قصر الزباء . . معلم تاريخي قصته لم تكتمل

ينسبه البعض للملكة زنوبيا
07:55 صباحا
قراءة 8 دقائق
رأس الخيمة - حصة سيف:
قصر الزباء في شمل في رأس الخيمة، في منطقة الحلة، شيد له الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، رحمه الله، حين كان رئيس دائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة، درجاً مخصصاً للوصول إلى قمة الجبل والاطلاع على آثاره وأطلاله .
لم تعرف قصته الحقيقية بعد، وكل الدراسات التي أجريت لمعرفة أصل اسمه نسبته لاحدى الملكات التي عرفت بقوتها وجبروتها، لم يتم التيقن منها، إلا أن الكثير يرجعه للملكة زنوبيا ملكة تدمر، ولم يبق منه سوى حفرة عميقة في باطن الجبل وبنيت أطرافها على شكل مستطيل تعلوها قمة هرمية على شكل مثلث، وكل عام يمر عليه تسقط أجزاؤه تدريجياً، فيما يرتاد عدد كبير من السياح المنطقة يومياً ويصلون لذلك المعلم "قصر الزباء" .
"الخليج" زارت المنطقة، ووصلت للقصر والتقت أهالي شمل للوقوف على ما تبقى من ذكرياتهم التي توارثوها من أجدادهم عن ذلك المعلم، وتفاصيل حياتهم في المنطقة على وجه العموم .
مريم محمد سيف 50 عاماً، من أهالي منطقة شمل، تقول: "لا أتذكر أياً من الأحاديث والقصص التي دارت حول قصر الزباء، وكنا منشغلين بحياتنا التي كانت صعبة قبل أكثر من 40 عاماً، حيث سكنا وادي حقيل وسط الجبال وفي الصيف ننزل الى السيح، نجلب المياه من طوي تسمي "طوى الحواري" في وادي حقيل، ننقله بوعاء جلدي يسمى "السعن" ونضعه في الخرس وهو إناء فخاري نحفظ المياه فيه، ونتحين الفرص لسقوط المطر، إذ تمتلئ البرك القريبة منا بالمياه ويسهل علينا جلب المياه منها .
وتضيف: كان أكلنا كله طازجاً، ولم نكن نعرف المعلبات وغيرها من الأطعمة المتداولة حالياً، ونجفف الأطعمة كالسمك، كما كانت حياتنا خاصة نحن النساء صعبة، اذ تعتمد الأسرة علينا في كل شي تقريباً حتى في خياطة الملابس وتوفير الحطب والمياه، ناهيك عن شؤون المطبخ ورعي الغنم .
سعيد محمد حسن34،عاماً، من شباب منطقة شمل، يقول: "سمعنا عن قصر الزباء كثيراً، وكل القصص التي تتداول حوله كانت تتمثل في امرأة تسكن القصر، وكان له سور يحيطه، واكتشفت حوله قبور يمتد الواحد فيها لمترين تقريباً، كما تم العثور على أسلحة قديمة وسيوف قيمة داخل القصر" . وعن حياة الأهالي قديماً يقول سعيد إنهم كانوا يسكنون في منطقة تسمى سل حقيل والحلة، وكان الأهالي يمتهنون صناعة الفخار، وجمع العسل، وزراعة النخيل وصيد السمك وتنقسم المنطقة الى قسمين أحدهما يسمى شمل جلفار القريب من منطقة أثرية تسمى "الكوش" والثاني يسمى شمل حقيل بالقرب من الجبال" .
راشد محمد سعيد الدحي، 65 عاماً، يقول عن الماضي: "أتذكر حين كان عمري 13 عاماً سافرت ومجموعة من فتيان المنطقة للبحث عن الرزق في الخارج، فاستقررت في السعودية أنا ورفاقي، كنا نعمل حمالين ونحصل على 1300 روبية نجمعها في 6 أشهر ونعود للأهل لمدة شهر واحد محملين بالهداياو الحلوى واحتياجات المنزل، وبعدها نكرر فترة العمل الى أن نشأ الاتحاد وأصبحت دولتنا قوية، واستقطبت أفرادها في الأعمال، فعملت في الشرطة وتحسنت الأحوال وعشنا بخير والحمدلله إلى الآن" .
وعن أيام الطفولة يقول الدحي، أتذكر حين كنت صغيراً أترك مع الجمال كي أشرف على إطعامها، وشرابها، وأحضر الماء من بئر تسمى "طوي الفرضة" فيما كان يعمل أبي في حرفة صنع الفخار ولم أتعلم منه تلك الحرفة لانشغالي بالجمال وبعدها حين أصبحت فتى يافعاً ذهبت للعمل، ولم يتقن أو يتعلم منا أحد مهنة والدي رحمه الله" .
وتحدث الدحي عن قصر الزباء وأوضح أن الأهالي كانوا يطلقون عند الحديث عن القصر، "حكم الزبا"، إذ يحكى أن امرأة كانت تحكم المنطقة بشدة وسورت قصرها بسور طويل من الحصا والطين لتحميه من هيجان البحر، فيما كانت تقول جدتي التي كان عمرها 90 عاماً، رحمها الله، إن نخلة طويلة كانت بالقرب من القصر وكانت بجانبه أيضاً بئر موجودة للآن" .
وعن مطاوعة المنطقة يقول الدحي اشتهر في المنطقة المطوع خلفان علي وكان يرقي المرضى، وأيضاً المطوع سعيد راشد العيطوب وكان يقيم الصلاة في وادي حقيل .
علي حسن الشميلي 55 عاماً، من أهالي المنطقة يقول: "لا أتذكر غير أن المكان يوجد فيه "طامورة" وهي عبارة عن حفرة عميقة المستوى مقارنة بما حواليها، وبالمكان المسمى قصر الزباء للطامورة سقف مقوس، وهي المبنى التاريخي الباقي في أعلى الجبل مع بقايا السور الذي كان يحيط بالقصر ويمتد الى منطقة الفلية في رأس الخيمة" .
ويكمل الشميلي: "لا أذكر قصة الطامورة القائلة إن المخالفين لأمر الملكة تعاقبهم بتعليقهم من أرجلهم إلى أن يلفظوا أنفاسهم، إلا أنه يذكر أن العقاب المتداول قديماً كان قطعة خشب صلبة مثل جذع شجرة، مجوف توضع عليه قطعة حديدية ليثبت داخل التجويف الرجل المعاقب، ويوضع في البخار وهو مستودع يصنع من طين وحصى، ويوضع معه الطعام القليل وهو عقاب للسارق أو المعتدي على أحدهم بالضرب .
محمد حسن بن كيزي مسؤول منطقة شمل حقيل، يقول: "منطقة قصر الزباء مكان استراتيجي فهو يكشف معظم مناطق امارة رأس الخيمة مع البحر، والسور الذي يبدأ من القصر وينتهي في منطقة الفلية والقصيدات، وكان يضم فوق الجبل بركاً ومنازل عدة إلا أنها قاربت على الاندثار حالياً ولم تعد مرافق المكان وتفاصيل واضحة" .
ويفصل بن كيزي مناطق شمل ويقول: "توجد في منطقة شمل أسماء لمناطق عديدة منها حقيل والدباني والحلة والقطاع والدهبور وسل حقيل وسل ضاية، والبرامة وقبس وصهرين واليبانة، أما الوديان فهي أيضاً متعددة وكثيرة منها أودية حقيل والأشقر والوردي وسمي كذلك لأنه تتفرع منه عدة وديان من مياهه، ووادي اللبن ووادي الحلة ووادي الدباني ووادي الهوتة ووادي عقب الريال، وخبة اللص، والمعلية والأخضر وكسيفة وعمار الذي يقسم بين منطقة شمل والغب، ووادي أيلح ووادي البرامة .
عبدالله الصرومي، نائب رئيس الشؤون الادارية في جمعية شمل للفنون الشعبية والمسرح، قال: "قصر الزباء لم يعرف تاريخه الحقيقي إلى الآن، فيما يقدر عمر المبنى المتبقي حالياً بأكثر من 240 عاماً، ويميز المكان موقعه الاستراتيجي الكاشف لكل امارة رأس الخيمة، حتى في أوقات معينة تصل مسافة الرؤية بالمكبر إلى دبي، ومن اتجاه آخر يرى حتى شط إيران، ويتوقع تحكم زنوبيا ملكة تدمر لهذا الموقع الاستراتيجي الذي يخدم التجارة أيضاَ .
أضاف الصرومي: "شيد في أعلى الجبل الذي توجد عليه بقايا القصر، حوالي 47 مبنى آخر لم يبق منها غير الأطلال، كما توجد بركتان في الموقع إحداهما بالأسفل والأخرى تحاذي أطلال القصر"، مؤكداً حاجة المكان لترميم ودراسة لأهميته التاريخية ولقدمه في الإمارات .
وفي كتاب جلفار عبر التاريخ، فصل د . عبدالله علي الطابور، عن قصر الزباء فذكر: "يقع القصر في الشمال الشرقي لمدينة رأس الخيمة، على جبل مرتفع نسبياً تحيط به الجبال القصيرة التي تشكل سلسلة جبال عمان" .
ويضيف الطابور: "ذكرت بعض الدرسات أن إطلاق أبناء المنطقة على هذا المعقل تسمية "حصن تارة وقصر تارة أخرى" ، راجع لاتخاذ الحكام في الماضي سكناهم في مكان واحد لأن وجوده في قصر يتطلب حماية هذا القصر بالوسائل الدفاعية مثل الأسوار العالية والأبراج بهدف المراقبة والتفتيش، حيث يبدو في النهاية بهذه الإضافات الأمنية على شكل قلعة أو حصن، وهذا سبب إطلاق الناس عليه اسم قلعة أو حصن .
و"كان هذا القصر المنيع مقراً لإدارة شؤون البلاد أو أنه استخدم كقلعة عسكرية لمراقبة الداخل والخارج، أو استغل سكناً للحكام أو محطة للمداخل التجارية ، وعلى هذا الأساس اعتبره بعض الباحثين نقطة رئيسية في تاريخ المنطقة" .
الزباء تسيمة أطلقت على تلك المرأة الشجاعة التي كانت "مشعرة البدن" والأزب هو كثير الشعر، وبه سميت أما اسمها الأصلي فهو نائلة بنت عمرو .
وذكر المؤرخون القدماء "قصة مقتل الزباء" على يد عمرو بن عدي، فيروى أن الزباء كانت ملكة على الجزيرة وجذيمة كان وقتها ملكاً على الفرات . وبعثت الزباء برسالة الى جذيمة تطلب فيها أن يضم ملكها الى ملكه، بينما تنوي الثأر منه لمقتل أبيها على يديه، ولما وصل كتابها استخف بما دعته إليه فجمع أهل الرأي وعرض عليهم أمرها فأشاروا عليه أن يسير إليها ويستولي علي ملكها إلا أن رجلاً واحداً يسمى قصيراً خالفهم هذا الرأي، وقال لجذيمة الرأي أن تكتب إليها، ولكن لم يوافق جذيمة، وشجعه "عمرو بن عدي" ابن اخته على المضي إليها، وركب جذيمة في طريقه إليها واستخلف ابن أخته على ملكه، وعندما وصل إليها غدرت به، وهلك على يديها، وعلى أثر ذلك أسرع قصير إلى عمرو بن عدي، وهو بالحيرة، وطلب منه أن يثأر لخاله . واتفق قصير مع عمرو أن يجدع أنفه ثم يرسله الى الزباء ففعل ذلك ثم ذهب قصير الى الزباء وعندما وصل إليها قال لها: "إن عمراً جدع أنفي لأنه يعتقد بأنني زينت له المسير إليك، فانطلت هذه الحيلة عليها، وطلب منها أن ترسله الى العراق لإحضار ثروته وعطوره فأرسلت في ركائب وحمل إليها مما يملك وتكررت عملية إرساله ثلاث مرات، وفي المرة الأخيرة جاءت الركائب محملة بالرجال الذين اختفوا في الغرائر، ولما وصلوا داخل المدينة نزلوا وبيدهم السلاح وعملوا سلاحهم في أهل المدينة" .
واندفع قصير ومعه عمرو يدله على باب النفق الذي كانت الزباء تدخله، وتتخذه مخبأ لها، ووضعوا سلاحهم فيه، ولما أقبلت الزباء أبصرت عمرو فعرفته، عندها أخذت خاتمها وكان فيه السم وقالت مقولتها التي تحولت الى مثل عربي معروف "بيدي لا بيد عمرو" وتلقاها عمرو وقتلها بسيفه .
لذا، فإن مقتل الزباء قد يكون حجة لدى من أنكر أن القصر الذي يوجد في رأس الخيمة يرجع الى تلك الملكة المشهورة، لأن من ذكروا أن الزباء حين حدث نزاعها مع الروم استنجدت بالفرس وجاءت لتستقر في القصر الذي بنته عند مدخل الخليج استندوا إلى رواية ضعيفة، أما الذين أوردوا قصة مقتل الزباء على يد عمرو بن عدي بعد انتقامها من جذيمة الأبرش، فيريدون إثبات أن هذه الملكة قتلت هناك ولم تأت الى الخليج العربي وهذا بعكس ما هو متناقل عن الناس بأن القصر يعود لملكة تدمر زنوبيا أو الزباء .
ويكمل الطابور في كتابه " على الرغم من الخلاف الدائر حول تاريخ القصر، ومن هي صاحبته، إلا أن الرواية الشعبية والقصص المتناقلة من الأهالي كلها تذكر أن الزباء حكمت المنطقة من خلال هذا القصر، واستطاعت مد سيطرتها إلى الجبال المحيطة به، كما أنها استعبدت الرجال وأخذتهم خدماً لها" .
والقصر بموقعه المنيع، والذي يقع على مرتفع جبلي ويحيط به سور وغرف مراقبة، ويحتوي على مرافق وتصميمات عسكرية بناء يليق بتلك الملكة المشهورة، خاصة أن هضبة الجبل التي بني عليها القصر تكشف الساحل المطل على البحر، اقتضت النواحي الأمنية اختيار هذا الموقع الذي تحيط به الجبال من الخلف، حيث تشكل الجبال درعاً يصد عنه أي اعتداء مباغت من الخارج .
أما المنطقة التي يقع فيها القصر فتعرف ب"الحلة" وكانت مدينة عرفت الاستقرار في فترة الزباء . وتعتبر من المدن المزدهرة خلال تلك الفترة وقد دلت الآثار المحيطة بالقصر خاصة في منطقة الحلة على أنها كانت تضم بيوتاً من الحصى الجبلي، وبعضها بنيت من المدر أو الطين الذي يوجد بكثرة في شمل، وتتميز منطقة شمل بطبيعتها الخلابة ومناظرها الجميلة وبيئتها اللطيفة ومياهها العذبة .

الجذور التاريخية بحاجة إلى تنقيب

تبنى البيوت في شمل من حصى الجبل، حيث ينقل الحصى بواسطة عمال البناء القدامى بطريقة معينة بعد قطعه على خشبة تربط جيداً وتكون دائرية الشكل ثم تدحرج الى موقع البناء وبهذه الطريقة التقليدية كانوا ينقلون الحصى الكبير الحجم الذي يستعمل في أساسات الحصون والقصور والمباني، وتفنن الأهالي في عملية صف الحصى بطريقة هندسية وبأسلوب معين يعتمد على فكرة تفريغ الهواء، وكشفت المسوحات التي أجريت على حصن الزباء بأنه ذو طراز معماري تقليدي معروف . وذكر بعض المؤرخين الأجانب هذا القصر ووصف بناؤه المعماري لكن الوصف لم يكن بصورة مفصلة إنما جاءت هذه الدراسة سريعة يعتريها النقص، لذا نحن في أمس الحاجة للتنقيب عن قصر الزباء لمعرفة جذوره التاريخية وأبعاده الحضارية وملامحه حتى نقف على الحقيقة التاريخية كاملة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"