حمد بو شهاب شاعر الكلاسيكية

كشاكيل ملونة
04:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم:عبدالغفار حسين

مرت ثلاثة أعوام تقريباً على غياب المغفور له حمد بو شهاب عن الساحة الأدبية في الإمارات، ومازال غيابه هذا يترك فراغاً لم يملأه شاعر وأديب في حجم بو شهاب الذي كان له حضور صاخب ولافت في الحياة الثقافية الإماراتية، كما كان
بو شهاب رحمه الله شخصية اجتماعية، له مجلس يرتاده محبّوه ومتذوّقو شعره، ويغشى هو مجالس علية القوم مكرّاً مفرّاً في حلبة الأحاديث السياسية والثقافية، وفي كثير من الأحيان كان هو فارس الميدان لا يُشق له غبار، ولا يسمح لغيره بالدخول في حلبة سباقه، خاصة أولئك الذين يلمس منهم اعتراضاً على رأي أو شعر يأتي به..
ولم أكن شخصياً ممن يستسيغون كثيراً أدب بو شهاب وشعره، لإغراقهما في الكلاسيكية التقليدية، واعتقادي بأن هذا اللون من الأدب والشعر لم يتطور ولم يأخذ بشيء من الحداثة في المبنى والمعنى، ودخلت وإياه في سجال أدبي كثير عندما كنت ألتقي به، ولكن هذا السجال رغم حدّته أحياناً لم يخرج من دائرة التوقير والاحترام المتبادل، وكنت أول من كتب عن بو شهاب في مجلة المجمع الثقافي، ولعلي أول إماراتي أكتب تراجم عن رجال الإمارات وأدبائها أو يبدأ في الكتابة عنهم.
كان بو شهاب من شعراء الطبقة الثانية بعد سالم العويس والعقيلي وصقر بن سلطان وخلفان مصبح وأحمد بن سليم، وكان يتميز بين طبقته بالحفظ الكثير والإلمام الكامل بالأدب المحلي وخاصة الشعر النبطي أو الشعبي الذي برع فيه هو أيضاً وقال الشعر بالفصحى والعامية.. وكان لبو شهاب اتجاه شعري خاص، يتمسك به ويفرضه على الساحة الشعرية حتى ولو كلفه ذلك خصومات وتصادمات أدبية وشعرية.. وكان بو شهاب من القليلين من أدباء العصر الحديث من العرب الذين يرفضون فكرة الحداثة في الشعر رفضاً تاماً لا مساومة فيه.. وكان يرى أن الشعر العربي الكلاسيكي في عصوره المختلفة وضع قواعد ومعاني وقوالب لغوية معينة لا ينبغي لأحد أن يخرج عليها، وكان يأخذ بهذا المبدأ ويصر عليه، وكان إصراره من الشدة بحيث يعتبر الخارج على هذا المبدأ كمن يخرج على إحدى القواعد المعتقدية الدينية الثابتة!.
وهنا جاء تميز حمد خليفة بو شهاب عن غيره من الشعراء في المنطقة الخليجية عامة، وفي الإمارات خاصة، وأصبح بو شهاب قاعدة للشعر التقليدي ذي الأغراض والمعاني واللغة الكلاسيكية المعروفة.. وكل من أراد أن يدرس الأدب الكلاسيكي الإماراتي، فعليه بمدرسة بو شهاب لأنه كان صاحب مدرسة بالفعل في هذا الاتجاه الأدبي.
التقى بو شهاب بنزار قباني الشاعر المشهور في مجلس سلطان العويس في دبي عندما جاء نزار يزور سلطان، وقال بو شهاب لقباني: إنك شاعر للمرأة فقط، وإن مضامين وأغراض شعرك ليست مفهومة، وتستعمل من الكلمات مالم يأتِ به الأولون.. لكن نزار لم يعر اهتماماً لما قاله بو شهاب، وسبّب بو شهاب رحمه الله إحراجاً لسلطان العويس..
ولا أعرف لماذا كان بو شهاب يحمل هذه العقيدة عن قباني، علماً بأن قباني أكثر الشعراء التزاماً بقواعد الشعر وقوافيه وتفعيلاته، وأكثرهم بساطة في استعمال اللغة غير المقعرة، ولكن هكذا كان بو شهاب، لا يقبل بغير لغة الأولين ولا بغرض شعري غير أغراض الأولين.
كتبت نقداً لشعر بو شهاب ضمه كتاب أصدره الأخ الباحث بلال البدور، واعتبر البعض أن نقدي قد علته رنة من الحدة، وكان هذا قبل وفاة بو شهاب رحمه الله بأسابيع قليلة.. وكنت قلقاً من أن يقابلني بو شهاب بسخونة وغضب، ولكنه لم يفعل، وكان هذا منه سماحة خلق أذكرها له، ومع ذلك أعتقد أن المنية لو أمهلت شاعرنا الكبير حمد بو شهاب لرد عليّ بقصيدة طويلة يسفّه فيها رأيي ولعلّه كان يتجاوز سفه الرأي هذا إلى أقوال وهجاء لم يقله مالك في الخمر.. رحمة الله على بو خليفة، فقد كان رحيله خسارة كبيرة للأدب والأدباء في الإمارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"