“الخروج: آلهة وملوك” فيلم يشوه التاريخ ويخالف الديانات

تم تصوير جزء منه في أسوان والرقابة تمنع عرضه في مصر
01:09 صباحا
قراءة 6 دقائق
القاهرة - "الخليج":
للمرة الثانية خلال عام واحد تم منع عرض فيلم عالمي في الصالات المصرية لأسباب "دينية"، فبعد أن تصدى الأزهر الشريف لعرض فيلم "نوح" في النصف الأول من العام الماضي ،2014 بسبب تجسيد النجم الأسترالي راسل كرو لشخصية نبي الله "نوح عليه السلام" في فيلم يحمل اسمه، قررت الرقابة على المصنفات الفنية منع عرض فيلمExodus: Gods and Kings أو "الخروج: آلهة وملوك" في دور العرض المصرية، بعد أن كان مقرراً عرضه ليلة رأس السنة الميلادية، الأربعاء 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الأمر الذي توقعه كثيرون منذ الإعلان عن انتهاء تصوير الفيلم، غير أن المنع هذه المرة لم يأت لأسباب دينية فقط، لتجسيد نبي الله موسى عليه السلام، لكن أيضاً لأسباب تاريخية تخص تاريخ مصر القديم وحضارتها .
يحتوي الفيلم على أكثر من مغالطة تاريخية إلى جانب الأخطاء الدينية، ربما أهمها زعمه مشاركة اليهود في بناء أهرام الجيزة، ودور اليهود في مصر، ثم زعمه أن اليهود خرجوا من مصر بسبب زلزال أرضي وليس بسبب معجزة شق البحر بعد مطاردة فرعون وجنوده لهم، وهو الأمر الذي أعلنه مخرج الفيلم في تصريحات صحفية له في الكثير من المواقع الإخبارية العالمية، وكذلك تلك التصريحات التي أدلى بها بطل الفيلم كريستيان بيل وتطاول فيها على سيدنا موسى، ما سبب استياءً شديداً لدى المتابعين للمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، من الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، وقيامهم بالدعوى لمقاطعة الفيلم، في جميع أنحاء العالم .
الفيلم كتبه ثلاثة من كبار كتاب السيناريو هم: ستيف زيلين، وآدم كوبر، وبيل كولاج، حيث اعتمدوا على التوراة في أغلب أجزاء الفيلم، وتحديداً على "سفر الخروج"، وهو من أسفار النبي موسى الخمسة التي يتكون منها "التوراة" في "العهد القديم"، تاركين لخيالهم كتابة جزء مهم من أجزائه، فجاءت المعالجة مختلفة عما سبق وقدمته السينما العالمية من قبل، كما تمت الاستعانة بعدد من المستشارين التاريخيين لمراجعة اللغة والطقوس والبروتوكولات في العصر الملكي وقتها .
والفيلم إخراج الهوليوودي، ذي الأصل البريطاني ريدلي سكوت، أحد أهم المخرجين الذين أبهروا العالم بأفلام الدراما والأكشن في القرن العشرين، والذي اختار النجم جويل أجيرتون ليجسد دور الفرعون المصري رمسيس الثاني في الفيلم، رغم الاختلاف الدائر حول تلك الجزئية التاريخية، وجسد النجم كريستيان بيل، دور نبي الله موسى، فيما تجسد الممثلة إندريا فالما دور زوجة سيدنا موسى "صافورا"، والنجم بين كينجسلي، والنجم جون تورتورو في دور الملك سيتي الأول، ويشارك في الفيلم النجم السوري غسان مسعود، حيث يجسد دور أحد مستشاري الملك سيتي الأول، كما اختار أيضاً الصبي "إسحاق أندروز" للأداء الصوتي لدور الذات الإلهية، في مشهدين فقط في الفيلم .
الفيلم من إنتاج شركة "فوكس للقرن العشرين"، وبلغت ميزانيته 150 مليون دولار أمريكي، وتم بناء الاستوديو في شهرين، أما التصوير الخارجي فتم في استوديوهات "غابة الصنوبر" في المغرب، وتم تصوير بعض المشاهد في لندن، وإسبانيا وفي جزر الكناري، إضافة إلى التصوير في بعض المعابد الفرعونية في "أسوان" .
حول كيفية دخول فريق العمل إلى مصر والتصوير في أسوان، دون الاطلاع على سيناريو الفيلم، والوقوف على الأخطاء التاريخية والدينية به، قال الدكتور عبدالستار فتحي، مدير الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات في مصر: الإدارة تعرضت لخدعة، حيث دخل فريق الفيلم مصر في وقت كانت السياحة فيها تعاني بشكل كبير، بحجة تصوير فيلم عن السياحة والآثار، ولهذا لم نطلب سيناريو العمل، كما هو متبع في أي فيلم يتم تصويره على أرض مصر، فقاموا بالتصوير في محافظة أسوان (جنوبي مصر) تحت هذا الزعم .
ورغم التباس المفاهيم الدينية التي يطرحها سكوت في فيلمه، إلا أن الرسالة السياسية للعمل تؤكد بناء اليهود الأهرام الثلاثة، وعلى الوعد الإلهي لهم بأرض الميعاد، وهي مزاعم "صهيونية" وليست يهودية، فضلاً عن استعانة المخرج بأبطال من الأمريكيين البيض، بينما ينبغي وطبقاً لما هو ثابت تاريخياً أن الأشخاص الحقيقيين ليسوا من الجنس الأبيض .
من جهته قال "أنطوان زند" وكيل شركة "فوكس" في القاهرة، والمسؤول عن حق توزيع الفيلم في مصر، إنه يملك حق توزيع الفيلم بالفعل، لكن المؤكد أن عرضه من عدمه يخضع للظرف العام في البلد، دون تدخل في سياسة الدولة، خاصة إذا ما كان الفيلم يمس حقائق تاريخية فيها .
في حين أكد الناقد الفني طارق الشناوي أن قرار الرقابة على المصنفات الفنية بمنع عرض الفيلم في مصر جاء، كما قالوا، بسبب المغالطات التاريخية والدينية التي تضمنها الفيلم، مثل زعمهم مشاركة اليهود في بناء الأهرام، وإنكار صناع الفيلم معجزة شق البحر، ونسب ذلك إلى زلزال مدمر حدث في مصر آنذاك، وهو ما يتنافى مع ما جاء ليس فقط في القرآن، بل وأيضاً في التوراة والإنجيل . وأضاف الشناوي: بالتأكيد أنا ضد ذلك، لكن في الوقت نفسه أنا ضد أن تشكل الرقابة على المصنفات الفنية نوعاً من الوصاية الفكرية على الشعب المصري، فهذا أمر غير مقبول في دولة صنعت التاريخ، لذا أنا أعتقد أن السبب الحقيقي وراء المنع هو أن الفيلم يجسد شخص النبي موسى، وهو ما يمنعه الأزهر بشكل قاطع، لذا رأت الدولة، الممثلة في جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، أن تؤثر السلامة، وتمنع الفيلم حتى لا تدخل في معركة جديدة مع الأزهر الشريف، مثل المعارك السابقة وربحها الأزهر، لذلك جاء بيان الرقابة مؤكداً أن السبب الرئيسي وراء قرار منع الفيلم هو وجود أخطاء تاريخية فيه .
وأضاف الشناوي: من المؤكد أننا نُكِنُّ كل احترام وتقدير للأزهر الشريف، لكن لا شك أنه مقيّد بمفاهيم وقرارات توارثها عبر نحو ما يقرب من 100 عام، بدأت بمنع تجسيد الأنبياء، ثم الصحابة والمبشرين ووصلت إلى الخلفاء وآل البيت، ليصل الموضوع في نهاية الأمر إلى منع تجسيد أي شخصية مرت في التاريخ الإسلامي طوال عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فيما تقف وزارة الثقافة عاجزة تماما أمام هذا الأمر، ولا تريد الصدام مع الأزهر .
من جانبه أكد جابر عصفور، وزير الثقافة، أن الوزارة هي من اتخذت قرار منع الفيلم دون أي ضغوط دينية، وأنه لا علاقة للأزهر الشريف بهذا القرار، خاصة أن الفيلم لم يعرض على الأزهر ولم يطلب رأيه فيه .
وأشار جابر عصفور إلى سبب منع العرض، أنه إلى جانب التزوير الديني والتهكم على ما جاء في الكتب السماوية، به تزوير تاريخي فاضح، خاصة أنه يعرض التاريخ من وجهة النظر "الصهيونية" وليس اليهودية، فاليهودية دين سماوي، لا ينكره الإسلام، لكن ما جاء في الفيلم يؤكد أنه "صهيوني" بامتياز، يتضمن تزييفًا للوقائع التاريخية، فهو يجعل من نبي الله موسى واليهود بناة للأهرام، وهو ما يتناقض مع الدين والوقائع التاريخية الحقيقية، لهذا كان قرار منع عرضه في مصر، من خلال لجنة رباعية ضمت الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة محمد عفيفي، ورئيس الرقابة على المصنفات الفنية الدكتور عبدالستار فتحي، وأستاذين جامعيين متخصصين في التاريخ، شاهدوا الفيلم، وأوصوا بمنع عرضه في مصر .

كلاسيكيات السينما

السينما العالمية قدمت عدداً من الأفلام التي تناولت شخصية سيدنا موسى، تعد من كلاسيكيات السينما العالمية، حتى إن بعضها ومن شاركوا فيها نالوا جوائز الأوسكار، ربما أشهرها على الإطلاق هو فيلم "الوصايا العشر" من إخراج سيسيل دي ميل الذي قدمه مرتين الأولى عام 1924 من بطولة شارلتون هيستون وأعاد تقديمه عام ،1956 وشارك فيه النجمان المصريان رشدي أباظة، وسامية جمال، كما قدمت السينما الأمريكية فيلم تحريك عن النبي موسى هو "أمير من مصر" والذي ادعى لأول مرة أن "رمسيس الثاني" هو "فرعون الخروج"، وكذلك فيلم "موسى" عام 197

هجوم وأرباح

يتناول فيلم "Exodus: Gods and Kings" قصة خروج سيدنا موسى واليهود من مصر، وهو العمل الذي صور أجزاء منه في معابد أسوان، كما يتناول كيف سلط الله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم على فرعون وقومه، ويظهر أيضاً العلاقة بين موسى وفرعون مصر باعتباره "رمسيس الثاني"، وعلاقة الود بينهما وترعرعهما سوياً قبل أن يدب بينهما الصراع .
يذكر أنه رغم الهجوم الشديد على الفيلم، الذي تشنه العديد من المؤسسات الدينية اليهودية والمسيحية في الوطن العربي والعالم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها من إحدى المؤسسات الحاخامية، إلا أنه تربع على قمة قائمة شباك التذاكر الأمريكي، محققاً أرباحاً بلغت 80 مليون دولار أمريكي، في أقل من أسبوعين فقط، تبعه عرضه في أمريكا الشمالية، ثم بدأ عرضه في كل من أستراليا وكوريا الشمالية، لتتجاوز إيرادات الفيلم 103ملايين دولار، في أقل من ثلاثة أسابيع .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"