عادي
مدارات

المسرح الشعري

04:53 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

قديمة هي أشكال المسرح الشعري، وهي الحالة التي يتم فيها توظيف الشعر في كتابة الحوار المسرحي، وقد جاء هذا النمط كشكل مغاير لتوظيف «النثر» في المسرح، وبدأ مع الإغريق حيث الطقوس الاحتفالية القديمة، وتلقفه المسرح للتعبير عن الانتقال بين الحالات الشعورية والحسية، بين الحزن والفرح والألم والمتعة وشتى المشاعر الإنسانية، فهو حالة مسرحية خاصة.

والواقع أن فن المسرح ظل في بداياته شديد الصلة بالشعر، حيث كان هو الأداة المحببة لدى المسرحيين للتعبير عن المضامين في العرض، ونجد أن الشاعرين الإغريقيين «سوفوكليس» و«أسخيلوس» هما من أسسا هذا الشكل من المسرح، وكان الفيلسوف أرسطو هو أول من تناول العلاقة الكبيرة بين الشعر والمسرح، عندما ذكر أن الشعر فن من فنون المحاكاة كالموسيقى والرسم، وغير ذلك من الفنون الإبداعية.

وقد تحدث المسرحي الفرنسي ‬يوجين‮ ‬يونسكو، الذي ينتمي لمدرسة العبث عن تلك الحالة المسرحية الشعرية، ويرى أنها تعتمد على‮ العالم الأسطوري‮ ‬الرائع‮، حيث إن المسرح الشعري هو ‬تقمّص الأحلام والخيالات‮ ‬فالشخوص والأحداث في‮ ‬المسرحية الشعرية،‮ ‬ليست هي ذاتها التي في‮ ‬المسرح العادي؛ إذ إنها ليست نتاج الحالة الدرامية السردية؛ بل الشعرية‮ التي يرى يونسكو أنها تنتمي إلى الخيال، والتي يعمل الكاتب والمخرج من خلالها على توصيل أفكارهما، وخلاصة قصّتهما للناس من خلال أفعال وتحركات أبطال المسرحية على أمام الجمهور، حيث يكتسب المسرح الشعري إيقاعاً خاصاً في حركة الممثل مرتبطاً بإيقاع الإلقاء الشعري نفسه.

وقد جرب العرب ذلك النوع من المسرح؛ لذلك فإن العصر الحديث قد حمل تجارب متعلقة بهذا اللون المسرحي، وكان أول أول ظهور لهذا الشكل في عام 1870، على يد خليل اليازجي عبر مسرحيته الشعرية «المروءة والوفاء»، ولكن تلك البداية تمت مواجهتها بكثير من النقد، حيث وصفت بأنها ركيكة وخالية من الحبكة الدرامية.

ويعد أحمد شوقي رائد هذا الفن، إلى جانب عزيز أباظة وآخرين، ساروا على ذات الطريق الإبداعي، ومع شوقي بدأت قوة المسرح الشعري والتخلص من السلبيات التي وصفت بها التجارب السابقة، فقد قدم أعمالاً محكمة ورائعة اتجهت نحو التاريخ، وحملت نوعاً من الإسقاط على الحاضر.

غير أن هذا النمط المسرحي لم يعمر كثيراً عند العرب، فقد جاء كضيف من الثقافة الغربية، ولم يتعمق ويرسخ كثيراً في البلاد العربية، واليوم يبدو أن الحديث عن المسرح الشعري العربي ينتمي إلى الماضي، حيث لم تتطور تلك المحاولات، كما أن هنالك تغيرات كثيرة طرأت على الأجناس الأدبية، خاصة الشعر الذي يبدو أنه ترك مكانته في الصدارة لمصلحة الرواية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"