الشلل الرباعي نتيجة لإصابة الحبل الشوكي

00:36 صباحا
قراءة 6 دقائق
يحدث الشلل الرباعي في الأطراف الأربعة، نتيجة حدوث ضرر أصاب الحبل أو النخاع الشوكي العنقي، أو بسبب إصابة في الدماغ، أو الأعصاب التي تحيط بالحبل الشوكي العنقي، وهو الموجود داخل قناة في فقرات العمود الفقري.
ويربط الحبل الشوكي بين الدماغ وبين أغلب أعضاء الجسم، وذلك من خلال ألياف عصبية، وفي حالة حدوث أي ضرر في هذا الحبل يؤدي إلى مشاكل خطيرة، تتمثل في حدوث مضاعفات طبية واضطرابات وظيفية، ربما تصل إلى الموت.
وتظهر المضاعفات على كل الأجهزة التي تتصل بالحبل الشوكي، وتؤثر في الأنشطة اليومية للمصاب مثل الأكل والملبس والاستحمام، ويمكن أن تصل إلى فقد السيطرة على عملية الإخراج.
ونتناول في هذا الموضوع مرض الشلل الرباعي والأسباب والعوامل التي تؤدي إلى الإصابة به، والأعراض التي تظهر وكذلك طرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج التقليدية والحديثة.

عجز جزئي وكلي

يؤدي الشلل الرباعي إلى حالة من العجز الجزئي أو الكلي للأطراف والجذع، ويشبه الشلل النصفي أو السفلي، غير أنه مختلف عنه في أن النصفي لا يؤثر في الذراعين.
ويفقد المصاب بالشلل الرباعي الإحساس والمقدرة على التحكم في الحركة، ويؤثر العامل المسبب له ومدى الاستجابة للعلاج في نوعية الضرر الذي يعاني منه المصاب، ومدى استمراره، وعامة فإن هناك ضرراً يقع على المصاب منذ بداية الإصابة أياً كان نوع السبب.
يتم تشخيص مضاعفات المرض والاضطرابات الوظيفية في أقسام الطب التأهيلي المتخصصة في علاج مصابي الحبل الشوكي، وتمنح التوجهات العلاجية والاجتماعية مصابي الشلل الرباعي مساحة واسعة من الاستقلال في اتخاذ القرار وحرية اختيار الأنشطة.

الرخو والتشنجي

ويوجد نوعان من الشلل الرباعي، الأول الشلل الرباعي الرخو والذي يتسم برخاوة في الأطراف الأربعة، مع غياب المنعكسات الوترية، ونقص في المقوية العضلية، أما النوع الثاني هو الشلل الرباعي التشنجي، مع فرط مقوية عضلية، واشتداد في المنعكسات الوترية في الأطراف الأربعة.
ويمكن أن يكون الشلل الرباعي تاماً، وذلك عندما يكون هناك غياب للوظائف الحسية والحركية للأطراف الأربعة، ويعتمد المريض في هذه الحالة على الأشخاص المحيطين به بصورة كلية، ويمكن أن يكون جزئياً، حيث يحتفظ المريض ببعض الوظائف.

مفاهيم خاطئة

يوجد عدد من المفاهيم الخاطئة والتي تشيع بين الكثيرين حول الشلل الرباعي، ومنها أنه لا يمكن للمصاب تحريك ساقيه أو ذراعيه، وكذلك عدم القدرة على القيام بأي من الوظائف الأساسية، غير أن الواقع مختلف عن هذا الأمر.
ويمكن لبعض المصابين بالشلل الرباعي المشي واستعمال اليدين، ويمكن للبعض الآخر استخدام الكراسي المتحركة، ولكنهم لا يستطيعون تحريك الذراعين، ويمكنهم تحريك الأصابع بصورة خفيفة.
ويتفاوت الأمر بحسب الإصابة التي تعرض لها النخاع الشوكي، ولذلك يمكن للمصاب أن يحرك أطرافه، مثل تحريك الذراعين، ولكن لا يمكنه تحريك اليدين.
ويستخدم أصابعه لكن ليس بنفس الدقة قبل الإصابة، ويمكن أن تتفاوت نسبة العجز بين جانبي الجسم، فربما يتأثر الجانب الأيسر أكثر من الأيمن والعكس صحيح، وكل ذلك بحسب مكان الإصابة بالنخاع الشوكي.

إصابة النخاع الشوكي

يعتبر السبب الأساسي في الإصابة بالشلل الرباعي هو إصابة النخاع الشوكي، وبالتحديد من الفقرة الأولى إلى الفقرة السابعة، حيث يمكن أن تتعرض الفقرات للكسر أو تتحرك من مكانها، ولا تتسبب في هذه الحالة المرضية، وعلى سبيل المثال إذا أصيب أحد الأشخاص بكسر في الرقبة دون أن يتعرض الحبل الشوكي للإصابة فلن يصاب بالشلل الرباعي.
وتؤدي الإصابة إلى فقدان وظائف الأطراف الأربعة، اليدين والقدمين بصورة جزئية أو كلية، وتؤثر إصابة الفقرات من الأولى إلى الرابعة في العادة على حركة الذراع، أكثر من تأثير إصابة الفقرات من الخامسة إلى السابعة، وعامة تتأثر حركة ووظيفة الأصابع في كل المصابين بالشلل الرباعي.
وتؤدي لهذه الأضرار الصدمات القوية مثل حوادث السيارات أو الاصطدام بجسم صلب أو الإصابات الرياضية، وكذلك بعض الأمراض مثل شلل الأطفال أو التصلب المتعدد أو التهاب النخاع المستعرض، وكذلك الاضطرابات الخلقية مثل الحثل العضلي.

شدة الشلل

ترتبط شدة الشلل بمستوى الإصابة في النخاع، ومدى امتدادها، فعندما تكون الإصابة في الفقرة العنقية الأولى، وهي أعلى فقرة عنقية عند قاعدة الجمجمة، فربما تتعطل الوظائف لدى المصاب بداية من الرقبة وحتى أسفل الجسم، وربما يعتمد المصاب في هذه الحالة على تنفس صناعي.
ويمكن أن تتعطل وظائف الأعضاء بداية من الصدر ونزولاً إلى الأسفل في حالة كانت الإصابة في الفقرة السابعة.
ويؤدي انقطاع النخاع الشوكي بصورة كاملة إلى تعطل كامل للوظائف، والانقطاع الجزئي أو إصابة النخاع الشوكي بكدمات يؤدي إلى تفاوت درجات من الشلل واضطراب الوظائف واختلاطها.

خلل وضعف الأطراف

يعتبر وجود خلل وضعف في الأطراف هو العرض الأساسي للإصابة بالشلل الرباعي، غير أنه يحدث أيضاً ضعف في فعالية جذع الجسم، وهو ما يمكن أن يعني ضعفاً أو فقداناً للسيطرة على الوظائف اللاإرادية، مثل الهضم وحركة الأمعاء والمثانة.
ويمكن أن يظهر في صورة شعور بالتخدير، أو ضعف في الإحساس، أو ألم بسبب التهاب الاعتلال العصبي.
ويؤدي عدم استطاعة المصابين بالشلل الرباعي على الحركة إلى كثرة تعرضهم للإصابة بالتقرحات وهشاشة العظام والكسور وتصلب الشرايين، بالإضافة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية وجلطات عميقة في الأوردة.
ويمكن أن تؤدي المضاعفات في الجهاز التنفسي إلى قصور في الجهاز التنفسي وفشل كلوي والتهابات حادة، وكل هذه مسببات رئيسية للوفاة.

تدابير علاجية

يشمل علاج الشلل الرباعي عدة خطوات، تبدأ بالأدوية وبعض الوسائل الفيزيائية والتربوية، بالإضافة إلى المعدات المساعدة، سواء التقليدية أو الحديثة.
وتتضمن تدابير العلاج تفعيل القوة اليدوية، وأجهزة للزفير والسعال، وأدوية توسيع القصبات الهوائية ومعالجة الالتهابات الجرثومية، وتهدف هذه الخطوة إلى علاج الاضطراب التنفسي والذي يرتبط بشلل عضلات البطن، ومن النادر اللجوء للتنفس الصناعي.
ويجب تغيير وضعية الجسم بشكل دائم، كنوع من الوقاية من قرح الفراش، وكذلك النوم على أنواع خاصة من الفراش، وفي بعض الأحيان الاستعانة بأنواع معينة من الأدوية أو اللجوء للتدخل الجراحي.
وبدأ مؤخراً العلاج من خلال زرع أجهزة صغيرة في الجسم، ودور هذه الأجهزة أن تحقن بشكل تلقائي الأدوية المضادة للتشنجات مباشرة في السائل المحيط بالنخاع الشوكي، بالإضافة إلى تنشيط عضلات التنفس والأطراف من خلال المحفزات الكهربائية.
وتساعد العلاجات النفسية وملاءمة البيئة المصاب على التكيف مع نمط الحياة المفروض عليه، ويحقق له نوعية حياة جيدة بالرغم من إصابته.

العلاج الفيزيائي

يبدأ علاج الشلل الرباعي الفيزيائي بتقييم حالة المريض، حيث يقوم الأخصائي بتقييم الحالة بشكل عام، ثم تقييم قوة العضلات المصابة والسليمة، وتقييم الحالة الصحية العامة، ومدى إدراك المريض ووعيه وتعاونه ورغبته في الشفاء، وكل هذا بهدف تحديد مقدار التحسن الذي يتوقعه، وكذلك الفترة الزمنية اللازمة لذلك.
ويتم استخدام جهاز التنبيه الكهربائي، وهو ينشط العضلات، كما يعمل على إعادة تهيئتها للحركة وتقويتها، ويقلل العلاج اليدوي من الشدة العصبية، كما أنه يمكن المريض من الاستفادة من تمرينات تقوية العضلات.
ويمنع تحريك المفاصل بالمدى الحركي الطبيعي من التيبّس، وبخاصة مفصل الكتف، ويمكن عمل تمرينات علاجية لتقوية وتنشيط العضلات، وحتى تستعيد قوتها، وكذلك تمرينات للاتزان والتوافق العضلي العصبي، وذلك بحسب حالة المريض.
ويمكن كذلك تدريب المريض على الوقوف والمشي بشكل متزن، وذلك أيضاً بحسب استطاعة المريض.
ويجب تأهيل مرافقي المريض بطبيعة الحالة، وكيفية التعامل الحركي مع مريض الشلل الرباعي، وتصحيح أوضاع المفاصل والعضلات أثناء فترات الراحة والنوم، وذلك لتحقيق أقصى استفادة ومنع حدوث المضاعفات، مع ملاحظة أي تغييرات صحية يمكن أن تستدعي زيارة الطبيب.

أمل جديد

حذرت دراسة حديثة من خطورة العادات الشعبية التي يقوم بها الكثير من الأشخاص، والتي تتضمن طقطقة الرقبة والظهر، حيث يمكن أن تتسبب بمخاطر عديدة على رأسها الإصابة بالشلل الرباعي.
ويعتمد أسلوب طقطقة الرقبة كإحدى ممارسات المعالجين الشعبيين بربط قدمي المريض بموقع ثابت، وجذب الرقبة إلى أعلى أو أسفل.
وتعتبر عملية تحريك الفقرات خطرة للغاية، حيث تؤدي أي حركة غير طبيعية أو خاطئة أو ضغط شديد في منطقة الرقبة إلى تمزق أحد الأوعية الدموية، أو إحدى العضلات، أو حتى كسر في الفقرات العنقية.
وتؤدي بعض هذه الممارسات إلى شلل بالأطراف العلوية، مع مضاعفات أخرى مثل آلام في الرقبة والرأس، وفقدان التوازن والصداع، وخدر في اليدين وضبابية الرؤية.
ونجح فريق من الباحثين في إجراء جراحة جديدة قاموا فيها بإعادة توصيل بعض الأعصاب الطرفية القريبة من مكان الإصابة بالأعصاب المصابة بالشلل، واستعاد المرضى الذين مر على إصابتهم سنوات عديدة بعض حركات اليد والذراع، حيث يقوم المخ بإعادة إرسال الإشارات العصبية إلى العضلات من أجل القيام ببعض الوظائف المهمة مثل الأكل.
ويحتاج المريض حوالي 18 شهراً حتى يسترجع أغلب وظائف الأطراف، ويمكنه تحريكها، وهي الفترة التي يحتاج إليها المخ للتعرف على إشارات العصب الجديد، ويخضع المريض خلال هذه الفترة لعلاج طبيعي مكثف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"