حوارية تطبيق الطب على الفكر

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تفيد العلوم، كالطب وعلم الأحياء، في توصيف الأوضاع السياسية وفهمها؟ قال القلم: هذا سؤال من لا سؤال له. قلت: كلّا فأنت واهم. تصوّر شخصاً كالمتنبي، مصاباً بالسهاد: «أرقٌ على أرق ومثلي يأرقُ»، فيصف له الطبيب قرصاً منوّماً، فما الذي يحدث له بعد بضعة أسابيع أو شهور؟ النتيجة ضحك من ذقن الدماغ، فتكرار تناول القرص يقول لمركز النوم في المخ: لا تفرز المورفين الحميد الذي يجلب الكرى، فإنني سأقوم بالمهمّة.

قال: هل أوضحتَ مقاصدك ومراصدك؟ قلت: ما يحتاج الكثيرون إلى تصحيحه، هو أن انعدام حريات الفكر والرأي والتعبير داء قديم في الأمّة. هذا الاعتقاد خطيئة لا خطأ، لأن تاريخ العرب في هذا المجال أنصع ممّا لدى أمم كثيرة. لا أحد ينفي وجود بصمات كبت للحريات، ووصمات قمع فكريّ، ولكنها بالمقارنة أهون ممّا عاناه تاريخ الفكر في الإمبراطوريات التي سادت العالم على مرّ القرون، حتى في أيامنا. ألم تتألق درر تيجان الحضارة الغربية في حادثات ليالي غزّة؟ هل تذكر الخليفة المتوكل؟ قال: توكل على الله، قل ما الخبر. قلت: أمر الورّاقين في بغداد بأن يأتوه بأيّ كتاب مهمّ جديد. جاءه أحدهم بكتاب «الزمرّدة» لابن الرّاوندي، فقرأه وأمر بإحضار الكاتب الملحد، والعبارة شهيرة: «زنادقة الإسلام ثلاثة، المعرّي وابن الراوندي والتوحيدي، وأنكاهم على الإسلام التوحيدي، لأنه أشار ولم يصرّح». أجلس الخليفة صاحب الكتاب أمامه ساعات وهو يحاوره سطراً سطراً، فإذا اقتنع ابن الراوندي أمره الخليفة بتعديل النص، وإذا كانت الغلبة لرأي الكاتب، واصل المتوكل القراءة. الخليفة مات في الأربعين اغتيالاً، وعَمّر ابن الراوندي حتى الرابعة والثمانين. على ذكر أبي العلاء، هل كان من السهل نشر كتاب، من حيث المستوى والمحتوى، كرائعة «رسالة الغفران»، في العصر العربي الحديث؟ هذا إذا حدثت المعجزة إبداعيّاً! قال: هذه تورية إلى أن الفكر والرأي والتعبير كان مصيرها متوكليّاً، اغتيلت بعد سقوط بغداد الأوّل؟ قلت: القضية تستدعي الدراسة، ففي الجاهلية لا نعرف أن الشعراء كانت على أفواههم كمامة. أمّا في القرون الإسلامية الأولى، فقد كانت الألسنة أكثر من زرافيّة، إلاّ في حالات فردية لا يمكن تعميمها. كيف توارت الفلسفة، فلم نر فيلسوفاً بعد ابن رشد؟ قال: يبدو أن جهةً أعطت الدماغ العربي قرصاً أمره بعدم «إفراز» الفلسفة والبحث العلمي.

لزوم ما يلزم: النتيجة التفاؤليّة: على نهج إيلون ماسك يمكن صنع شريحة تُفعّل الفلسفة والبحث العلميّ من جديد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2abe8a7y

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"