العراق والمعضلة الإيرانية– الأمريكية

04:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
لهيب هيجل*

كانت مصداقية رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، على المحك عندما زار واشنطن في أواخر شهر أغسطس/آب. وفي نظر العديد من السياسيين العراقيين، كان الغرض من ترقية الكاظمي من منصب رئيس المخابرات إلى منصب رئيس الوزراء في مايو/أيار الماضي، هو تقوية العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة.
وفي الداخل، يواجه مصطفى الكاظمي، عاصفة من التحديات، بما فيها الفساد المستشري وضعف الخدمات الأساسية ومعدلات البطالة الكبيرة، والتي أشعلت جميعها موجة من الاحتجاجات منذ عام 2019، كما أجبرت الاضطرابات المحلية سلفه على الاستقالة، والآن ومع جائحة فيروس «كورونا» والأزمة الاقتصادية الناجمة عن تراجع أسعار النفط، فإن الوضع يزداد سوءاً.
وكانت فكرة الكاظمي للسفر إلى واشنطن هي من أجل تأمين بعض المساعدة الأمريكية في التعامل مع هذه الصعوبات الشديدة. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي حصل على وعود من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالحصول على مساعدات اقتصادية، فإن السؤال هنا هو ما إذا كان قد عاد إلى الوطن ومعه ما يكفي لمعالجة هذه المشاكل وتحقيق الاستقرار في البلاد، وضمان حفاظه على مسيرته السياسية على المدى الطويل.
ويواجه الكاظمي نفس المعضلة التي واجهها جميع رؤساء الوزراء العراقيين منذ سقوط نظام صدام حسين، وهي إيجاد طريقة لتخفيف الضغوط التي تواجهها البلاد من الداعمين الخارجيين الأساسيين لها: الولايات المتحدة وإيران- وهما أيضاً خصمان لدودان.
وفي ظل إدارة دونالد ترامب، شنت الحكومة الأمريكية حملة ضغوط متزايدة على إيران، الأمر الذي يجبر الكاظمي على السير في طريق دبلوماسي ضيق جداً، بالمقارنة مع أسلافه.
وفرضت الحكومة الأمريكية، عقوبات على شخصيات سياسية عراقية ومنظمات ذات علاقة وثيقة مع إيران، وضغطت على الحكومة العراقية لاتخاذ خطوات نحو استقلالها في مجال الطاقة عن جارتها الشرقية، ونفذت ضربات بطائرات ذاتية القيادة ضد الجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران في العراق.
وفي يناير/ كانون الثاني، أسفرت أقوى ضربة أمريكية، عن مقتل أبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي، إلى جانب القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، في مطار بغداد. وواصلت كتائب «حزب الله» والقوات شبه العسكرية التابعة له مضايقة الجيش الأمريكي من خلال إطلاق صواريخ على القواعد العراقية التي تستضيف أفراداً أمريكيين، بهدف إجبار القوات الأمريكية على الانسحاب من العراق.
وفي واشنطن، أصر كبار صانعي السياسة الأمريكيين منذ فترة طويلة على أن تتخذ بغداد إجراءات أكثر صرامة لكبح جماح الجماعات شبه العسكرية، وهو مطلب فشل سلف الكاظمي، عادل عبد المهدي، في تحقيقه.
وتعهد الكاظمي بالحد من أنشطة الجماعات شبه العسكرية التابعة لإيران، لاسيما من خلال محاولة قطع الإمدادات المالية عن هذه الجماعات، وفي وقت سابق من هذا الصيف، قال إنه على استعداد لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة لصد النفوذ الإيراني.
وخلال اجتماعه مع نظيره العراقي، فؤاد حسين، في ال 20 من أغسطس/آب، أوضح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن أولوية واشنطن لا تزال ضمان أن تتخلص العراق من نفوذ «حزب الله» العراقي وأمثاله، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم قوات الأمن العراقية، بما في ذلك هزيمة تنظيم «داعش» بالتعاون مع الناتو والقوات الدولية، إضافة إلى الحد من نفوذ الميليشيات التي لطالما أرهبت الشعب العراق وقوضت السيادة الوطنية للعراق.
ومع ذلك، ونظراً للضغوط التي يواجهها الكاظمي، فإن يخاطر بإثارة حلقة أخرى من الصراعات الأهلية في حال صعّد من محاولاته لملاحقة الميليشيات. وظهرت علامات التحذير بالفعل بعد سلسلة اغتيالات طالت نشطاء وحقوقيين تحمل رسالة مباشرة إلى الكاظمي بأنه معرض إلى نفس المصير وأن تحديه للميليشيات يعرض البلاد للمزيد من الخطر.
وعلى صانعي السياسة الأمريكيين تركيز جهودهم على تمكين رئيس الوزراء حتى يتمكن من إدارة الضغوط المحلية النابعة من السياسيين المتنافسين والجماعات المسلحة، كما على واشنطن مساعدة الكاظمي على توسيع نفوذ ائتلافه السياسي وتقويته.
ويحتاج الكاظمي إلى كسب تأييد مجموعة من الفاعلين السياسيين غير الأحزاب الشيعية المعتدلة التي تدعمه الآن، بما في ذلك العرب السنة والأكراد.
ومع تضاؤل الموارد الإيرانية التي طالما استفادت منها الجماعات شبه العسكرية، نظراً للضغوط المالية التي تعانيها طهران، يفتح هذا التطور نافذة لاستخدام المحادثات الاستراتيجية والترتيبات الثنائية في تركيز الدعم الأمريكي على المؤسسات الأمنية العراقية، لاسيما جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات الوطني العراقي.
وفي الوقت الذي تقوم فيه أمريكا بتقليص وجودها العسكري في العراق، عليها الالتزام بمشاركة مستمرة وانتقائية مع المؤسسات لتعزيز نفوذ وإدارة رئيس الوزراء العراقي للموارد والأفراد، ما يمهد الطريق نحو إنشاء دولة عراقية أقوى.
* كبيرة المحللين بالشؤون العراقية في مجموعة انترناشونال كرايسيس (فورين بوليسي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"