عادي
تفتيش الهواتف والحسابات يعرضهم للحبس أو الغرامة

أزواج «جواسيس»..أزمـــة ثقــة تصــل للقضــاء

02:47 صباحا
قراءة 14 دقيقة
جيهان شعيب

ما بين الثقة وحسن النية بين طرفي العلاقة الزوجية العائلية، والتعامل على أساسهما مع بعضهما، وبين الشك والغيرة؛ يحدث الجنوح بارتكاب تصرفات مرفوضة، هوة واسعة تأخذ بالحالة الأولى (الثقة وحسن النية) إلى الشعور بالهدوء والاطمئنان والاستقرار، وقد توقع الثانية (الشك والغيرة) في خانة القانون بالإدانة والعقاب، ومن هذا الجانب هناك قضايا دائمة الطرح؛ لكنها تستوجب الطرق الدائم لمواصلة مناقشتها وبحثها؛ لتداعياتها المسيئة، الهادمة للبيوت، الآتية بالخراب، ومن الحديث النظري نصل للمقصود.
تفتيش الزوجات والأزواج هواتف بعضهما، واطلاع أحدهما خفية على حسابات الآخر على مواقع التواصل، والتلصص على التحركات، والتتبع، جميعها تعد أفعالاً تتوحد في لفظة التجسس، الذي أوجب له القانون عقاباً إما بالحبس أو الغرامة، وهنا المشكلة، فوراء ذلك أزمة ثقة في المقام الأول بين الزوجين، تأخذ بالطرف المتشكك في شريكه إلى التجسس عليه، وقد ينكشف الأمر، فيبدأ التطاحن، والتنازع، إلى حد تصاعد الخلاف في بعض الحالات إلى الادعاء على بعضهما أمام القضاء، والنتيجة تمزق الترابط، وتفكك التماسك، وانهيار البيت الزوجي، وتشتت الأبناء، وتعرض الطرف المدان إما للحبس، وإما للغرامة، وبالطبع يقع الطلاق كتحصيل حاصل، ونتيجة حتمية.
دعاوى تجسس الزوجة على هاتف وحساب ومتعلقات زوجها والعكس، وأخرى كيدية في هذا الصدد، ترويها وقائع مختلفة من سجلات المحاكم، ومن ملفات مكاتب المحاماة، ومعها تبدأ جولتنا في بحث هذه القضية المجتمعية القديمة المستجدة، والمتجددة، طالما الوسائل التكنولوجيا الحديثة في تطور، وطالما ازداد مقابلها تضاءل حجم ثقة الزوجة في شريكها والعكس.
أراد زوج عربي الجنسية، ولديه أبناء، الزواج مرة ثانية، من دون علم زوجته، مع نيته التخلص من زوجته الأولى، فعمد إلى استخدام هاتف خاص بها كانت تحتفظ به في منزلهما ويستخدمه أبناؤهما، وأرسل من خلاله صورة لها بملابس غير لائقة إلى صديق له كانت علاقته به سيئة؛ للإيقاع بها وبصديقه، وعند وصول الصورة إلى الطرف الآخر، أعرب عن استغرابه بإرسال علامة استفهام للزوجة، وعلى إثر ذلك قام الزوج بتقديم شكوى على زوجته؛ بحجة تواصلها مع أشخاص لا تربطها بهم علاقة شرعية، وإرسال صورها لهم، ولكن بعد عدة جلسات من المحاكمة، قضت المحكمة ببراءة الزوجة؛ لعدم ثبوت الأدلة، وانكشاف كيدية تصرف الزوج، والذي كان يهدف إلى الإيقاع بها؛ تهرباً من سداد نفقاتها والأبناء.

تصوير المحادثات

في إحدى الحالات توصل زوج عن طريق هاتف زوجته إلى رقم صديقتها المقربة، فتواصل معها؛ لمعرفة تحركات زوجته، وعلم منها أنها تخونه مع شخص آخر، فبدأ الزوج بملاحقتها، وكان يستغل انشغالها، أو وضعها الهاتف جانباً، ليأخذه ويطلع على محادثاتها، وبالفعل اكتشف وجود علاقة بينها وبين شخص آخر، فقام بتصوير المحادثة التي تجمع بين زوجته وصديقها، وتحولت الحياة بينهما إلى جحيم، وأبلغ عنها الشرطة مرفقاً صورها مع صديقها التي اطلع عليها، وصدر ضدها حكم جزائي بالغرامة؛ ولأنهما لم يرزقا بأطفال، كان يفكر مراراً في كيفية الحصول على تعويض من زوجته على إضرارها نفسياً به، بأن تعيد له ما دفعه من مهر، ومصاريف الزواج، والغريب أنه طلب منها الرجوع له بشرط أن تدفع 200 ألف درهم، أو أن تخلع نفسها مقابل مبلغ مالي يرضيه، وتم الحكم بتطليق الزوج من زوجته من دون أن تدفع له أي شيء؛ لعدم وجود أبناء لهما؛ لكي يسقط عنها الحضانة، وطالما لا ترغب الزوجة بالعيش معه فمن حقها أن تطلب الطلاق منه.

مراقبة متواصلة

وذكرت إحداهن أنها تراقب حساب «الفيسبوك» والإيميلات التي تعود لزوجها على مدار الساعة، فيما في البداية كانت تراقبها بواقع مرتين إلى ثلاث مرات حتى تطمئن، ولم تحاول أبداً التوقف؛ لإدراكها أنها غير قادرة على ذلك؛ حيث أدمنت التجسس عليه مثلما لو كانت أدمنت تعاطي المخدرات، في حين تلتزم إحدى الزوجات الصمت منذ ثلاث سنوات، بعد اكتشافها حين تفتيشها هاتف زوجها أنه على علاقة بأخرى، في حين يردد لها أنه لا يحب غيرها، تقول إنها فقدت الثقة فيه؛ لكنها مكبلة بعدم قدرتها على مكاشفته بحقيقة علاقته تلك، حتى لا يعرف أنها تجسست عليه، وتتعرض لما لا يحمد عقباه منه.

الشك يقتلني

وتقول ف. ع: أشك في زوجي منذ اليوم الأول لزواجنا، فجميع أفعاله تدل على أنه يقيم علاقات مع أخريات؛ وذلك لإطالته الحديث بصوت خافت في هاتفه، وإطالة الجلوس أمام مواقع التواصل، وإجراء محادثات مع أناس لا أعرفهم، إلى جانب رائحة العطر التي تنبعث من ملابسه حين عودته من عمله، ما دفعني لمغافلته، وأخذت هاتفه؛ للاطلاع على ما يحتويه- على الرغم من علمي بتجريم ذلك إن اشتكى على هذا الفعل- إلا أنني فوجئت أنه قد أغلقه برقم سري، أكاد أشعر بالجنون، ولا أريد مواجهته خشية أن أخسره، الشك في تصرفاته يكاد يقتلني، كنت أريد الاطلاع على مكالماته، ورسائله الإلكترونية، وغيرها، إلا أنني فشلت، فماذا أفعل؟

الرؤية القانونية

ما التكييف القانوني لتجسس الزوجين أحدهما أو كلاهما على بعضهما؟، وكيف ينظر رجال القضاء إلى هذه الوقائع؟، وهل من مرونة في التعامل بروح القانون مع أي من هذه الدعاوى حفاظاً على الترابط الأسري، من دون تطبيق النصوص القانونية المقرة في ذلك؟
بوضوح يؤكد المستشار أحمد سيف رئيس المحكمة المدنية في محاكم دبي، أن أسس بناء علاقة زوجية مستقرة تتركز في استنادها بشكل رئيسي على الثقة والتحاور بين الطرفين، وتفهم احتياجات بعضهما، مع حسن العشرة، والتعاون، والود والتراحم، والاهتمام المتبادل، والمرونة في التعامل، من دون جنوح أي طرف من الطرفين تجاه تصيد أخطاء الآخر، مجيباً هنا عن مدى إمكانية التعامل بروح القانون مع هذه الدعاوى، بأن النص القانوني ملزم للقاضي بتطبيقه حين نظره أية دعوى من هذا النوع، فإذا قدم زوج ما يدل على علاقة زوجته بآخر، أو العكس، تنظر المحكمة في نصوص القانون الذي سيطبق، وتتخذ قرارها وفق الأدلة المشروعة التي قدمها أي طرف من الطرفين (الزوج أو الزوجة)، في حين إذا كانت النصوص القانونية تسمح للقاضي بالتدخل بتقديره الشخصي بالعقوبة، أو بما يطرح عليه من أدلة ومستندات، فالقاضي سوف يستخدم هذه السلطة، بما يتناسب مع الواقعة المعروضة عليه، ومع مصلحة الطرفين المتقاضيين أمامه، وتعرض المحكمة الصلح على الطرفين، إذا كانا زوجاً وزوجة، وتحاول تقديمه لأولويته في التطبيق، خصوصاً في القضايا الزوجية؛ حفاظاً على الأسرة، فيما القرار لهما بالموافقة من عدمها، كونهما الأدرى بمصلحتهما، إلى جانب أنه لا يمكن بأي شكل فرض الصلح عليهما، وإذا لم يتم، فالقاضي يصدر حكمه وفقاً للقانون وما يراه أصلح للطرفين، ذاهباً للقول: الأهم في مثل هذه الدعاوى وقبل أن يفكر أي طرف من أطرافها الوصول بها إلى حد التقاضي؛ هو الارتقاء بأنفسنا عن هذه التصرفات، فلا يجب على أي من الزوجين أن يجعل نفسه محل شبهة أمام الآخر، ولا أن يدع الأمور بينهما تصل إلى حد الشك والغيرة ثم التقاضي.

لا يجوز شرعاً

أما المحكم الأسري د. إسماعيل البريمي من محكمة الأسرة في الشارقة، فينفي جواز التجسس شرعاً، منوهاً إلى أن الهاتف يعد ملكاً خاصاًَ لصاحبه؛ حيث يحتوي على خصوصياته، وأمور متعلقة به من معلومات، وأرقام، وبيانات، وطالما أغلقه برقم سري، أو ببصمة إصبع، فما ذلك إلا لأنه يحتوي على أمور شخصية، لا يريد أن يطلع عليها أحد، فضلاً عن كون تجريم المشرع لفعل التلصص والتنصت على هاتف الغير، يعد دليلاً على أن هناك مصلحة خاصة لصاحب الهاتف، لا يجب اطلاع أي شخص عليها، من احتمالية أن يكون الزوج متزوجاً بأخرى، ولم يعلم زوجته الأولى بذلك حتى لا يتفكك بيتهما، أو غير ذلك، راوياً حالة عرضت عليه لزوج شك في زوجته، وواجهها بذلك، وحين اطلاعه على هاتفها، وجد صورة لها مع أحدهم، فأخبرته أنها كانت على علاقة به قبل زواجها منه، فهجرها.
وكذا من الحالات أن زوجاً وجد زوجته منشغلة بمحادثة إلكترونية مع مجموعة عملها الساعة ال12 ليلاً، وحينما أبدى استغرابه من ذلك، قالت له إنهم يجهزون أجندة اجتماع مهم في اليوم التالي، فغافلها واطلع على محادثاتها، وفي اليوم التالي، ذهب محتداً إلى مقر عملها، وقابل مديرها، واشتكى له تواصل مجموعة العمل ليلاً مع زوجته، مهدداً إياه بتقديم شكوى شرطية، وتصعيدها للمحكمة إن تكرر الأمر، فأصدر المدير قراراً بمنع ذلك.
وانتهى بتأكيد أهمية أن تكون بين الزوجين ثقة، وأن يتم التعامل بينهما برقي واحترام وشفافية، ووضوح، حتى لا يشك أي طرف منهما في الآخر، على أن يسمحا لبعضهما بالاطلاع على ما يتضمنه هاتفهما، أو الحساب الإلكتروني، لاسيما والتجسس متساو بين الطرفين، في حين تختلف مؤشراته من طرف لآخر، بما يتوجب عليهما الالتزام بالضوابط التي أمر بها الدين الإسلامي الحنيف؛ حيث إن الإنسان إذا قوى علاقته بالله عز وجل، سيترفع عن المغريات، وجميع ما يوقعه ويعرضه للضرر.

كلاهما خاسر

وأبدى القاضي الشرعي علي الذباحي تعجبه من السؤال عن واقع هذه الدعاوى، قائلاً: هل كل ديدننا هو حول معرفة ما إذا كان أحد ركني الأسرة العريقين سيطاله القانون أم لا، وهل يعد مجرماً في حق نفسه، وزوجه، ومجتمعه من نظرة قانونية بحتة، لمعرفة الغلبة لمن؟ دون معرفة ما النتائج المترتبة؛ جرّاء ذلك سواء على المستوى الشخصي أو الأسري؟
من وجهة نظري البسيطة، لا يوجد منتصر في هذه المعركة، إذا اعتبرنا ما حدث معركة (كمعركة داحس والغبراء التي استمرت 40 عاماً دون أن ينتصر أحد منهما؛ بل إن القبيلتين فنيتا)؛ بل كلاهما (خاسر)؛ حيث سيذهب ما كانا ينعمان به من ود وصفاء واحترام، كما ستقل الثقة تدريجياً إلى أن تنعدم كلياً، ومن ثم تبدأ المشاكل بالزحف صوبهما من حيث لا يشعران، إلى أن يصل الأمر إلى الصراخ، والتشابك بالأيدي، وإحداث الخدوش والجروح، وقد يصل أحياناً إلى الشروع في القتل أو وقوعه بالفعل.
أي علاقة بنيت على شك، وعدم ثقة فحري بها ألا تستمر، فسرعان ما تتفكك أواصرها؛ حيث إن الأمر هو مسألة وقت فحسب، فالذي أراه إغلاق هذا الباب كلياً في حق الزوجين إن أردنا بقاء اللحمة بينهما.

صور مختلفة

وعلى الرغم من تنويه المستشار القانوني د. يوسف الشريف إلى تناول موضوع تفتيش الزوج أو الزوجة لهاتف الآخر كثيراً خلال السنوات الماضية، ذهب للتلويح إلى العديد من الحالات التي ظهرت في المجتمع، وأدت بفاعليها إلى السجن أو العقوبات الأخرى، وصولاً لقوله: هذا أمر مستهجن في مجتمعاتنا؛ حيث إن الأسرة قائمة على مبدأ المكاشفة، وكل طرف من الأطراف، يجب عليه أن يكون صفحة مفتوحة أمام الآخر؛ لكن بعض الأشخاص يقومون بالالتفاف حول أهم مبادئ الزوجية؛ بمراقبة الطرف الآخر، وقد يصل بالبعض أن يقوم بالتجسس على الطرف الآخر، بقصد معرفة جميع تفاصيل حياته، أو لوجود شكوك داخله، أو عدم وجود الثقة المتبادلة.
الحالة في مثل هذه القضايا تنقسم إلى قسمين؛ حيث إن التفتيش في هاتف شريك الحياة لا يُعد جريمة، وهذا أمر طبيعي في ظل الميثاق الزوجي بين الطرفين، وهذا حاله كحال قيام الزوج أو الزوجة بتفتيش محفظة الآخر أو مقتنياته الخاصة بقصد تقصي أخباره، أو معرفة المزيد حول أموره الشخصية وهذا القسم الأول، أما القسم الثاني فهو قيام هذا الشخص بابتزاز الطرف الآخر أو تهديده أو نشر أسراره الشخصية وهنا تكمن الجريمة؛ حيث إن إفشاء المعلومات وهذه الأسرار أو محاولة استغلالها، يعد مجرماً وفقاً للقانون.
أما الأمر الآخر فهو قيام بعض الأزواج أو الزوجات بتحميل برامج أو برمجيات؛ لمراقبة مكالمات الآخر؛ بغية مراقبة الرسائل أو المحادثات في هاتف الطرف الآخر، أو مراقبة البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا مختلف عن فكرة التفتيش، وهذا ما تعده القوانين عملاً مجرماً؛ حيث إن التجسس الإلكتروني يعد أمراً مرفوضاً تماماً، وغير مسموح لأي شخص بممارسته على الآخر حتى وإن كان الزوج أو الزوجة.
وهناك نوع آخر من التجسس والمراقبة، وهو التجسس والمراقبة خارج البيت سواء كان باللحاق بشريك الحياة وقت خروجه، أو وضع أجهزة تتبع أو تنصت إلكترونية في السيارة أو المكتب؛ لمعرفة مكانه، وهذا الأمر يُعد خرقاً للقوانين؛ لأن مثل هذه الأجهزة محظورة الاستخدام داخل الدولة، ما لم يستخرج لها تصاريح وموافقات خاصة؛ إذ يكفل القانون الإماراتي حرية الحركة من دون مراقبة أو حساب أي شخص يقيم على أرض الإمارات، ومن الممنوع استخدام أية وسيلة تقنية سواء للتجسس الصوتي، أو تتبع المكان أو استخدام الكاميرات لتصوير أي شخص، وتتبع حركته، أو تسجيل مقاطع فيديو لحياته الشخصية، وهذا الأمر ينطبق على الزوج والزوجة، والقيام بهذا الأمر يعد خرقاً للقوانين، والعقوبات بهذا الشأن كبيرة وغليظة، وبصرف النظر عن الجانب القانوني فقد يلجأ البعض لحيل لمراقبة شريك الحياة والالتفاف على القوانين المجرمة لذلك، إلا أن مثل هذه الممارسات تُعد مجرمة أخلاقياً بموجب الميثاق الزوجي القائم على الثقة المتبادلة والمكاشفة أمام الآخر، خصوصاً أن العلاقة الزوجية قائمة على المصارحة والتشاركية.

ظاهرة متزايدة

وبحسب المحامية قمر الكسادي، ومن واقع وقوفها على حالات، جاء تأكيدها بتزايد حجم هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة؛ لأسباب كثيرة من أهمها - كما تجزم - عدم توافر الثقة بين بعض الأزواج والزوجات، لتناسيهم أن الزواج هو مودة ورحمة بينهما، فضلاً عن دور التقنيات الحديثة من وسائل التواصل الاجتماعي، والتي بدورها كان لها النصيب الأكبر في ازدياد هذه الظاهرة، وخاصة الهواتف الحديثة التي لا يمكن الوصول إلى ما بداخلها من رسائل أو مكالمات، إلا عبر رموز سرية معينة أو باستخدام بصمة الإصبع، حتى يستطيع الفرد فتح هاتفه، وبالتالي قد يشك أي زوج من الزوجين في الآخر؛ جرّاء ذلك، مستنداً على أن شريكه إذا كان لا يفعل شيئاًَ مريباً من خلال هاتفه، فلماذا يقفل هاتفه برمز مروري أو ببصمة إصبع حتى يتم فتحه؟، وعلى الفور يضعه في موضع الشبهات، مرجعاً ذلك إلى غيرته عليه، ويتطور ذلك إلى الشك، الذي يتحول مع الوقت إلى كراهية، فتناحر وتضارب، إلى حد الوصول لأبواب المحاكم، التي اكتظت بالفعل بمثل هذه الدعاوى، التي أدت ببعض التشريعات إلى إصدار قوانين حديثة، تمنع الزوج أو الزوجة من تفتيش هواتف بعضهما، للتصدي لهذه الأفعال التي تهدم البيوت.
وترى أن الحل في اعتقادها للحيلولة دون تفشي هذه الظاهرة، يتركز في عودة الثقة بين الزوجين؛ كونها الأساس لكل شيء، مع وجوب احترام بعضهما، ومراعاة خصوصياتهما، وإرساء سبل التفاهم بينهما؛ لحل أية مشكلة تؤرقهما قبل استفحالها، مع أهمية التزام الطرفين بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي تمنع التجسس بينهما.
ومن الطرائف الجميلة يحكى أن رجلاً يمتلك زوجة جميلة، وحساباً في «الفيسبوك» باسمه، فقامت الزوجة بإنشاء صفحة لها باسم مستعار، وقدمت له طلب صداقة فقبلها، وتواصلت معه على «الماسنجر»، وأبدت إعجابها به، وما كان منه إلا أن أبدى هو الآخر إعجابه بها، ثم سألته زوجته عما إذا كان متزوجاً أم لا، فكان رده لها بأن زوجته توفيت إلى رحمة مولاها، وحين سألها السؤال ذاته، أجابته بأنها المرحومة شخصياً، فصدم الزوج وباءت كل محاولات الإصلاح بينهما بالفشل، وتم الطلاق.

التعامل بسرية

ومن الجانب المجتمعي، يشدد خالد الغيلي العضو السابق في لجنة الأسرة في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة على وجوب السرية في التعامل مع مثل هذه المواضيع التي تعد باباً من أبواب الشر إذا فتح فإنه لن يغلق، مستنداً إلى طبيعة مجتمع الإمارات المحافظ على قيمه الإسلامية وعاداته وتقاليده، وعلى انعدام مثل هذا النوع من القضايا سابقاً، والتي ظهرت مع توفر وتطور الهواتف المتحركة، ذاهباً للقول: في الماضي كانت أي مشكلة من المشكلات الأسرية التي تدور في البيوت تحل من قبل كبار العائلات؛ حفاظاً على الأسر من التفكك، أما الآن وعلى الرغم من بساطة هذه القضايا، فإن
بعضها يصل إلى الشرطة، والمحاكم، والإعلام، ويكون لها الأثر السلبي في الأسرة، والعائلات، والمجتمع إجمالاً، بما يسهم في تفكك الأسر، لاسيما مع إفشاء ستر هذه القضايا، وإعلانها، ومن جانب آخر فالمؤسف أن بعض الأزواج والزوجات ومن باب المزاح، أصبح كل واحد منهما يقول للآخر إذا فتشت الهاتف الخاص بي سأقدم شكوى، وفي ذلك ضرر على المجتمع.
يفترض أن مثل هذه القضايا لا يجب أن تحل من خلال الشرطة أو المحاكم، ولا ينبغي أن تنشر في وسائل الإعلام، لابد من التعامل معها بسرية تامة؛ تجنبا لما قد يترتب عليها من انفصال الزوجين، والإضرار باستقرار الأبناء، فالمجتمع بأكمله بمنزلة أسرة، إذا صلحت صلح؛ لذا لا يجب أن نترك أي مجال أمام أسباب بسيطة، لتزيد الطين بلة، وتسهم في تفكك المجتمع، نحتاج إلى رفع وعي المجتمع بالقيم والعادات والتقاليد في التعامل مع مثل هذه الأمور الأسرية.

تتبع المواقع

بالرجوع إلى الأطباء النفسيين، تقول المعالجة النفسية فيولين باتريسيا غالبرت: إن بعض المرضى لديها يضعون شرائح «جي بي إس» على سيارات شركاء حياتهم؛ لتحديد مواقعهم، وبعضهم الآخر يضعون أنظمة تجسس على حواسيبهم؛ لمراقبتهم عن بُعد، ويصل بهم الأمر إلى درجة حساب عدد الكيلومترات التي سارها الشريك بالسيارة، ويتصورون أنه ذهب للقاء صديقة أو صديق، بينما قد تكون الحقيقة غير ذلك تماماً، إلا أنه حينما يبدأ الشريك في الشك بالآخر، فإن نهاية العلاقة تصبح وشيكة.
ويلفت المعالج روبرت نوبورجر إلى أنه لا يوجد دخان من دون نار، فإن بدأ أي طرف من الزوجين بالتجسس على الآخر، ومتابعة شؤونه الخاصة، فهذا يعني أنه يشك في أن شيئاً ما ليس على ما يرام، فيبدأ في البحث عن أدلة، ولهذا السبب أصبح «الفيسبوك» من أبرز الأسباب التي تؤدي للطلاق في الولايات المتحدة، فحالة طلاق من بين كل 5 حالات سببها مواقع التواصل الاجتماعي.
ووفق استطلاع للرأي قامت به شركة «ياهو» عام 2012، فإن شخصاً من بين كل خمسة أشخاص يتجسس على طرفه الثاني، وفي الأغلب يبدأ ذلك برسالة هاتفية تزرع الشك، وتدفع الشريك للبحث عن المزيد.

جمال البح: خلط بين العلاقتين العامة والخاصة

قال جمال البح رئيس منظمة الأسرة العربية: بحكم عمل المرأة حدث خلط في قضايا التواصل الاجتماعي؛ حيث لدى الزوجة زملاء عمل، وحين - كمثال- تهنئة أي واحد منهم للزوجة في مناسبة من المناسبات، قد لا يتقبل الزوج ذلك، والمفروض وبالدرجة الأولى أن تضع الزوجة حدوداً لعلاقات العمل؛ بحيث لا يصبح العام خاصاً وبالعكس؛ حيث الكثير من القضايا تفجرت نتيجة الخلط، عدا أن تجسس أي طرف من الزوجين على هاتف الآخر، من أكبر الأخطاء التي تحدث؛ لأن المرأة اليوم تشكل نسبة تراوح بين 60-70 % في سوق العمل، فإذا اختلطت لديها علاقات العمل بالأخرى الشخصية، ستصبح مشكلة كبيرة مستقبلاً، وبالتالي ستكون قضايا التواصل الاجتماعي هي السبب الأكبر لحدوث الطلاق في المجتمعات العربية، والخليجية بالدرجة الأولى.
وتعد مراقبة بعض الأزواج لهواتف الزوجات، من أكبر الدلائل على وجود خلل نفسي في العلاقة التي تجمعهما، إلى جانب فقدان تام للثقة بينهما، فضلاً عن كونها قضية ومشكلة اجتماعية خطرة، تتطلب دراسة كافية من الاختصاصيين الاجتماعين؛ لوضع رؤى، وتوصيات موضوعية، مع تسليط الضوء الإعلامي عليها بشكل كاف، تلافياً لتزايد نسب الطلاق في المجتمع الخليجي خاصة، وحدوث شرخ في اللحمة الزوجية، مع خشيتنا من أن تتصدر قضايا تجسس الأزواج والزوجات على بعضهم أسباب الطلاق في مجتمعنا الخليجي.

النص القانوني

ينصّ قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، والغرامة التي لا تقل عن 150 ألف درهم، ولا تتجاوز 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم شبكة معلوماتية، أو نظام معلومات إلكترونياً، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في الاعتداء على خصوصية شخص في غير الأحوال المصرّح بها قانوناً، بطرق منها التقاط صور الغير، أو إعداد صور إلكترونية، أو نقلها، أو كشفها، أو نسخها، أو الاحتفاظ بها، ونشر أخبار، أو صور إلكترونية، أو صور فوتوغرافية، أو مشاهد، أو تعليقات، أو بيانات أو معلومات، ولو كانت صحيحة وحقيقية».

حبس 3 أشهر

في محكمة الجنح في دائرة محاكم رأس الخيمة، قضت بحبس زوجة 3 أشهر؛ لتفتيشها هاتف زوجها من دون إذنه، وادعى الزوج أن زوجته تسترق النظر إلى الهاتف أثناء نومه، وتنسخ البيانات بما في ذلك الصور ومحادثات الدردشة على هاتفها حتى تتمكن من فحصها في وقت لاحق، ومشاركة بعض المعلومات مع أشقائها، ودافعت الزوجة عن نفسها بأن الزوج أعطاها كلمة المرور لهاتفه، وسمح لها بالنظر فيه؛ لأنها ضبطته يتحدث مع نساء أخريات، فقد وجدت المحكمة أنها مذنبة؛ لانتهاك قانون الخصوصية في دولة الإمارات، الذي ينص على أنه يحظر على المتزوجين مراقبة الهواتف الشخصية دون إذن حتى إن كان أحدهم يشك في خيانة الآخر، وأثارت القضية جدلًا واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث وجد البعض أن الزوجة تستحق العقوبة لخرق القانون، مقابل أن البعض انتقد الزوج؛ لتسببه في حبس زوجته.

من هنا وهناك

في منتصف عام 2016 قضت المحكمة الابتدائية الجزائية في عجمان، بتغريم زوجة عربية بمبلغ مئة وخمسين ألف درهم، والإبعاد عن الدولة؛ بتهمة التعدي، وانتهاك الخصوصية، واستخدام وسيلة تقنية معلومات في نقل المحتوى؛ من خلال قيامها بفتح جهاز الهاتف الخاص بزوجها، ونقل مجموعة من الصور لهاتفها، فيما ووفقاً للمحامية والمستشارة القانونية إيمان سبت فقد أوضحت إن «الزوجين من جنسية عربية، وهما في العقد الثالث من العمر، وأن الزوجة انتهكت خصوصية زوجها بنقل صور خاصة من هاتفه لهاتفها عبر «الواتس أب»؛ حيث تتهمه بعلاقة بامرأة أخرى، وأن اعترافها جاء واضحاً وطواعية أمام المحكمة بأنها نقلت الصور من هاتفه، وهو ما يعد عدم مراعاة للقوانين المعمول بها في الدولة، وبالتالي إدانتها عن التهم المسندة إليها، عملاً بالمادة (212) من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي، ومعاقبتها طبقاً للمادتين (21) و(24) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"