استعادة كرامة

04:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتبت:جيهان شعيب

قالت له ودموعها تغرق وجهها: هل هانت عليك عشرة السنوات التي شاركتك فيها الألم والعوز والأحزان والكفاح المرير لتوفير معيشة ميسرة نسبياً قبل أن تبتسم الأيام وتنقشع سحابة الهموم وينفرج الكرب وتجود علينا الحياة بالخير الوفير الذي حوّل الأحزان إلى أفراح، والعسر إلى يسر أصبحنا ننعم فيه مع أولادنا؟
تواصلت كلمات فاطمة المبللة بحسرة ويأس وانكسار وذل وزوجها الذي جلس أمامها يستمع وعبوس كبير يملأ وجهه، وقسوة تسود نظرته إليها: كيف تنسى أوتتناسى رحلة العمر التي أمضيتها معك بدءاً من الصفر، أو ربما من تحت الأرض في ظل انعدام الإمكانات كافة التي يمكن أن توفر ألف باء حياة شبه مستقرة، لكنني اخترتك وصممت على الاقتران بك رغماً عن أسرتي التي لم تكن ترى فيك ما توهمته أنا. الحقيقة أنني أحببتك منذ اللحظة الأولى من دخولك بيتنا لطلب يدي.. نعم كنت صغيرة سناً لكن مشاعري التي تكونت نحوك ربما في دقائق ولدت كبيرة، فلم أر سواك، ولم أتمن حينها سوى أن أكون شريكة حياتك، ووقفت أمام اعتراض أسرتي بقوة وصلابة، وفرضت عليهم قبولك رغماً عنهم، وتزوجنا بمساعدة من هنا في تكلفة بعض الأثاث، وأخرى من هناك في مصاريف العرس، ولم يتأخر أفراد أسرتي بالكامل عن إعانتي على الاقتران بك، بينما الإحباط يسكن العيون خشية فشل زيجة غير متكافئة.
بدأت حياتنا وأنا أقاوم يومياً مجرد التفكير في احتمالية فشلنا في استكمال حياتنا معاً في غمرة التعثر المادي الكبير الذي عشت معك فيه، وأنا أتحمل وأدعو الله أن ينعم علينا بالفرج، ومع قدوم طفلنا الأول فالثاني فالثالث، كانت الأزمات تشتد وكانت معاملتك لي تسوء، فلم أشعر يوماً منك بتقدير أو عطف أو احتواء وود، لكنني صبرت وطال صبري لأنك كنت اختياري وبإرادتي الحرة قررت أن تكون شريك عمري، لذا كان عليّ أن أتحمل وأن أسعى لإنجاح حياتنا، لذا لم أدع نفسي لليأس منك، أو من ظروفنا المادية الضاغطة التي أصابتك بالاختناق، فأصبحت تقضي معظم وقتك خارجاً تاركاً لي مسؤولية رعاية وتربية وتدريس الأولاد، ولم أتراجع لحظة عن القيام بواجباتي تجاههم وتجاه متطلبات بيتنا على الإطلاق، واستجاب الله دعائي وانفرج الكرب وجاد الله علينا بالرخاء ونما عملك التجاري وكبر، وأصبحت من ذوي المال والجاه، وفي الوقت الذي بدأت أشعر فيه ببعض السعادة والراحة، رحل والداي وتركاني دونما سند معنوي كان من المفترض ألا أكون في حاجة له في ظل وجودك، لكنك خذلتني ونكثت عهد عشرتنا وأخلفت وعد بنود الحياة الزوجية القائمة على المودة والرحمة والاحترام، فكثرة المال بعد قلته أسقطتك في فخ الانحراف، وحل الوبال علينا منك بعدما أصبحت سكيراً لا تعرف ليلك من نهارك، ولا الأبناء من الغرباء.. تساوى أمامك الجميع وأصبحت إساءتك لا تستثني أحداً والسباب سيطر على لسانك فطال الجميع، وأنت مغيب عمن حولك فتنفر الكل منك، واليوم تطالبني بترك البيت.. تطردني من المكان الذي أفنيت فيه عمري معك ومع أولادنا الذين هم على عتبة الدراسة الجامعية، فإلى أين أذهب وشقيقتي الوحيدة تزوجت وانتقلت للإقامة مع زوجها في بلد بعيد؟ ليس لي مكان أقيم فيه، ولا أملك مالاً يمكنني من استئجار ولو غرفة واحدة تحتويني، فماذا أفعل وصوتك يعلو يومياً وأنت تهددني بالطلاق وبإلقائي خارجاً لرغبتك في الزواج من فتاة صغيرة تعيد لك شبابك الذي ولى معي، كما تردد أنت. قل لي بربك ألا تتذكر أنني يوم اخترتك كنت تلك الفتاة الصغيرة الجميلة، وأنني يوم تحملت شظف الحياة معك لم أشكُ أو أتذمر، بل كنت أدفعك للارتقاء بنفسك وأشجعك على تنمية تجارتك.. ماذا فعلت لك حتى تتنكر لي في يسرك وأنا من تحملتك في عسرك؟
صمتت فاطمة آملة في أن تكون كلماتها أثرت في زوجها، إلا أنها لمحت نظرته القاسية لها كما هي، بل إنه بدا مكشراً عن أنياب غضبه، فعادت إلى القول: لن أخرج من بيتي.. سألجأ إلى المحكمة وسأرفع عليك دعوى حسن عشرة بتوفير مسكن لي ومأكل ومشرب.. كفاني خذلاناً.. سأرفع رأسي وأستعيد كرامتي، ومنذ هذه اللحظة لن أكون تلك الضعيفة المنكسرة وستكون أنت الخاسر.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"