عوادم السيارات والمصانع توقف نمو الدماغ

03:42 صباحا
قراءة 6 دقائق
يحيط الهواء الملوث بنا من كل جانب، من عوادم السيارات وأدخنة المصانع والمحروقات ودخان التبغ، وسجلت بعض عواصم الدول أعلى نسبة من تلوث الهواء، وتجتمع المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن كل عام من أجل الحد من الظاهرة، لأنها من أسباب الإصابة بالأمراض والمشكلات الصحية، كما أن هذه الظاهرة لها عواقب وخيمة على الأطفال الصغار، حيث أثبتت العديد من الدراسات التي أجريت في هذا الموضوع أن التلوث يحد من نسب الذكاء ويصيب الأشخاص بالغباء.
تشترك ظاهرة تلوث الهواء في مسببات حالات الوفاة، والتي غالباً ما تحدث في سن مبكرة من العمر، ويحذر أطباء متخصصون في علم الأعصاب أن التلوث اليومي الذي يتعرض له الكثير من الأطفال يعد سبباً أساسياً في إصابة الكثير من الصغار بمشكلات سلوكية وخلل في تطور مهارات الطفل، وتلوث الهواء له علاقة مباشرة بالتأثيرات السلبية على الدماغ عموماً، وسوف نتناول في هذا الموضوع تأثير تلوث الهواء على الصحة العامة للأشخاص والأطفال، كما نطرح بعض الدراسات الحديثة التي تمت في هذا الموضوع، والنصائح والتحذيرات المقدمة من المتخصصين لحماية الأجيال من خطورة تأثير تلوث الهواء.
نمو الدماغ والعنف
يصاب الكثير من الأطفال باضطرابات سلوكية مثل العنف وغيره، بالإضافة لبعض المشكلات والأمراض الصحية نتيجة تعرضهم لتلوث الهواء المستمر، حيث توصلت نتائج دراسة جديدة إلى أن عدد الأطفال المصابين بمشكلات سلوكية في ازدياد مستمر بسبب ظاهرة التلوث، كما ارتفعت نسبة الأطفال الذين يعانون من أمراض الحركة المفرطة وتدني القدرات الذهنية والتوحد، وأرجع الباحثون ذلك إلى تعرض الأطفال لظاهرة التلوث البيئي عموماً منذ مرحلة الجنين وما بعدها، بما فيها تلوث الهواء للأم الحامل وانتقال تأثيراته لغذاء الجنين، وبينت دراسة سابقة التأثير السلبي لبعض المركّبات الكيماوية على نمو الدماغ، ومنها الزئبق والزرنيخ والرصاص وثنائي الفينيل، بالإضافة إلى أنها تسبب مشكلات عقلية ونفسية للطفل، وهذه الدراسة كشفت دور تلوث المنجنيز في إصابة الطفل بمشكلة فرط الحركة مع ضعف قدرات الصغير في فهم المسائل الرياضية، كما يسبب استخدام الأم لأحد المنظفات الصناعية ميولاً عدوانية شديدة على الأطفال.
تضرر القلب
تنفس الهواء الملوث يعمل على تقليل كميات الأكسجين المتجهة إلى الدماغ والتي تحتاج إليها خلايا المخ للقيام بالعمليات الحيوية الضرورية، وبالتالي تقل وظائف وكفاءة هذه الخلايا وينعكس ذلك على القدرات العقلية والذهنية، ومن المعروف علمياً أن الدماغ عموماً هو أكثر عضو في جسم الشخص يستهلك الأكسجين، وليس معنى ذلك أن بقية أعضاء الجسم لا تتأثر بالهواء الملوث، فالقلب والكبد من الأعضاء التي تتضرر بالهواء الملوث بدرجة مؤثرة، ويُحدث التلوث اضطراباً في عملية التمثيل الغذائي، ويزيد من فرص الإصابة بمرض التخمة وزيادة الوزن، وتلوث الهواء له أضرار بالجملة على الجهاز التنفسي، كما يؤدي تنفس الهواء الملوث إلى ارتفاع معدلات الكوليسترول الضار في الجسم، ويتعرض العديد من الأطفال الذين يقطنون بعض المدن التي تصنف ضمن أعلى نسب التلوث لفقدان جزء حيوي من الذاكرة، في غضون مساحة زمنية متوسطة، ويصابون بحالة الغباء وانخفاض نسبة الذكاء بصورة ملحوظة، وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 55% من المشكلات والأضرار الصحية الناتجة عن ظاهرة تلوث الهواء تحدث لدى الأشخاص الموجودين في البلاد النامية، كما ربطت المنظمة بين تلوث الهواء وبين أمراض الجهاز التنفسي المعدية، وكذلك بين أمراض القلب الوعائية وسرطان الرئة، وكشفت المنظمة أن تقليل معدل تلوث الهواء يساهم في تخفيض هذه الأمراض في دول العالم، ومنع هذا التلوث يتطلب وضع قواعد تطبق على جودة الهواء وجميع وسائل النقل، ولا بد من وضع خطوات وطرق إرشادية لكيفية عمل تهوية صحيحة للمدارس والمنازل وأماكن العمل، ومنع التدخين في المناطق العامة، وتشريع قوانين صارمة تحارب التلوث في المدن الكبيرة، تشمل وضع ضوابط للحد من انبعاث الهواء الملوث في مجالات الصناعة عموماً، والتشجيع على البحث عن مصادر طاقة نظيفة واستخدامها.
السمنة والكوليسترول
قام مجموعة من الباحثين بإجراء دراسة على فئران التجارب لمعرفة مدى تأثير تلوث الهواء في أجهزة الجسم، حيث تم تقسيم الفئران إلى قسمين، الأول تم تعريضها إلى معدلات كبيرة من تلوث الهواء لفترة زمنية وصلت إلى 9 أسابيع، والمجموعة الثانية من الفئران تم وضعها في مكان مجهز بمعدات تنقية وتنظيف الهواء من كافة الملوثات، ومكثت نفس فترة المجموعة الأولى، وبعد انتهاء المدة قام الباحثون بفحص المجموعتين، وكانت النتيجة أن مجموعة الفئران التي تعرضت للهواء الملوث أصيبت بالتهاب في الرئة، وكذلك زيادة ملحوظة في الوزن بسبب خلل في عملية التمثيل الغذائي، وارتفع معدل الكوليسترول الضار بنسبة تخطت 55%، كما لوحظ زيادة نسبة الدهون الثلاثية إلى 50%، مما يزيد من فرص إصابة هذه الفئران بداء السكري من النوع الثاني، وكانت فحوص المجموعة الثانية من الفئران التي تنفست هواء نقياً طبيعية وبصحة جيدة ولم تحدث لها مشكلات أو أمراض، وتوصلت النتيجة النهائية لهذه الدراسة إلى أن التعرض المزمن لتنفس الهواء الملوث، يؤدي إلى حدوث أضرار جسيمة على بعض أعضاء الجسم، أولها الإصابة بالسمنة بصورة مضرة، ويرفع من عوامل تضرر القلب والأوعية الدموية.
إعاقة التفكير
كشفت نتائج دراسة حديثة أجريت في بريطانيا أن الهواء الملوث بالتدخين يسبب إعاقة عملية التفكير لدى الأشخاص الذين تخطوا عمر 64 سنة، وأجريت التجربة على 700 شخص مدخن ممن تجاوزا عمر 64 عاماً، وتوصلت النتائج إلى أن تنفس هواء التدخين باستمرار لدى فئة كبار السن يزيد مشكلة عجز التفكير وضعف قدرات التفكير بدرجة كبيرة تصل إلى حد الإعاقة التفكيرية، ووجد الباحثون أن عدد 5 أشخاص من كل 75 شخصاً ممن أجريت عليهم التجربة، أصيبوا بتراجع القدرات العقلية بشكل كبير، كما أثبتت دراسة سابقة أن التدخين يؤدي إلى تصلب الشرايين، وبالتالي منع إمدادات الدم من الوصول إلى جميع أجزاء الجسم ومنها الدماغ، مما يعطل جزءاً كبيراً من القدرات الذهنية ويعوق المخ عن أداء وظائفه الطبيعية، وفي دراسة أخرى توصلت نتائجها إلى أن ذكاء ملايين الأشخاص يتعرض للتدهور ويصابون بالغباء، نتيجة التلوث بمواد كيماوية مثل الرصاص ومواد أخرى كثيرة إضافة إلى التعرض للإشعاعات، وأرجعت الدراسة أن قلة الحديد في جسم الأطفال يسبب تنفساً أكثر لمادة الرصاص، وتوصلت دراسة روسية إلى أن 92% من الأطفال الذين يقطنون قرية روسية أصيبوا بتخلف عقلي بسبب تعرضهم لتنفس هواء ملوث بإشعاعات مواد اليورانيوم الموجودة في منجم قريب للغاية من هذه القرية، كما كشفت دراسة سابقة وجود نسبة عالية من الرصاص في دم الكثير الأطفال عند إجراء التحليل والفحوص، نتيجة انتشار عنصر الرصاص في الجو بصورة كبيرة، لدرجة وجود نسبة 10% من الأطفال في بريطانيا لديهم معدلات عالية من عنصر الرصاص في الدم، مما يؤشر لانخفاض معدلات الذكاء بصورة ملحوظة لدى هذه النسبة في المستقبل القريب، كما يوجد ملايين من البشر يعانون من نقص الحديد في الجسم، بسبب تلوث التربة وضياع المواد الرئيسية منها، وخاصة في بعض المحاصيل التي يعتمدون عليها في الحصول على الحديد، نتيجة حجم التلوث الضخم الذي أصاب الهواء وانتقل إلى الأمطار والتربة ومنه إلى الأشخاص، مما أدى إلى وجود منظمة متكاملة من الملوثات يتعرض لها الشخص يومياً، وتؤثر فى كل أجهزة الجسم وفى القدرات العقلية.

ملايين الضحايا

كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في علم الأعصاب من الدنمارك وجود أكثر من 215 نوعاً من المركبات والمواد الكيماوية في الدم الذي يغذي الجنين، والذي يوجد داخل في الحبل السري، وذلك بعد تعرض الأم الحامل للهواء الملوث بمختلف أنواعه، مما يؤثر في نمو الجنين ويسبب له اضطربات سلوكية بعد الولادة، وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى وفاة نحو 8 ملايين شخص، بسبب أمراض ومشاكل صحية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بظاهرة تلوث الهواء، ويسبب التلوث وفاة أكثر من 25% من إجمالي وفيات الأطفال حول العالم الأقل من عمر 5 سنوات، نتيجة تلوث الهواء، سواء في أماكن عامة، أو مغلقة بالأدخنة الصادرة عن عوادم السيارات والمصانع والحرائق، والدخان المنبعث من الوقود الصلب، مثل الفحم والأخشاب، إضافة إلى تأثير التدخين غير المباشر، وكذلك تلوث البيئة من صرف صحي وغيرها، حيث تمثل نسبة الوفيات بسبب التلوث نحو 13% من إجمالي الوفيات حول العالم، وأن ما يقرب من 55% من وفيات الأطفال الأقل من 5 سنوات يكون بسبب التهاب رئوي حاد ناتج عن تنفس الهواء المحمل بجسيمات التلوث الصغيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"