فوارق إدارة الأزمات

02:25 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي

هل أعدتَ النظر في حكمك على الشعوب العربية بعد سلسلة التحولات؟ باللغة الكلثومية: «جدّدت حكمك ليه؟»، لن يقول محمد عبد الوهاب: «من غير ليه». لقد ثبت أن البلدان العربية ليست سواسية في إدارة الأزمات، في سرعة ابتلاع الطعم.
شاب دفعه الحماس الخادع إلى المشاركة في حرائق العراق، ثم ندم فرفع عقيرته: «بلعت هذا الطعم لم أستشرْ.. وحرت فيه بين شتى الفكرْ.. والشعب يُكوى بنار ولم.. أفطن لهذا الفخ.. أين المفرْ»؟
في لبنان، الصورة مختلفة عما في العراق، مع أن القارئ اللبيب دائماً يعرف غرف الفنون المسرحية في الكواليس التي تعمل على تحويل فصول المطالب الشعبية العادلة، إلى مشاهد جهنمية.
من الصعب أن نسأل عن سبب تماسك الأوضاع أكثر في لبنان، على الرغم من أن البلد على شفا هاوية الإفلاس. الدولار تخطى ألفي ليرة؛ أزمات كهرباء وماء وغذاء ودواء، زعماء إقطاع المحاصصة سبّاباتهم على الزناد في حالة تأهب قصوى للحرب الأهلية، والمتنبي صداه في جماجمهم: «الموت عند محبيهن كالقُبلِ»، هذا كل ما فهموه من صدر البيت: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسل».
المأساة هي أن العراق أغنى مليون مرة، ولكنه يبدو أشد فقراً في إدارة أزماته، وأسوأ تعلقاً بصانعي مآزقه. ليس بعيداً أن يكون القلم مخطئاً في التفسير، فحين سألته قال: سبب تماسك الأوضاع الأمنية في لبنان على نحو أفضل من نظيرتها في العراق، هو أن اللبنانيين لم تستطع أي قوة في الماضي والحاضر أن تقطع ألسنتهم بمقص قمع الحريات. بإمكانك دفن حياته تحت أكوام النفايات السياسية والاقتصادية، لكنه سيظل يصدع برأيه بالتحليل الأكاديمي أو بأقذع الشتائم. العراق شيء آخر، فبغداد قلعة الأسود، حتى الدعابة لا تكون إلا بالبراثن والنيوب، لكن المضحك المبكي هو أن الرشيد اليوم لا يقف في شرفته ليخاطب السحابة، صاحب سفارة الإمبراطورية في المنطقة الخضراء، هو الذي يأمر حقول النفط: «فلتذهب براميلك إلى حيث شئت، فخراجك لي. أما مئات القرابين التي تقدمها المخططات على مذبحي، فلأنني مثل الحجام في هذه الشعوب: أنا الذي دانتِ الرقاب لهُ.. يأخذ من مالها ومن دمها».
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: على مناهج الحاضر والمستقبل أن تبتكر مادة تربية سياسية غايتها تنشئة أجيال تموت ولا تدمر أوطانها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"