حسابات الربح والخسارة للوصول إلى الإليزيه

03:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
فيصل جلول
سؤالان لا يقل أحدهما إثارة للدهشة عن الآخر. هل تفوز مارين لوبن برئاسة الجمهورية في فرنسا، الأحد المقبل، فتكون المرأة الأولى التي تتولى هذا المنصب في تاريخ الجمهورية، وتكون ثالث امرأة بعد ميركل الألمانية، وماتيلدا ماي البريطانية، تدير بلداً أوروبياً أساسياً في القارة العجوز؟ والأهم من ذلك أنها المرة الأولى التي تفوز فيها مرشحة من اليمين المتطرف بمثل هذا المنصب الرفيع في تاريخ الجمهورية، وتاريخ القارة العجوز أيضاً؟
بالمقابل، هل قضي الأمر لمصلحة مانويل ماكرون، بسبب خوف الناس من اليمين المتطرف، وهل يكون أصغر رئيس جمهورية في بلاده، وأول رئيس فيها من خارج التمثيل الانتخابي؟ وهل يكون الليبرالي الثاني بعد جيسكار ديستان الذي يتبوأ هذا المنصب؟ وهل يكون المصرفي الثاني في فرنسا الذي يملك قصر الإليزيه بعد الرئيس الراحل جورج بومبيدو الذي كان يعمل مع روتشيلد أيضاً؟
ليس من الصعب حسابياً تغليب فرص ماكرون في الفوز بقصر الإليزيه، فهو قد حصل على 24 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى، تضاف إليها أصوات فرانسوا فيون الذي دعا للاقتراع له، وقد حصل على نحو 20 في المئة من الأصوات، إضافة إلى أصوات الحزب الاشتراكي بشقيه، الشق الذي أيد بنوا هامون ويقدر بنحو 6 في المئة من الأصوات، والقسم الآخر الذي يمثله رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابق، ويقدر بأكثر من 10 في المئة من أصوات الناخبين. إن حاصل جمع هذه الأصوات مع أصوات الدورة الأولى يفوق ال50 في المئة، وبالتالي يمكن لماكرون أن يطمئن الى الفوز، علماً بأن المجتمع المدني يطالب بالاقتراع له، الأمر الذي يرفع نوايا التصويت لمصلحته الى ما يقارب ال60 في المئة، وهو الرقم الذي يقترب من استطلاعات الرأي التي تتحدث عن فوز ماكرون بنسبة 59 في المئة الى 41 في المئة للوبن. هنا نتحدث عن حسابات عددية تقريبية، لأن الناس لا يقترعون بنسبة مئة في المئة تلبية لطلب زعمائهم، فضلاً عن ارتفاع نسبة الممتنعين وهي النسبة التي لا نعرف مستواها بعد والتي قد تتسبب بضرر كبير للمرشح الليبرالي.
من جهتها، تحتاج لوبن الى اكثر من 10ملايين صوت للفوز برئاسة الجمهورية، إضافة الى الأصوات التي جمعتها في الدورة الأولى، والواضح حتى هذه اللحظة أن التأييد الأهم الذي حصلت عليه جاء من نيقولا ديبون اينيان الذي فاز بأقل من 5 في المئة من الأصوات، أي ما يقارب المليون و300 ألف صوت. ويمكنها الاعتماد على مئات الآلاف من الأصوات للمترددين، أو الذين يكرهون المرشح الليبرالي، أو الرافضين لأن يحشروا في معادلة قاهرة لا يحبونها.
لكن حاصل هذه النوايا قد لا يزيد على 40 في المئة وفق استطلاعات الرأي التي استعادت ثقة الرأي العام بها، بعد نجاحها في رصد نوايا التصويت في الدورة الأولى.
وإذا كانت لوبن غير قادرة على جمع الملايين العشرة الإضافية، فإن بعض المحللين يخشى من أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت مرتفعة، وهو أمر يمكن أن يلعب لمصلحتها لأن المقترعين لها في الدورة الأولى هم من المصممين على دعم ترشيحها، وبالتالي سيواصلون دعمها، مقابل خصمها الذي سيصاب بضرر كبير جراء الامتناع عن التصويت، لأنه سيحرمه من أصوات يفترض أن تكون أصوات الخوف من نجاح منافسته. ومع تدني المشاركة في الاقتراع يتقارب المرشحان وتصبح أرجحية ماكرون على لوبن ضئيلة، وقد تقع مفاجأة غير محسوبة تؤدي الى فوزها، بيد أن هذا السيناريو ما زال اقرب إلى المعجزة والتمني منه إلى الوقائع الثابتة.
في المحصلة، يبدو واضحاً أن السيناريو الأقرب الى الواقع هو انتصار ماكرون في الدورة الثانية للاقتراع بفارق كبير من الأصوات، وبقدر ما يكون الفوز كبيراً يكون تفويض ماكرون كبيراً، ويتيح له تطوير برنامجه الليبرالي الذي من شأنه أن يقلب الاقتصاد الفرنسي رأساً على عقب.
والثابت أن خسارة لوبن بفارق ضئيل من شأنه أن يزيد أسهمها لدى الرأي العام، فتصبح زعيمة قوية للمعارضة، بدلاً من الحزبين التقليديين الديغولي والاشتراكي، أو على الأقل تكون موازية لهما، وفي هذه الحال لا شيء يمكنه أن يدفعها الى الوراء، بل يتيح لها الحصول على موازنات مالية كبيرة تستخدمها في تثبيت أركان حزبها، وخلق بنية تحتية تسمح لها بانتزاع رئاسة الجمهورية في الدورة المقبلة.
أما الخسارة بفارق اكثر من عشرة في المئة من الأصوات، فإن من شأنه أن يحجم تأثيرها، وأن يفتح التنافس على مصراعيه بينها وبين المنافسين لها في قيادة الجبهة الوطنية المتشددة، ولا سيما ابنة اختها النائبة ماريون ماريشال لوبن التي عبرت في اكثر من مناسبة عن ضيقها بسياسات خالتها.
وستؤدي الخسارة بفارق كبير الى تراجع فرص الجبهة في الحصول على كتلة نيابية كبيرة في البرلمان المقبل، فضلاً عن إضعاف حليف اليوم نيقولا اينيان الذي يراهن على تحالفه مع لوبن للحصول على كتلة نيابية خاصة به في البرلمان المقبل.
يبقى المؤشر الأهم في المعادلة الانتخابية الراهنة الذي يمكن اختصاره بثنائية الفزاعة والأوليغارشي. فالثاني ما كان بوسعه الفوز بقصر الإليزيه لولا الفزاعة، وبالتالي الخوف من وصول اليمين المتطرف الى سدة الرئاسة الأولى.
ثمة من يرى أن هذه المعادلة عفوية، في حين يرى بعض آخر أنها مصنوعة بدقة، وفي الحالتين ستكون النتيجة واحدة، وهي وصول ممثل الأوليغارشية الفرنسية والأوروبية الى سدة الرئاسة للمرة الأولى في تاريخ فرنسا، وهذا من شأنه أن ينعطف بها في اتجاهات خطرة للغاية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"