خالد محمد خالد.. أرّخ للإسلام بكلمات من القلب

02:32 صباحا
قراءة 5 دقائق
إعداد:محمدو لحبيب
ولد الكاتب خالد محمد خالد في «العدوة» إحدى قرى محافظة الشرقية في مصر، يوم 15 يونيو/حزيران سنة 1920م، والتحق في طفولته بكتاب القرية، فأمضى به بضع سنوات، حفظ خلالها قدراً من القرآن الكريم، وتعلم القراءة والكتابة، ولما عقد والده - الشيخ محمد خالد - عزمه على أن يلحقه بالأزهر الشريف، حمله إلى القاهرة، وعهد به إلى ابنه الأكبر «الشيخ حسين» ليتولى تحفيظه القرآن كاملاً، فأتم حفظ القرآن كله في وقت قياسي هو خمسة أشهر، كما قال عن ذلك في مذكراته «قصتي مع الحياة»، ثم التحق بالأزهر بعد ذلك، وظل يدرس فيه على مشايخه الأعلام طوال ستة عشر عاماً حتى تخرج ونال الشهادة العالمية من كلية الشريعة سنة 1945م، وعمل في التدريس عدة سنوات حتى تركه نهائياً سنة 1954م، حيث عين في وزارة الثقافة مستشاراً للنشر، ثم ترك الوظائف نهائياً بالخروج الاختياري على المعاش عام 1976.

تقلبت حياته في أطوار متعددة، من حفظ مبكر وسريع للقرآن الكريم، إلى طالب نبيه ومجد بالأزهر الشريف، إلى شاب متعطش للمعرفة، تواق إلى أنواع الفنون والآداب والثقافات الغربية، ثم إلى صوفي مشغول بربه.
وكما كانت حياته كذلك كانت مؤلفاته التي بدأت ثائرة انفعالية ومثيرة للجدل كما في كتابه الأول «من هنا نبدأ»، الذي دافع فيه عن العلمانية، ونال شهرة واسعة في مصر وخارجها بشكل سريع فطبعت منه ست طبعات في عامين اثنين، وترجم في السنة نفسها التي صدر فيها إلى الإنجليزية في أمريكا، وكتبت عنه عدة رسائل وأبحاث جامعية ومقالات في أنحاء متفرقة من أوروبا وأمريكا، لكن فطرة المؤلف النقية، ونيته الصادقة جعلاه - فيما بعد - يقول إنه عندما رأى حفاوة أعداء الإسلام بالكتاب أدرك أنه أخطأ فيه ولم يخجل من الاعتراف بذلك، وراح يصحح ذلك الخطأ بكل قوته فلم يترك وسيلة من وسائل إذاعة هذا التصحيح إلا أتاها: من مقالات، أو تحقيقات صحفية أو إذاعية أو تلفزيونية.
خلف خالد محمد خالد ثروة علمية تربو على ثلاثين كتاباً، غير المقالات والأحاديث الكثيرة التي لم تجمع بعد، وقابلها الناس في أنحاء العالم بالقبول، وترجم بعضها إلى لغات مختلفة.
بساطة في التعبير
ومن أكثر كتبه انتشاراً تلك المجموعة المسماة بالإسلاميات، والتي تميزت بجمال الأسلوب وطريقة التناول، وأشهرها كتاب «رجال حول الرسول» الذي تحدث فيه عن سيرة ستين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان لهم أثر مباشر في نشر الدين الإسلامي والدعوة إلى الله تعالى، ويعتبر الكتاب من الكتب القيمة والممتعة لكل مسلم ينشد التعرف إلى سيرة صحابة رسول الله رضوان الله عليهم، وقد تلقى كثيرٌ من الناس والأدباء هذا الكتاب بكثير من القبول والرضا بسبب الأسلوب المشوق والممتع لكاتبه.
بدأ الكاتب كتابه بمقدمة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أتبعها بكتابة سيرة ستين صحابياً من خيرة الصحابة، وقد سرد سيرة كل صحابي بأسلوب مختصر؛ حيث ذكر السمة التي تميز بها كل واحد منهم، وتناول سيرته في الإسلام وعطاءه داخله، مبينًا بشكل مكثف وموجز المواقف التي تجلت فيها شخصية هذا الصحابي أو ذاك بشكل بارز. واتسم الكتاب بالسهولة في الطرح وبساطة التعبير، واللغة التي تصل إلى القارئ فيفهمها من غير معجم أو حاجة إلى تفسير، حتى عد هذا الكتاب بحق من أروع كتب السيرة التي تناولت حياة الصحابة رضوان الله عليهم.
«خلفاء الرسول»
وهناك أيضا كتابه «خلفاء الرسول»، الذي قال في مقدمته إنه يكتب عن خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يشعر هو تجاههم وليس فقط كما يذكره التاريخ عنهم، وحاول باستخدام أسلوبه المتميز أن يمزج بين السيرة التاريخية وبين دفق من المشاعر المحبة للخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، فظهر الكتاب بكلمات من القلب قبل أن يكون مكتوباً بمواقف وأحداث من التاريخ، وضم بين دفتيه سيرة الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، إضافة للخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فكتب عنهم تحت العناوين التالية: «وجاء أبو بكر، بين يدي عمر، وداعاً عثمان، في رحاب علي، معجزة الإسلام عمر بن عبد العزيز»
ومن كتبه أيضاً «كما تحدث الرسول»، الذي يقول عنه: «إن هذه الصفحات لا تزعم لنفسها أنها تقدم أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو تفسرها، إنها تلقي السمع لا أكثر، وترسل البصر وراء موكب من أحاديثه الباهرات، وإني لا أحاول أن أخلع على الأحاديث معاني أتكلفها، ولا أكلفها غايات لا تريدها، بل أتركها تقودني وحدها إلى غايتها الباسلة الجليلة، فإذا نحن أمام فتح عظيم لحساب عقل الإنسان وضميره ومصيره، فوحدة المضمون والجوهر القائمة بين بعض الأحاديث وبعضها الآخر، تكشف عن موكب عظيم من الاتجاهات الراشدة في تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته من غير أي تدخل من جانبنا ودونما تكلف أوإضافة، والمهم أن تكون وحدة المضمون دليلنا، وعندئذ تعطينا كلمات النبي صلى الله عليه وسلم أروع أسرارها».
وقد أصدر خالد محمد خالد أيضا كتاب «كما تحدث القرآن» ويبين فيه مكانة عالم الشهادة في القرآن الكريم كموضوع للبحث العلمي، والعمل العقلي، واكتشاف قوانين التسخير، والتعمير للإفادة منها، ويبرز الكاتب أنه في عالم الشهادة تتجلى كلمات الله الكونية (كن) في شكل قوانين وحقائق علمية، وأن المسلم مكلف شرعاً بالكشف عنها والإفادة منها.
والكتاب بشكل عام يعكس إحساس الكاتب بالألم من واقع أمته وتخلفها الحضاري والعلمي الحالي عن بقية الأمم، رغم أن القرآن الكريم يفتح لها الباب واسعاً للتفكر والتدبر في الخلق ويأمرها بعمارة الأرض ويحثها على ذلك.

وكتب مؤلفنا أيضا «إنسانيات محمد» الذي يقول عنه: «اعلموا يا من تطالعون هذا الكتاب أنكم تعيشون لحظات مترعة بغبطة الحياة، مع إنسان ورسول، رفع الله به قدر الحياة»، وأيضا كتاب«عشرة أيام في حياة الرسول» الذي يقول عنه: «من بين أيام حياته العظيمة البارة، ومن هذه الحياة الطاهرة الناضرة الممتلئة، نحاول على صفحات هذا الكتاب أن نجتزئ بضعة أيام نقف عندها، ونحيا في دائرة ضوئها».
أسلوب رشيق
أصدر خالد محمد خالد مذكراته وتناول فيها أبرز محطاته الحياتية العادية، وتطورات فكره، واستعرض في ذلك الإطار تجربته مع التصوف ونظرته العميقة له.
تميزت كتابات خالد محمد خالد بأسلوب رشيق، وقدرة على التعبير والغوص إلى جوهر الأشياء، وحين كان أحدهم يسأله عن السر في جمال أسلوبه كان يقول: «إن الأسلوب في الكتابة لا يصنعه شيء إلا رب العالمين».
اتسمت حياته بالزهد في المال والمناصب ومظاهر الجاه، وقد استفاض في وصف ذلك من عرفوه وكتبوا عنه، وتوفي يوم 29 فبراير/شباط سنة 1996م عن عمر يناهز الستة والسبعين عاماً بعد مرض طويل اشتد عليه في سنواته الأخيرة، ورغم ألم المرض كان دائم القول: «لا راحة للمؤمن من دون لقاء الله» ولم تكن فكرة الموت تزعجه، بل كان كما المنتظر منه على شوق، وقد استعد له وأوصى أن يصلى عليه في الجامع الأزهر، مرتع صباه وشبابه، وأن يدفن بقريته «العدوة» بجوار الآباء والأجداد والأهل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"