بائع القهوة تراث يعبر يومياً

قرقعة أدواته وسيلته الدعائية
01:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
بيروت - رولا حميد:
يشكل بائع القهوة بالمصبات معلماً تراثياً لا تزال شوارع المدن اللبنانية معتادة عليه، كما لا يزال سكانها بانتظار عبوره اليومي ليبتاعوا منه فنجان قهوتهم، منهم من يقيم الدواوين على فنجان منه، ومنهم من يعتمد عليه كقهوة صباحية في المكاتب والشوارع .
يحمل بائع القهوة مصباته ويفترض أن تكون مصبين، واحد للقهوة المرة السادة، والثاني للحلوة الزائدة، فيقدم للزبون مبتغاه بحسب المصب، أما الزبون الذي يحب القهوة الوسط، فيخلط له من المصبين بمقادير حسب الطلب .
يجوب بائع القهوة الشوارع، وبيده فنجانا قهوة يحركهما بأصبعيه الخنصر والبنصر . فيقرقعان، وتمخر أصوات القرقعة عباب ضجيج الشوارع، وصخبها، محافظة على تمايزها، مما يؤمن للزبائن حسن التقاط البائع للحصول على فنجان القهوة .
يتحدث طلال عن عمله ويقول: "نبدأ عملنا مساء، نعد قسماً من القهوة ونضيف إليها من بقايا قهوة الأمس، نتركها تتخمر طوال الليل لتعطي طعماً مميزاً، ثم نضيف إليها قهوة طازجة قبل الانطلاق إلى السوق"، يضيف: "أصب القهوة في المصب، ثم أضيف الجمر إلى المصب في فتحة تبدأ من أعلاه، وتنتهي بأسفله، ومن الفتحة التي تشبه القناة العمودية، يتم تسخين القهوة بالجمر"، ومع مرور الوقت وخلال تجواله، يتآكل الجمر، فيضطر البائع للتوقف في زاوية من زوايا الشارع، ينفض غبار الرماد المتبقي عبر ثقوب في أسفل المصب .
كان الباعة يعتمدون على فناجين البورسلان، ويخصصون فنجانين منها للقرقعة، بينما اعتمد بعضهم على فناجين معدنية صنعت خصيصاً لذلك حفاظاً على فناجين البورسلان من التكسر، وبغية الحصول على أصوات تصل لمسافات أبعد، لكن كثيرين من الباعة يعتمدون اليوم على فناجين البلاستيك، ومنهم من يعتمد على فناجين من الكرتون بناء على طلب المحافظين على البيئة .
يعلق طلال على ذلك بقوله: "وفر اعتماد فناجين البلاستيك الحمل عليّ، كنت أضطر في فترة اعتمادي على البورسلان إلى لبس مريول ذي جيوب أضع فيها الفناجين، أو حمل وعاء خاص بالفناجين فيزيد الحمل مستوعباً ثالثاً يضاف إلى المصبين، إضافة إلى اضطراري لحمل مصب للماء عند اعتمادي على البورسلان بهدف غسل الفنجان بعد استخدامه، وباستخدام هذه الفناجين، تزداد حمولتي، ويصبح علي حمل أربعة مستوعبات، الصبابين، وصباب المياه للغسل، والوعاء الحافظ للفناجين، لكن الاعتماد على فناجين البلاستيك وفر علينا الحمولة، حيث يأخذ الزبون قهوته بفنجانه، ويتخلص منه بعد الانتهاء" .
يتمايز الباعة بنوعية القهوة التي يصنعونها، ولكل منهم منطقه في الدفاع عن أسلوبه، فطلال يقول إنه من المفضل أن يكون الفنجان خفيفاً أي كمية القهوة قليلة بالنسبة إلى حجم المصب "لأن ذلك أفضل للصحة، ويخفف الأذى عن المعدة، وبذلك يستطيع الزبون أن يتناول عدة فناجين في اليوم الواحد" .
لكن أنس الذي يبيع قهوته على بسطة تتحرك بالدواليب، يعاكس طلال، ويقول إن "قهوتي ثقيلة ودسمة، ومصنوعة على الطريقة العربية حيث تطهى القهوة على الجمر بمنقل نحاس، ولذلك، يقصدني كثيرون من محبي هذا النوع ويأتون إليّ من مناطق مختلفة" .
ويتحدث طلال عن البيع، فيقول إنه "مقبول، والمردود معقول رغم أنه لا يزيد على 15 - 20 ألف ليرة يومياً، وهو مبلغ أفضل من لا شيء، ويتدخل بائع آخر، مقلع عن الحرفة، ليوضح أنه تركها لأن "مردودها قليل" .
مؤخراً، بدأ كثيرون يعملون ببيع القهوة لكن بأشكال مختلفة، منهم على الدراجة النارية، ومنهم على بسطات في الشوارع، وآخرون أقاموا لها الأكشاك، فاصطفت في صفوف طويلة على شاطئ البحر، وحيث يسعى كل بائع للاحتفاظ بزبائنه الذين يقصدونه من مختلف الأماكن، ويعتمد ذلك على العلاقات العامة للبائع، أو على حسن معاملته .
أما مصدر القهوة، ومن أين يؤتى بها، فيوضحها حسين ذوق خبير في الادارة الفندقية قائلاً: "منبت البن أو ما يعرف بالقهوة الشعبية، هو بلاد اليمن، وعرفت بالبن العدني، حبته خضراء داكنة أكثر من بقية الأصناف، ومن اليمن انتشرت القهوة، وعرفت في بلاد العالم، ولم يكن يعرف إلا نوعاً واحداً من هذا الشجر، والبن يختلف عن اليوم، فهذا البن دخل إلى البرازيل، ثم أمريكا، وأصبح عندنا أصناف عدة من البن البرازيلي والكولومبي وسواه .
يصنع المصب في سوق النحاسين التقليدي في طرابلس، ولم يبق منها إلاّ ثلاثة، ومحلان آخران في بلدة القلمون القريبة، هناك، أقام محمد عبدالعزيز عزو محله للنحاسيات، يشرح صناعة المصب، وبداية عارضاً أنواعه: "هذا مصب عربي عادي تغلى فيه القهوة على المنقل والجمر، وهذا مصب كبير لمحال البيع، ويعمل "بحنفية" تصب القهوة منها، وهذان مصبان توأمان، وتوأمتهما شرط لوظيفتهما، وتصب القهوة من فتحتهما" .
"مصب الباعة الجوالين قسمان"، يقول عزو، متابعاً: "في وسطه من أعلى إلى أسفل، قناة حديد يوضع فيها الجمر، وحول القناة يركز المستوعب الذي يحتوي على القهوة، وبينما يظهر جانب المستوعب من الخارج، فإن قناة الجمر لا تظهر، وتغطى بغطاء نحاسي، وفي أسفل المصب فتحات صغيرة كفتحات الغربال، لها وظيفتان، واحدة لتأمين الهواء لاستمرار اشتعال الجمر، والثانية لتنظيف بقايا الجمر من الرماد، أما قناة الجمر، فيفضل أن تكون سميكة لكي تسخن القهوة ببطء من أجل مذاق أطيب" .
ويوضح عزو أن "أغلبية مصبات الباعة تصنع من النحاس المطلي بالنيكل، وبذلك تعطي لمعاناً جميلاً، وتحفظ من الصدأ، ويمكن نقشها بالأشكال المرغوبة من الزبائن"، وللمصبات أحجام مختلفة، منها الصغير، ومنها المتوسط والكبير، وبناء على الحجم يحدد السعر، لكن أصغر مصب للباعة الجوالين يصنع بما لا يقل عن مئة دولار .
من قهوة المصبات والقرقعة التقليدية، إلى الباعة المتنقلين على الدراجات النارية، إلى العربات المرتكزة على دواليب، الأكشاك المختلفة الأشكال والتقنيات، مجتمع حافل بالقهوة، والفناجين، والدواوين في حركة تنتج فولكلورها الجديد .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"