أفغانستان.. حرب بلا نهاية

04:15 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. رضا محمد هلال*


ساعات قليلة فصلت بين إعلان المبعوث الأمريكي لأفغانستان، زلمان خليل زاده، التوصل إلى اتفاق نهائي وجاهز لتوقيع الرئيس ترامب عليه بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، بعد تسع جولات من الحوار والتفاوض السري بينهما في قطر، يتم بمقتضاه عودة قرابة خمسة آلاف جندي أمريكي للولايات المتحدة، وبين قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفض الاتفاق، وإنهاء التفاوض مع حركة طالبان. غير أن المدقق والمتابع لمجريات وتطورات الأحداث في الساحة الأفغانية وتطورات ومتغيرات الإدارة الأمريكية، يمكنه التوصل إلى توقع مبكر بصعوبة أو استحالة إغلاق ملف الوجود العسكري باتفاق «هزيل» بين حركة طالبان وإدارة ترامب.
يبدو أن الرغبة في التجديد والخروج من مناطق الخطر بأقل خسائر ممكنة من أولى ركائز التفكير السياسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي مازالت وعوده الانتخابية التي قدمها لأسر وعائلات الجنود والعسكريين الأمريكيين في مناطق الصراع المسلح والحروب، إبان حملته الانتخابية في عام 2016 ماثلة في ذاكرة الناخب الأمريكي ووسائل إعلامه المرئية والمسموعة والمقروءة، وتطالبه بتنفيذ وعوده قبل انتهاء فترة حكمه الأولى، وبدء التفكير في التصويت في الانتخابات الرئاسية 2020؛ لذا أعلن ترامب في فبراير 2019 في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، عن رغبته في سرعة التوصل إلى اتفاق مع حركة طالبان يسمح بعودة الجنود الأمريكيين إلى ديارهم قبل إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية. ووجه ترامب المفاوض الأمريكي زلمان خليل زاده، بتسريع عملية التفاوض مع حركة طالبان في قطر وتقديم كافة الضمانات التي تطلبها الحركة والتي جاء في مقدمتها رفض مشاركة الحكومة الأفغانية في هذه المفاوضات، والتزام الإدارة الأمريكية بسحب قواتها العسكرية وفرق الدعم الجوي والمعلوماتي من القواعد العسكرية في أفغانستان، وعدم التدخل مستقبلاً في الشأن الأفغاني، ووقف شحناتها من الأسلحة لقوات الحكومة الأفغانية ومنظمات العنف والإرهاب، وفي مقدمتها تنظيم «داعش» الذي سهلت الإدارة الأمريكية انتقال أفراده ومعداته من العراق وسوريا إلى أفغانستان، كما يتضمن قيام الولايات المتحدة بسحب نحو خمسة آلاف جندي (يصل إجمالي القوات الأمريكية في أفغانستان إلى حوالي 14 ألف جندي يوجدون في خمس قواعد عسكرية) خلال 135 يوماً تبدأ من يوم التوقيع على الاتفاق، على أن تلتزم حركة طالبان مقابل سحب الجنود الأمريكيين بألاّ تكون أفغانستان قاعدة لجماعات متطرفة تستهدف الولايات المتحدة أو حلفاءها.

الأمن الأمريكي

جاءت الإشارة الأمريكية الأولى بعدم الرضى عن الاتفاق المزمع التوقيع عليه من جانب وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، الذي نوّه في 4 سبتمبر 2019، بأن «السبب الرئيسي لذهابنا لأفغانستان في عام 2001 هو ألا تكون أفغانستان ملاذاً للإرهابيين، وعلى الرغم من رؤيتنا بأن الاتفاق السياسي هو الحل الأمثل في أفغانستان، فإن هذا لا يعني أننا سنقبل بأي اتفاق. يجب أن يكون الاتفاق ضامناً لأمن بلادنا في المستقبل». وهو ما يعني عدم كفاية ما جاء في الاتفاق لتحقيق الأمن الأمريكي والأفغاني في الوقت الراهن وفي المستقبل.
أما الإشارة الثانية والمتتابعة مع سابقتها فتتمثل في تحذير المجلس الأطلنطي للبحوث أحد أهم بيوت الخبرة ومستودعات الفكر الاستراتيجي الأمريكي وتعتمد وزارتا الخارجية والدفاع، والبيت الأبيض والكونجرس على دراساته وبحوثه دونالد ترامب من أن يؤدي قراره بالموافقة على الاتفاق مع طالبان إلى تزايد احتمال سقوط أفغانستان في براثن «حرب أهلية شاملة»، وانسحاب القوات الأمريكية قبل أن تتوصل الحكومة الأفغانية وحركة «طالبان» إلى تسوية سلمية شاملة. وطالب معدو تقرير المجلس وهم تسعة دبلوماسيين سابقين من بينهم خمسة سفراء أمريكيين سابقين في أفغانستان، والمبعوث السابق الخاص لأفغانستان، ونائب سابق لوزير الخارجية الأمريكي الحالي الرئيس ترامب بعدم المضي في تنفيذ الانسحاب الأمريكي المبدئي طالما اعتقدت طالبان أن بإمكانها تحقيق النصر العسكري، علاوة على أن نشوب حرب أهلية جديدة في أفغانستان قد تكون كارثية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، لأنها ستشهد على الأرجح استمرار التحالف بين «طالبان» و«القاعدة»، وستسمح للفرع المحلي لتنظيم «داعش» بتوسيع نفوذه في أفغانستان ومنطقتي آسيا الوسطى وجنوب آسيا.
أما التحدي الخارجي فقد جاء من الحكومة الأفغانية التي اكتفى المبعوث الأمريكي زلمان زاده، بمقابلة رئيسها في 3 سبتمبر 2019، وعرض ملامح الاتفاق الأمريكي مع حركة طالبان عليه، وهو ما جعل الرئاسة الأفغانية بعدها تُعرب عن شعورها بالقلق من تداعيات الاتفاق، على الرغم من إعلانها المتكرر عن دعمها لأية تطورات في مجال عملية السلام تؤدي إلى إحلال السلام المستدام وتنهي الصراع في أفغانستان، لكن مصدر القلق الأساسي للحكومة الأفغانية هو ما يتصل بالاتفاقية بين الولايات المتحدة وطالبان، وكيفية مواجهة التداعيات والأخطار المنبثقة عنها.

ورطة ترامب

استشعر دونالد ترامب خطورة وفداحة المضي قدماً في التوقيع على الاتفاق مع ممثلين لحركة طالبان في كامب ديفيد يوم 8 سبتمبر 2019؛ لذا قرر إلغاء الاتفاق ووقف المفاوضات مع حركة طالبان واستند في قراره إلى قيام حركة طالبان بتبني تدبير وتنفيذ هجوم بسيارة مفخخة في منطقة «شاش درك» المعروفة ب«القرية الخضراء» والتي يرتادها أجانب في مدينة كابول في 1 سبتمبر 2019، مما أدى إلى مقتل 16 فرداً من بينهم 12 أمريكياً وأجنبياً، وإصابة 119 فرداً آخرين بينهم 78 أمريكياً، علاوة على إنقاذ وإجلاء 400 أمريكي وأجنبي آخرين كانوا داخل المجمع.
وعلى الرغم من إعلان حركة طالبان مسؤوليتها عن تدبير الهجوم في 4 سبتمبر 2019؛ فإن رد فعل ترامب الخاص بإلغاء الاتفاق ووقف المفاوضات مع طالبان، تم في نهاية يوم 7 سبتمبر 2019، مما يشير إلى احتمال إحساس ترامب ب«الغبن والخسارة» في حال توقيع الاتفاق، وهذا يدعمه تصريح ترامب برغبته في التوصل إلى اتفاق «جيد» مع طالبان التي ارتكبت أعمالاً «وحشية» يصعب التغاضي عنها، أو عقاب طالبان عليها.
إن قرار ترامب بإلغاء الاتفاق ووقف التفاوض مع حركة طالبان، يشير إلى رغبته في التوصل إلى اتفاق جديد يرضي الحكومة الأفغانية ومسؤولي حكومته، علاوة على تحقيقه للأمن القومي الأمريكي المفقود حتى الآن في المستنقع الأفغاني.

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"