«دجاج» عمرو خالد

04:34 صباحا
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

لقد فعلها الجمهور مرة أخرى، بل مرات عدة. جاهل من يتعامل مع «إنسان» اليوم، خصوصاً الشباب، بمنطق الاستغفال والاستسلام. فلا المشاهد أخرس، ولا هو جاهل يرضى بأي مادة تقدمها له الشاشة. بل هو جاهل من يحسب أن التواصل الاجتماعي سيخدمه لتلميع صورته وتسهيل سرعة وصوله إلى الناس وكسب المزيد من المعجبين والمعجبات، ولا يقيم حساباً لعواقب ما يقوله لهؤلاء سواء على صفحته، أو عبر الفيديوهات التي تنتشر. فأبناء «السوشيال ميديا» لا يسكتون على إهانة أو خطأ، ولا يرحمون من يتاجر بعقولهم ويبيعها في سوق البيزنس.
من لم يشاهد فيديو عمرو خالد الترويجي لإحدى شركات الدواجن، لا شك سمع عنه وقرأ ردود أفعال الناس عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، فقاده الفضول إلى مشاهدته ثم استهجانه والسخرية منه في نفس الوقت.
بنفس الأسلوب والصوت الذي اعتاد أن يقدم به برامجه الدينية، أطل ليقول (للشباب) -وهو يحرص دائماً أن يوجه كلامه لهم- إن تناول دجاج الشركة التي يروّج لها يقرّب إلى الجنة، «لن ترتقي الروح إلا لما جسدك وبطنك يكونوا صح مع الدجاج».. وزاد الطين بلّة بقوله «ارتقاءك لربنا في تراويح القيام والليل حيبقى أحلى». وكان قد بدأ الحديث بعبارة «عايزين نبقى صح، عايزين نعملكم فكرة جديدة»!
ولأن «شباب» التواصل الاجتماعي لا يسكتون على ما يهين عقولهم، أخرجوا لنفس الداعية مقطع فيديو يعود لسنوات قريبة، يروّج فيه لإحدى شركات العطور العربية، التي امتدحها بشكل «روحاني»، وأضاف أنها «عطور تتفق مع القيم الإسلامية».
لن يسكت الناس ولا الإعلام الهادف ولا «السوشيال ميديا» على أخطاء من هذا النوع، ولا يجوز غض الطرف عن أي محاولة لاستغلال الدين، لأي سبب كان سواء تجارياً ربحياً، أو لغسل الأدمغة بأفكار قد تشوهها وتنال من علاقة الإنسان بربه وبما غرسه أهله فيه من قيم ومبادئ. وهناك مقاطع فيديو وحلقات لبعض المتحدثين باسم الدين، تسلك نفس المسلك السلبي، منها مثلاً فيديو انتشر لأحدهم وهو «يرشد» الفتيات والسيدات من داخل محل ملابس للحلال والحرام في الملبس، مستعرضاً «بالتفصيل الدقيق جداً» ملابس النساء والفتيات، ويأخذ المقاسات على أجساد «المانيكان» المعروضة!
البطن والدجاج والتراويح والجنة.. كيف يمكن أن يصل الحال إلى هذا المستوى في الحديث عن الروحانيات، في حين نطلب من قادة الرأي والمؤثرين في الأجيال الجديدة والقنوات أن يرتقوا بمضمون ما يقدمونه، وعيوننا ليل نهار على المدارس حرصاً على التعليم الجيد وما يليق بأبنائنا وبعقولنا وبماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وتطورنا؟
صحيح أن تأثير رواد التواصل الاجتماعي كبير وقاد الشركة أو القناة إلى سحب الإعلان وعمرو خالد إلى الاعتذار، لكن الأمر يحتاج إلى أكثر من حملة مؤقتة، لأن الاستخفاف بعقول الناس غير مقبول بأي شكل، ومن يضع نفسه في موقع «توجيه الشباب إلى طريق الصواب»، عليه أن يدرس كل موقف قبل أن يتخذه وكل كلمة قبل أن ينطق بها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"