مع بدء سباق «الوطني».. مقدمات ضرورية

04:01 صباحا
قراءة 4 دقائق

حبيب الصايغ

اليوم يبدأ تسجيل المرشحين لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي، وما يحدث اليوم هو جزء من تقدم ونهضة الإمارات، فبدء السباق الانتخابي هو عنوان تجربة وإشارة مستقبل.
من هنا ضرورة وعي ما يحدث باعتباره حلقة جديدة من حلقات تعزيز مسار المشاركة السياسية التي انطلقت أولاها منذ أطلق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، نهج التمكين، وكانت أولى علاماته الانتخابات النصفية، وتمكين المرأة، خصوصاً ضمن فكرة تمكين المواطن والمؤسسة الوطنية. ذلك ما انطلق في اليوم الوطني الرابع والثلاثين (2005 )، وما عملت دولة الإمارات ـ قيادة وحكومة وشعباً ـ على ترسيخه وتعزيزه.
هذه هي الدورة الرابعة للانتخابات، والمرجوّ ألا يتقدم إلا الأصلح، والذي يثق في قرارة نفسه أنه الأصلح.
الأصلح لا لأنه فلان أو ابن فلان أو ابن القبيلة الفلانية، مع احترام وتقدير الجميع، فالأصل أن هذا كفؤ وأنه أكفأ من غيره. طبعاً الكلام ينطبق على المرأة كما على الرجل، وعذراً، حيث اللغة ـ في طبيعتها ـ ذكورية.
الدورة الرابعة للانتخابات، فماذا يريد الناس من مجلس 2019؟
يريدون في البسيط القريب، أو الأبسط الأقرب، أن يكون المجلس جهة رقابية وتشريعية كما في الدستور على الأداء العام. لدينا قيادة عليا وجهات تنفيذية، فإذا وجه محمد بن راشد أو محمد بن زايد إلى جزئية من شأنها تطوير الصحة أو التعليم أو الإسكان أو الشؤون الاجتماعية، أو السياسة الداخلية أو السياسة الخارجية أو غير ذلك من العناوين والقضايا الوطنية، فإن على المجلس ولجانه، المتابعة لجهة أن يكون التنفيذ في مستوى التوجيه، وأن يكون منسجماً مع سياق الأداء الحكومي العام.
القصد أن دخول المجلس الوطني ليس نزهة أو مزحة. هذا عمل شاق وجدي، فلا يتقدم له إلا من يعرفه ويُدرك أهميته، باعتبار أن الانتخاب ليس شخصياً، وإنما هو انتخاب البرنامج والمشروع، فليقدم كل مرشح برنامجه الانتخابي وهو يتقدم إلى سجل المرشحين؛ برنامجه المدروس والمبني على مواد الدستور والنظام والمعطيات الواقعية، والمعرفة الوافية بالشأن المحلي.
ولا بد من إحاطة المرشح بتاريخ المجلس والتجربة، فلمجلسنا الوطني نقاط ضوء ونجاح، وله ـ شأن كل تجربة ـ محطات تراجع ونكوص، والأولى قراءة التجربة بكل موضوعية وحياد. نحن أمام تجربة عريقة وعميقة تمتد لما يقارب العقود الخمسة، فعمر المجلس هو من عمر الدولة تقريباً، ولقد كان الشاهد على عصر التحولات الكبرى منذ غرس وإرث القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وصولاً إلى عهد قائد مرحلة التمكين صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
هذه مقدمات ضرورية ونحن بصدد مجلس 2019، مع بدء سباق الانتخابات، ومنها أيضاً ضرورة التنبيه إلى الأجيال العديدة التي مرت على المجلس، والبعض ترك بصمة، والبعض مر عابراً في العابرين، لكن المؤكد أن الكل ـ كل من يدخل المجلس كغيره من المؤسسات ـ عابر، والذي يبقى الأثر الإيجابي وعمر العطاء. وفي النهاية يتذكر الناس أن فلاناً أعطى وكان أداؤه واضحاً، وأن أداء فلان الآخر كان باهتاً.
«لا شخصنة» هنا، كما أنه «لا شخصنة» دائماً. الكلام عن المجلس الوطني باعتباره مؤسسة وطنية دستورية قد يتقدم أداؤها وقد يتراجع. الحديث فقط عن بعض ضمانات كفيلة بالإسهام في النجاح.
من ذلك اشتغال المجلس باعتباره مؤسسة متكاملة بقلب واحد ووجدان واحد، وإن تعددت آراء أعضائه في هذا الشأن أو ذاك. المؤسسة ـ في هذا المقام كما في كل مقام ـ تمثل الجميع وهي فوق الجميع، وللمؤسسة تاريخها وخبراتها المتراكمة، فلا يجوز أن ينسى أحد ذلك التاريخ أو يتجاهله. البدء من نقطة الصفر مع إهمال التجربة مرفوض، وهذه رسالة المجتمع إلى مجلس 2019، وإذا كان الدستور مرجعية للمجلس، وكذلك اللائحة الداخلية، فإن الممارسة ومجرياتها وخلاصاتها تمثل أيضاً، مرجعية مهمة لا يعقل إهمالها وتجاوزها.
وهذا الكلام الذي يقال عن المجلس يمكن أن يقال عن كل المؤسسات. نحن دولة مقبلة على الاحتفاء باليوبيل الذهبي، واليوبيل الذهبي يعني ـ أول ما يعني ـ تجربة ذهبية وخبرات ذهبية، فهل ننسى ذلك، لنبدأ، في كل مرة، من نقطة الصفر، وكأنه لا تجربة؟
وتحت قبة المجلس يتساوى الأعضاء في الفرص بحكم القانون، فلا يجوز تفضيل أحد على أحد، حيث قاعة المجلس ميدان مفتوح، وإنما يثبت عضو المجلس ذاته ويقدم نفسه بما يطرح من آراء وأفكار تشكل إضافة، ومن ميزات كل مجلس حسن إدارة الوقت، فلا نريد أن نرى في المستقبل جلسة أخيرة تتكدس فيها الأسئلة الموجهة إلى الوزراء، مع استحالة حضورهم بهذا العدد، ولا نريد أن نرى في المستقبل مجلساً تلقى مشروع قانون من الحكومة ولم يناقشه حتى انقضاء الفصل التشريعي.
ونريد في المستقبل مجلساً يوازن بين عمله الداخلي والخارجي، فلا يطغى العمل الخارجي على الداخلي، فلذلك مؤسساته الوطنية المعنية مباشرة، وغاية ما يجب أن يقوم به المجلس الوطني على الصعيد الخارجي ما نسبته 10% من عمله بشكل عام.
ولا شخصنة، وإنما هو الحرص على نجاح الفكرة والمشروع، وهي إنما تنجح بإتقان العمل وقد يختص به بعض دون بعض، وبالإخلاص في العمل وهو سمة الجميع.
ونعم لدخول المرأة، فهي نصف المجتمع وأكثر، فالمرجوّ أن تساند المرأة المرأة، وأن يساند الرجل المرأة، ونعم لدخول الشباب، لكن الكفاءة والقدرة على العطاء شرط أول في كل الأحوال.
اليوم، مع بدء تسجيل المرشحين رسمياً، يصبح سباق المجلس الوطني أمراً واقعاً، وكأن العد التنازلي قد بدأ، فلنعتبر عملية الترشح ـ وكذلك التصويت تالياً ـ عملاً وطنياً وهاجساً مجتمعياً، متذكرين دائماً أن المجلس الوطني مؤسسة وطنية دستورية؛ بل إن المجلس السلطة الرابعة في دستور الإمارات، وهو ركن المشاركة السياسية، كما في مشروع المسار المتدرج الذي أثبت أحقيّته وجدارته حتى الآن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"