليهم على مدار السنين الطويلة، تجدهم في سبات، لا يحاولون الإفلات من الطوق حتى يبيحوا لعقولهم لمحة من التفكير الذاتي؛ لكنهم لا يتعلمون ولا يفكرون.
يتطابق ذلك مع مشروعهم الذي تسربت نصوصه من داخل أسوارهم، وعبر أفراد قلائل منهم تمردوا على الطوق الحديدي، وأطلقوا لعقولهم التفكير والتساؤل. والمشروع تضمنته وثيقة ترجمت إلى الفرنسية، والإنجليزية، بعنوان: «المشروع». وعند النظر في بنود مشروعهم، تجده يعكس حرفياً نزعة الانغلاق العقلي على فهم لا يتغير ولا يتطور.
وحين تقرأ تلك الوثيقة (المشروع) على ضوء تجاربهم المتكررة، وردود أفعالهم الثابتة على نمط لا يتغير، ومع آخر تجاربهم من فشل وسقوط حكم «الإخوان» من 2012 إلى 2013، تلاحظ أن ما يصدر عنهم اليوم من مواقف تجسدها تصريحات، وبيانات، وإذاعات يومية، من قنواتهم التلفزيونية في تركيا؛ هي مجرد ترديد حرفي ل«المشروع».. ولما كانت بنوده تشغل أكثر من عشر صفحات، وتتشابه معانيها، فإن من يقرأها يستخلص لغة تكاد تكون محفوظة، وأن تعدد الأشخاص الذين ينطقون بها. وكلها تكشف نمطاً لا يتغير في الأداء.
وتجد في بنود مشروعهم وجود توحد في الرؤى مع المنظمات الإرهابية الأخرى، بدءاً من «القاعدة»، وصولاً إلى«داعش» وغيرهما. كاشفة عن نفس الأفكار والتصرفات التي تجمع فيما بينهم، كما تفصح عن اعتراف بأن لجوءهم أحياناً إلى تحالفات مع من لا يتفقون معهم فكراً وعقيدة، إنما هو سلوك، يعدونه وقتياً، دفعهم إليه احتياجاً عارضاً من دون أن يدخلهم معهم في تحالف فعلي أو في ارتباط فكري أو عملي.
إن قراءة بنود «المشروع» تنطق بكل هذه المعاني وغيرها، وهي كما يلي:
النص على تأييد الحركات «الجهادية» النشطة في أنحاء العالم الإسلامي، بقدر الإمكان وبدرجات متنوعة، وإقامة اتصالات مع هذه الحركات الجديدة النشطة عبر العالم؛ لخلق الاتصالات اللازمة؛ ودعم المساندة والتعاون.
* و«الجهاد» في تعبيراتهم هو نفس المصطلح الذي يستخدمه العالم، والمخابرات في المنطقة وفي الخارج؛ لوصف المنظمات الإرهابية.
استخدام أنظمة المراقبة المختلفة والمتنوعة في أماكن متعددة؛ للحصول على المعلومات؛ وإيجاد نظام موحد للإنذار الفاعل، يخدم ما سموه «الحركة الإسلامية العالمية». وإنشاء مراكز مراقبة؛ من أجل جمع وتخزين المعلومات؛ لاستخدامها في مختلف الأغراض. وإذا دعت الحاجة إلى الاعتماد على وسائل التكنولوجيا الحديثة، فإننا نلجأ إليها.
* هنا فإن «الحركة الإسلامية» في مفهومهم؛ هي حركة «الإخوان»، فهم يكررونها في كتاباتهم وتحديداً في كتابات مؤسس حركتهم حسن البنا، من أنهم هم «جماعة المسلمين».
ثم إن لفظ المراقبة يعبر عن فهمهم للتجسس، فلديهم أجهزة تجسس تخصهم. وسبق أن تحدث أمينهم العام محمود حسين في فترة حكم محمد مرسي عن هذه الأجهزة، حين قال رداً على سؤال عن معلومات وصلت إليهم، فقال: جمعتها لنا جماعة من المخلصين، وكان يقصد بهم «مجموعات التجسس».
قبول مبدأ التعاون المؤقت بين الحركات الإسلامية، والحركات الوطنية على أسس مشتركة، دون أن يصل التعاون إلى مرحلة صياغة تحالف معها. ولا يجب علينا أن نعطيهم فرصة؛ لأن يكونوا موضع ثقة. آخذين في الاعتبار أن حركتنا يجب أن تكون هي أصل التوجهات والمبادرات.
* هذا المعنى تكرر عبر تاريخهم من لجوئهم للتعاون مع تيارات أخرى، ثم الانقلاب عليها بعد أن يكونوا قد حققوا غرضهم، من استغلال هذا التعاون لمصلحتهم؛ عبر الدخول في تحالفات وقتية مع أحزاب؛ مثل: الوفد على سبيل المثال؛ عندما خططوا ليكون ذلك وسيلتهم لعضوية البرلمان، وهو نفس ما فعلوه في «مؤتمر فيرمونت»، الذي نظمه محمد مرسي مع عدد من الشخصيات المستقلة؛ لضمان حسم ترشيحه في الإعادة مع أحمد شفيق. ووعوده لهم بعدم «أخونة» الحكم، واختيار شخصية مستقلة لمنصب رئيس الوزراء، ثم انقلابه عليهم بعد فوزه، وتنصله من كل ما كان قد اتفق معهم عليه.
خلق مراكز إعلامية قوية (صحفية وتلفزيونية) تنشر وجهات نظرهم.
* وهو ما أقاموه من شبكة متمددة في تركيا وفي قطر، وصولاً إلى بريطانيا بقناتهم «العربي» في لندن، وما يقومون به الآن من تقديم تبرعات سخية لجهات مؤثرة؛ مثل: منظمة العفو الدولية؛ وقناة «سي. إن. إن» وغيرهما.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"