د. أحمد شوقي إبراهيم مؤلف “موسوعة الإعجاز العلمي في السنة النبوية”:

عدد الحشرات في الميل المربع يوازي سكان العالم

يعد الدكتور أحمد شوقي ابراهيم رئيس المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة، من الشخصيات المتميزة في مجال الإعجاز العلمي، حيث تمتد رحلته إلى أكثر من نصف قرن، أبدع خلالها عشرات المؤلفات الموسوعية في هذا المجال الذي يعد تربة خصبة للدعوة وخاصة بين غير المسلمين وهو في الوقت نفسه يرسخ عقيدة المسلم، بما يكشفه من إعجازات متجددة في القرآن والسنة. وهذا ما جعل الدكتور أحمد شوقي ابراهيم يؤلف موسوعة الاعجاز العلمي في السنة النبوية التي صدرت منها حتى الآن ستة مجلدات تناولت: الإعجاز في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلق الإنسان والزمن، والطبيعة وما وراء الطبيعة، النبات، وآخرها الحشرات والطفيليات والعنكبوتيات والميكروبات وهذا ما ركزنا الحوار معه حوله باعتباره من الأمور الجديدة التي لا تعلم الغالبية عنها إلا معلومات ضئيلة.

هناك من ينكر وجود إعجاز علمي في السنة النبوية، وإن قبل بوجوده في القرآن فعلى مضض فماذا تقول لهؤلاء؟

الإعجاز العلمي في السنة حقيقة لا شك فيها ولا ينكرها إلا إنسان جاهل أو معاند أو ضال، لأن هذا يتجلى في الشرعيات والعبادات والمعاملات، ويتجلى بوضوح أكثر في تناول مختلف العلوم الإنسانية وأمور الإنسان وأحواله اليومية، وأي إنسان يقرأ هذه الموسوعة التي صدرت منها حتى الآن ستة أجزاء يتأكد تماماً من وجود هذا الإعجاز ليس بشهادة المسلمين فقط، وإنما بشهادة غير المسلمين أيضاً، وهذا يؤكد أن الإعجاز في القرآن والسنة لأنهما من قبس واحد هو الوحي الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن لم يكن للعلم التطبيقي قيمة أو فيه تقدم، فنحن اليوم نكتشف عاماً بعد عام إعجازاً علمياً جاء في أحاديث عمرها أكثر من 1400 سنة لتزيد المؤمن إيماناً وتكون حجة على غير المسلمين.

عالم الحشرات

رصدتم في الموسوعة الكثير من الأحاديث المتعلقة بالحشرات وليس الإنسان فقط فما أهمية هذا الرصد من الناحية العلمية؟

يؤكد العلماء أن الحشرات أكثر المخلوقات الحية عدداً فهي تمثل 95% من الأحياء على ظهر الأرض حتى أن عدد الحشرات في الميل المربع الواحد يوازي عدد سكان العالم من البشر، وتنقسم الحشرات إلى أكثر من ثلاثين مجموعة وأكبرها مجموعة الخنفسيات التي تضم أكثر من 120 عائلة مختلفة ونحو 500 ألف نوع.

ويأتي النمل بعد الخنافس في العدد فهو يمثل 10% من عدد الأحياء على ظهر الأرض، والنمل الأبيض بالعدد نفسه وتعيش الحشرات على النباتات والمواد الحيوانية والنباتية المتحللة وهي مصدر غذائي لكثير من الحيوانات وإذا كانت هناك حشرات ضارة فإن هناك ما هو مفيد مثل النحل الذي هو شفاء للناس بنص القرآن والسنة، كما أنه سبب رئيسي في تلقيح النباتات وبالتالي إنتاج الغذاء العالمي، وقد روى الإمام أبو داود عن موسى بن اسماعيل عن غالب بن حجرة عن ملقام بن تلب عن أبيه قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرة الأرض تحريماً أي لا يوجد تحريم لقتلها أو أكلها وخاصة إذا كانت لا تضر والأصل في التعامل معها الإباحة في الأكل ما لم يرد نص يحرمها، وهذه الحشرات تسبح ربها لأنها أمم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: قرصت نملة نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوصى الله تعالى إليه أفي إن قرصتك نملة أهلكت أمة تسبح.

الاحتفاء بالنحل

يعد النحل الأكثر ذكراً في نصوص القرآن والسنة وهو من الحشرات فما السر العلمي في ذلك؟

خلق الله النحل في الأرض قبل خلق الإنسان بمئات الملايين من السنين وما أن خلق الله الإنسان حتى وجد العسل أمامه وفيرا في بيوت النحل في كهوف الجبال وعلى أغصان الشجر، كما جاء في القرآن وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون بل إن عسل النحل قبل خلق الإنسان كان غذاء للنحل نفسه وللحشرات الأخرى فلما خلق الله الإنسان كان له النصيب الأكبر من العسل، وقد وجد علماء الآثار نقوشا للنحل على معابد المصريين القدماء التي يرجع تاريخها إلى عام 3500 قبل الميلاد، وقد تعلم الإنسان التعاون من النحل وكيف أنها تعيش في جماعات منظمة، ولكل فرد فيها وظيفة، وأن الملكة هي التي تدير أعمال الخلية كلها، والنحل كله يتعلق بالملكة ويأتمر بأمرها.

وعثر في بعض قبور الفراعنة على أوعية محكمة الإغلاق وممتلئة بالعسل ومن العجيب أنه ظل محتفظا ببعض خواصه رغم مرور آلاف السنين، لأنهم كانوا يعتقدون أن العسل أفضل غذاء للميت بعد أن يبعث من جديد للحساب، وكان العسل لدى الفراعنة رمز الخلود، ولعل هدية العسل في أول الزواج كانت السبب في إطلاق اسم العسل على شهر العسل وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع دواب: النملة والنحلة والهدهد والصُّرر.

والحكمة أن النمل أمة تسبح أما النحل فعسله غذاء وشفاء أما الهدهد فهو من جند سليمان المطيع له فضلا عن أنه يلتقط الديدان من الأرض فيفيد الزرع، وبالتالي يحافظ على غذاء الإنسان أما الصرر فهو طائر فوق العصفور نصفه أبيض ونصفه أسود ضخم المنقار، وكانت العرب تتطير منه فنهى النبي عن قتله لإبطال التطير.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان النبي إذا أنزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، وقد امتدح الرسول صلى الله عليه وسلم النحل فقال: والذي نفس محمد بيده إن مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا ووقعت فلم تكسر ولم تفسد وفي عام 1973 قام العالم الألماني كارل فون فريش بدراسة عميقة عن حاسة بصر النحل ونال بها جائزة نوبل للعلوم حيث انتهى إلى أن النحل يميز الألوان جيداً حتى أنه يرى ألوانا لا تراها عين الإنسان، وما زال العلم الحديث يتوصل إلى المزيد من الإعجاز في مملكة النحل وصفاتها وقدرة العسل الشفائية الذي قال عنه الله سبحانه فيه شفاء للناس وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: الشفاء في ثلاث: شربة عسل وشرطة محجم وكية بالنار وأنهى أمتي عن الكي ووضح تفاصيل للشفاء بالعسل فقال: من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه بلاء عظيم فقد اكتشف العالم الألماني دولد عام 1950 أن عسل النحل به مضادات حيوية تقتل أنواعاً كثيرة من الميكروبات.

قوة وذكاء

هناك أحداث كثيرة متصلة بالنمل الذي يكفيه شرفا أن جاءت سورة في القرآن باسمه فما الإعجاز العلمي فيها؟

النمل أمة منظمة ومسبحة ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن حرقه، حتى إنه عندما رأى أناساً يحرقون النمل بالنار قال: من حرق هذا، لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار.

واكتشف العلماء حديثا أن للنمل لغات عديدة يتفاهم بها مع بعضه بعضاً وصدق الله العظيم إذ يقول: حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكاً من قولها وتحكم مملكة النمل أنثى كالنحل أيضاً.

وأثبتت الدراسات العلمية أن لكل نوع من الحشرات رائحة خاصة بها تعمل وكأنها بطاقة شخصية تتعرف بها على الحشرات الأخرى والنمل من أكثر الحشرات ذكاء بل والأقوى حتى أنه يحمل الحبوب لمسافات كبيرة، وبالنسبة والتناسب نجد أن الإنسان حتى يكون في قوة النمل لا بد أن يحمل ألف كيلوجرام على الأقل ويصعد بها سبعة طوابق وصدق الله تعالى حيث يقول: وخلق الإنسان ضعيفاً.

الإعجاز في الذباب

يعد الذباب من الحشرات التي بها إعجاز علمي لأنه ورد ذكره في القرآن والسنة نريد توضيح بعض جوانب هذا الإعجاز.

يكفي الذباب شرفا أن الله ضرب به مثلاً حيث تحدى الكافرين أن يخلقوا مثله أو أن يستردوا شيئاً أخذه، وقال الله في الحديث القدسي الذي رواه الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن أظلم ممن خلق خلقا كخلقي فليخلقوا مثل خلقي ذرة أو ذبابة أو حبة.

والعجيب أن الذباب ليس نوعا واحدا وإنما عشرات الآلاف من الأنواع وكل نوع مكون من آلاف الفصائل وصدق الله إذ يقول: يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز.

وهناك الطفيليات من الحشرات التي ضرب الله بها مثلاً إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها وقال صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس لا تغتروا بالله فإن الله لو كان مغفلا شيئاً لأغفل البعوضة والذرة والخردلة.