سيد حجاب: الثورة فعل عبقري يتجاوز خيال الشعراء المقيد

أطاحت بمخاوف الناس وتبحث عن العدالة
05:36 صباحا
قراءة 5 دقائق

يعبّر الشاعر سيد حجاب عن اندهاشه بثورة مصر وشقيقاتها، ويؤكد انبهاره بهذا الفعل غير المسبوق، ويصب شيئا قليلا من غضبته على النقاد وكسلهم . . . . لحجاب عدة دواوين منها صياد وجنية، في العتمة، نص الطريق، قبل الطوفان الجاي، هنا حوار معه .

شاركت في ثورة يناير، وقلت إنها أكبر من ثورة يوليو، هل ما زلت ترى ذلك حتى الآن؟

نعم، ثورة يناير أكبر ألف مرة من ثورة يوليو، فما حدث في مصر شيء لا مثيل له في تاريخ الثورات، ولا في تاريخ الإنسانية، فقد ضمت مطالبها وأهدافها أجمل وأكمل ما في ثورات العالم . الثورة المصرية ليست مجرد ثورة، بل ثلاث ثورات اندمجت وتوحدت في ثورة واحدة : ثورة ثقافية أطاحت بمخاوف الناس، ثم ثورة سياسية غازلت حلم التغيير لدينا، ثم ثورة تبحث عن العدالة وتسعى إلى تحقيقها .

سيد حجاب ماذا تبقى من أريج البدايات؟

منذ سبعين عاما تقريبا ولدت في بيت مختلف، بمدينة مختلفة، بيت العم أحمد حجاب، أب متعلم يعمل في وظيفة بسيطة، لكنه يمتلك مكتبة كبيرة، وله أولاد كثيرون، ذكورها شاعران وضابطان ومهندس، أما المدينة مدينة المطرية في محافظة دقهلية التي أهدت العالم عمنا زكريا الحجاوي، فقد نامت مطمئنة على كتف بحيرة المنزلة، التي تحتضن بحب ومحبة بلدتنا، كانت اندفاعات الشعر تثور في البلدة مع اندفاعات موج البحيرة، وأغاني الصيادين، ومدائح المداحين، الأب كان شاعرا اكتفى من الشعر بعشقه وتعليمي إياه، عروضا وموسيقا ولغة، ثم كان أستاذ الرسم شحاتة سليم نصر، أول من أثبت فضيلة أن المرء لا يعرف كل شيء، أول معلم يقول لي لا أعرف ثم فتح أمامي بابا للشعر الحقيقي حين أرشدني أن بداخل كل صياد يوجد شعر حقيقي جميل وصادق، ومن هنا كانت البداية التي لا تفارقني .

في عام 66 أصدرت ديوانك الأول صياد وجنية قبيل زيارة طالت قليلا للمعتقل، وخروج من دون أسباب مثلما كان الولوج، كيف تناوله النقاد آنذاك؟

دعني أقول لك إني كنت أتيه فرحاً بما لاقيته، خاصة خلال هذه الفترة الفوارة: اعتقال، منظمات، إنشاء جاليري ،68 تجديد لغة القصيدة، التفكير بالصورة من خلال قصيدة العامية، جاء الديوان ليجدّ النقاد في التعليق عليه، وتشبيه صاحبه بإيلوار، ثم بالشاعر الإسباني الكبير لوركا، كنت أصور حرس السواحل صيادين الصيادين في قصائدي الأولى، وكانت تستدعي الحرس الأسود لدى لوركا، وكان مشهد مقتله يتجسد في ناظري وفي شعري .

لكن هذا الشعر الذي نزفت فيه دمي، لم يصل إلى أهلي، ومن هنا كانت الانتقالة إلى الديوان المسموع عبر الإذاعة المصرية، فبدأنا : أنا والأبنودي كتابة برنامج بعد التحية وبعد السلام ثم كتبت أوركسترا وعمار يا مصر . . واستمرت المسيرة .

ألهذا كان الانتقال للأغنية؟ أليس غريباً الانتقال من الفصحى إلى العامية إلى الأغنية عبر المسلسل والمسرحية والسينما؟

بالفعل بدأت بالفصحى، وقبل بلوغي العشرين استضافتني الإذاعية سميرة الكيلاني، في برنامج كتابات جديدة وناقشها الناقد الكبير محمد مندور، ثم قدم سعد الدين وهبة، ود . عبد القادر القط قصائدي الفصيحة، لكن اللقاء بصلاح جاهين، مع أسباب أخرى كأمية أهل مدينتي حسم انحيازي، فأصدرت صياد وجنية عام 1966م، وكتب الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي كلمة الغلاف، مشيرا ومشيدا بتجربة النفاذ إلى جوهر الأشياء الصغيرة المتلألئة المتفجرة النامية .

لكن اتصالك بالأغنية كان سابقا على صدور الديوان . .؟

نعم أولى أغنياتي كانت عام 1965م بعنوان يا طير يا طاير طير على بلدي للفنان الكبير محمد فوزي، ثم بعدها وبالمصادفة انطلقت حنجرة ماهر العطار بأغنية اشتهرت بقوة أيامها هي ياما زقزق القمري، ثم أغنيات لعفاف راضى، لاحظ أن ابن خلدون يقول في المقدمة أن صناعة الغناء أول ما ينقطع من العمران عند اختلاله أو تراجعه، لكني تأملت فوجدت الشعراء يدخلون على الأغنية بالمتبقي من شاعريتهم المبثوثة بقصائدهم، باستثناء أحمد رامي والعبقري مرسي جميل عزيز، وعبد الفتاح مصطفى، وبالطبع صلاح جاهين، ومن هنا حاولت توجيه الدفة إلى أغنية الدراما .

لذلك قدمت أغنيات مسلسل الأيام عن قصة حياة عميد الأدب العربي طه حسين؟

قبلها قدمت مسلسلا للأستاذ محمد فاضل بعنوان الفنان والهندسة، ثم جاءني سيناريو مسلسل الأيام، ووجدت ضرورة تعديل وتغيير السيناريو، لأجد أماكن مناسبة للدراما الغنائية أكثر، كان منهجا جديدا في الغناء، رغم أنه كان موجودا قبل ذلك، لكن الكيفية نفسها اختلفت، فصار الكلام يدخل في لحم الدراما، تذكر مثلا موقف العميد حين ينساه أهله في القطار، فينطلق صوت على الحجار بلحن عمار الشريعي متألما ( العمر غربة وانت قال جاني / وفي كل يوم دعا الوالدين نجاني / ساعات أقول ده اختبار للعدل من ربي / وساعات أقول ربي اختارني ونجاني )، ثم بدأ التنوع فقدمت في السينما والمسرح والتلفاز أعمالاً كثيرة .

هل كان في الأمر تتبع لمسار صلاح جاهين؟

صلاح جاهين قارة كبيرة للشعر، للفن عموما، طاقة دافعة، طفل كبير مدهش، لا يتوقف عن الضجيج والبكاء والإبداع، حين التقيته للمرة الأولى، سمع قصيدة لي ولم يعلق، فاستزادني والتكشيرة على وجهه، ثم طلب مني الاستمرار، وكنت أزداد رعبا مع تقطيبة وجهه وصمته، ثم قفز في الهواء وقال كلمته المشهورة للشاعر فؤاد قاعود إننا صرنا كثيرين، جاهين جرب كثيرا في الصيغة الشعبية ليرى أقربها للذائقة العصرية، عندما يتكلم عن قيمة شعبية مستقرة مثل الصبر حيث يتحول عنده ليس إلى موقف اتكالي ثابت سكوني، وإنما إلى اختيار، إلى موقف من المثابرة المناضلة، فتدرك أن صاحب هذه النصوص رجل له فلسفة إنسانية تظهر في إيمانه أن الإنسان مانح القيمة الحقيقية المضافة لكل المنتجات الطبيعية، جاهين فكر شديد العصرية ذائب في صياغات الوجدان الشعبي المستقرة، وبالتالي أنا أرى جاهين مؤسسًا رئيسيًا من مؤسسي الشعر المصري المعاصر، ومع تقديري لتجربة جاهين ودوره، فلكل إنسان تجربته واختياراته وظروفه الدافعة .

اندهش عشاق شعرك من ديوانك الصوتي الورقي قبل الطوفان الجاي نظرا لمباشرة الصورة وتدفقها والتخلي عن هندسة القصيدة، لماذا هذا التغيير؟

دعني أولا أتخلى مختارا عن وسام وسموني إياه، أعني التنبؤ بالثورة في هذا الديوان، فقد كانت فعلا عبقريا أكبر من محدودية خيالنا المقيد، أعود لأقول إن الديوان بالفعل صوتي ورقي بهذا الترتيب، وربما يفسر هذا التغيير المشار إليه، فالديوان كتب ليلقى في التجمعات، وليس لمجرد الحفظ في كتاب، وقد وعيت لطبيعته، فبدأت الولوج المباشر للقضية، من خلال البدء بالتعبير الصادم الموجع في المقطع الأول، الذي يعبر بقسوة، ثم بسخرية من السلام إياه الذي ظللنا نركض خلفه عقودا، ثم ينمو الديوان بنمو التجربة، حتى يتسع لرؤية الموجودات جميعاً، ربما يكون ما أقوله حق الشاعر على ناقده، ولكن أين هم؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"