هل يخشى أردوغان الأكراد فعلاً ؟

03:51 صباحا
قراءة 4 دقائق
حياة الحويك عطية

في المؤتمر الصحفي الذي أعقب لقاء سوتشي الأخير حول سوريا، بدا واضحاً أن هناك نقاطاً خلافية عميقة بين الرؤساء الثلاثة، أردوغان من جهة، وروحاني وبوتين من جهة ثانية؛ نقاط كان أبرزها موضوعي الشمال السوري والدستور.
ففي حين شدد بوتين على الإسراع في تشكيل اللجنة الدستورية؛ بل قال إنها أصبحت جاهزة، سارع أردوغان إلى الاعتراض، معتبراً أنه لا داعي للسرعة. وحين تحدث أردوغان عن أمنه القومي، وعن ضرورة إقامة منطقة عازلة بين تركيا والأكراد تحت سيطرة الجيش التركي، رد بوتين بأن من يملأ فراغ الانسحاب الأمريكي هو الجيش السوري.
فما الذي يريده أردوغان من سوريا منذ بداية الحرب؟ وهل صحيح أنه يخاف الخطر الكردي على بلاده؟ وما علاقته هو بدستور يضعه أو يعدله السوريون لبلادهم؟
بداهة يتبادر الجواب بأن هذا النظام التركي يقوم على عقيدة «العثمانية الجديدة»؛ أي إعادة إنتاج حلم السلطنة بكل ما فيه من مصادرة للحقوق، وظلم للناس، وسرقة لخيرات الأرض، وفرض لفهم وظيفي للإسلام السياسي؛ أهداف لا يمكنه تحقيقها إلا بالاعتماد على الانتشار «الإخواني» في العالم العربي، وعبور رموز هذا التيار إلى مراكز القيادة وصنع القرار، وارتباطهم بقيادة العدالة والتنمية.
أما فرض هذا التيار السياسي، فيتم مرة من خلال السياسي، ومرة من خلال العسكري بأكثر وجوهه حدة، والتي تصل حد دعم تركي غير مسبوق للإرهاب «الداعشي» وغيره من عشرات التنظيمات الإرهابية، وهذا ما حصل في جميع الدول التي اجتاحها إعصار «الربيع العربي». أما وقد فشل الفرض العسكري، فإن أخطر تجليات الفرض السياسي تتجلى في تدخل أردوغان الحاد في قضية تشكيل الدستور، حيث يريد السيطرة على العدد الأكبر من اللجنة الدستورية، وبالتالي تمرير نصوص تُجيز الأحزاب الدينية غير المجازة في سوريا، ومن ثم كل ما يتفرع عن ذلك من مواد دستورية تخريبية تفجيرية للدولة والمجتمع، تقضي عليهما معاً.
لذلك رأينا الرئيس السوري يرد بحدة فائقة في خطابه بعد مؤتمر سوتشي على أردوغان، وعلى طرح اللجنة الدستورية، حيث لا يمكنه إلا أن يفعل وإلا يكون قد وقّع على نهاية الدولة السورية، ومن ثم تكر المسبحة التي تطال الدول المجاورة، ومن ثم العالم العربي كله.
لنتخيل أن الأكراد انتهوا كمشروع انفصالي في سوريا، لنتخيل أن «قوات سوريا الديمقراطية» انتهت كقوة عسكرية في سوريا، لنتخيل أن مصالحة هادئة حصلت بين قوات «قسد» والحكومة السورية، ورأينا ممثليهم في البرلمان السوري القادم إلى جانب زملائهم من الأكراد الموجودين حالياً، والذين يمارسون دورهم التشريعي السياسي مثلهم مثل زملائهم الآخرين، بصرف النظر عن الاختلافات الإثنية أو الدينية، وأن الدستور السوري الجديد كرّس بشكل حاسم، مفهوم المواطنة لجميع المواطنين، جاعلاً هذه الهويات الجزئية تحت سقف الهوية الوطنية الجامعة، حتى لو منح هؤلاء المواطنين السوريين حرية ممارسة الخصوصيات الثقافية في حضن الثقافة الوطنية الواحدة، التي تُثرى بتعدديتها. لنتخيل كل ذلك ونسأل سؤالاً واحداً: من سيكون الخاسر؟
الخاسر الأكبر هو أردوغان وحلم «العثمنة الجديدة»، الذي قصر مدى السلطنة إلى حلم السيطرة على الشمال السوري بخيراته وجغرافيته وديموغرافيته.
أما الخاسر الثاني فسيكون «إسرائيل» التي وصلت عبر دعمها للأكراد الانفصاليين المقاتلين، إلى وجود عسكري واستخباراتي خفي ومعلن شرقي الفرات. أما الثالث فهو بعض الدول الغربية التي تأمل أن تحصل عبر دعمها للأكراد الانفصاليين، على بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية، بفضل ضغط الخطر العسكري في الشمال.
اللافت أن المستفيدين الأخيرين واضحان ومعروفان للجميع، في حين يخدع أردوغان الجميع بأنه عدو للانفصالية الكردية، وأن الانسحاب الأمريكي يعزز مخاوفه مما يسميه الإرهاب الكردي. ولذلك فهو يعطي لنفسه الحق في اجتياح الأرض السورية، كأي محتل غازٍ بحجة حماية أمنه القومي.
القيادات الكردية تعطيه المبرر، وترامب يُعطيه المبرر، ومن ثم يعطيه الإذن رسمياً؛ بل إن ترامب هو من مارس الضغط على القيادات الكردية كي تتراجع عن تقاربها مع حكومة بلادها، وهذا ما بدا واضحاً بين ما قبل زيارة إلهام الحمد، رئيسة الجناح السياسي ل«قسد» إلى أمريكا وفرنسا، وما بعدها. فبعد أن كانت الجهود على وشك أن تؤدي إلى حل العقدة، عاد الأكراد إلى التشدد وعاد الأمريكي يعطيهم حقنة مقوِّية، مرة بإعلان بقاء مئتي جندي وإمكانية إمدادهم من القواعد الأمريكية في العراق، ومرة عبر عودة الإعلام المشبوه إلى التركيز على حقوق الأكراد، وكأن أحداً لا يعرف أنه في مجلس الشعب السوري ثمة عدد من النواب الأكراد الوطنيين، وأن المواطنين السوريين الأكراد شغلوا على امتداد تاريخ سوريا جميع المواقع الدينية والسياسية، من رئيس وزراء إلى نائب ومحافظ ومدير، إلى رئيس جمهورية ومفتي جمهورية، وقائد عسكري.
فهل يكون هؤلاء الذين هربوا من تركيا واحتضنتهم سوريا، حجة أردوغان لاحتلال ثلث المساحة السورية، ومن ثم لربط انسحابه بمكاسب لا يمكن لدولة ذات سيادة أن تمنحها؟ أم إن الجيش السوري سيضطر إلى مواجهة جيش أطلسي، مع ما يترتب على ذلك دولياً؟ أم إن روسيا ستتمكن من نزع هذا اللغم الخطر؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"