«فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر»

سبحانك
00:49 صباحا
قراءة 4 دقائق
أ.د. حميد مجول النعيمي

كيف نخضع علوم الفيزياء الفلكية لحركة القمر حول الأرض وحركة الاثنين حول الشمس إلى معاني القرآن الكريم ؟ نرى أن ذلك يرتبط بمضمون الآيات الكريمات أعلاه وكما يأتي:
(1): بعد الآية الكريمة «فإذا برق البصر» ذات الفحوى المذهل، إذ بكسر الراء وفتحها: (برق) معنى الدهشة والتحير لما يرى الإنسان يوم القيامة (فزع وشق). يأتي حرف (الواو) بأثره العطفي العظيم في «وخسف القمر»، ثم في «وجمع الشمس والقمر»، إلا أن المنظور الفيزيائي الفلكي الصرف يسند مضمون قوله تعالى «وجمع الشمس والقمر» إلى «وخسف القمر» الذي قال في تفسيره بعض المفسرين: (أظلم وذهب ضوؤه)، ومن الناحية الفلكية فإن خسوف القمر يحدث (عندما يقع القمر في منطقة ظل الأرض، أي حين تكون الأرض على خط مستقيم بين الشمس والقمر) وإن الخسوف يحدث عندما يكون القمر بدراً، ولكن لا يحدث في كل دورة قمرية (أي كل شهر) ما لم يقع مركز كل من هذه الأجرام الثلاثة على خط مستقيم واحد، وهذا لا يتفق إلا مرتين في السنة تقريباً. يكون الخسوف كلياً إذا كانت حركة القمر وهو بدر مباشرة خلال مركز الظل التام للأرض. أما إذا كان القمر في منطقة شبه الظل فتحدث ظاهرة الخسوف الجزئي. إن القمر لا يختفي كلياً في حالة الخسوف الكلي بل يبقى سطحه باهتاً ذا لون برتقالي تقريباً ورمادي أحياناً، والسبب في ذلك الانكسارات والتشتتات الحاصلة في أشعة الشمس عند اختراقها الغلاف الجوي الأرضي بسبب الجسيمات الترابية العالقة في الطبقات الجوية. وهذا الوضع يختلف عن الكسوف الشمسي عندما يكون القمر بين الشمس والأرض (أي يحجب قرص القمر ضوء الشمس عن المنطقة المقابلة له في الأرض) بشرط أن يكون في المحاق... ولما كانت الإشارة الفلكية في الآية الكريمة (وخسف القمر) من دون (كسف الشمس) تعين علينا معالجة التفسير والاستنتاج في هذا السياق وإليه.

من الممكن في ظاهرة الخسوف الكلي في معنى (وخسف القمر) استخلاص مدلول أكثر عمقاً (من حيث المدة والشدة) يوم القيامة، ولكن مدلول الفعل في (وجمع الشمس والقمر) يصير ضمن تفسير اصطفافهما مع الأرض على خط مستقيم واحد، أي أنه مدلول فلكي فيزيائي طبيعي من دون أي تفجر أو تدمير أو زوال، أو حتى من غير أن يحصل تغير ما في الوضع المداري أو الحركات المدارية لثلاثي الأرض والقمر والشمس، وبدلاً من حصول هذه الاستقامة عدداً من المرات في سنة الأرض، فإنها تحصل يوم القيامة تأكيداً (للتغير) أو (التبدل) الموعود مدة أطول (طوال مدة الحساب). أما حصول (الخسوف والكسوف) معاً في وقت واحد فهذا غير متحقق في الحياة الدنيا، وغير مفترض (حتى إعجازاً) في الآخرة لأنه سيفرض وجود قمرين في لحظة واحدة، واحد يقع بين الأرض والشمس، والآخر تحجبه الأرض عن الشمس، وهذا لم تشر إليه الآية الكريمة بأي شكل من أشكال التلميح أو المعنى (الباطن).
في تحديد موقع الشمس والقمر إزاء الأرض في (وجمع الشمس والقمر) بدلالة (وخسف القمر) تصير الأرض مركز استناد متخيلاً لعتلة ذراعها اليمنى تنتهي بالشمس وذراعها اليسرى تنتهي بالقمر، أي أن الشمس والقمر يصبحان على جانبي الأرض وعلى استقامة واحدة. هنا لا يشترط ذهاب ضوء الشمس في أي تفسير ل (وجمع الشمس والقمر)، بل يجب غياب نور القمر بسبب حجب الأرض ضوء الشمس عن القمر أصلاً، في (وخسف القمر) من دون كسوف الشمس.
يقول بعض المفسرين من العلماء المعاصرين في قوله تعالى (وجمع الشمس والقمر) إنه سيأتي يوم والشمس تأكل (تبلع) القمر (تجذبه بسرعة) «أي سيأتي يوم يدخل القمر في نطاق جاذبية الشمس وتبتلعه»، وذلك ينجم عنه خلل كوني يؤدي إلى حدوث يوم القيامة. (اعتمدوا بذلك على الأرصاد الفلكية والحقيقة العلمية التي تشير إلى أن القمر يبتعد سنوياً في حركته حول الأرض عنها بمقدار سم واحد تقريباً أو أكثر قليلاً). أما بالنسبة لنا فنقول الآتي:
1- يوم القيامة لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

2- فيزيائياً، فإن القمر مرتبط بالأرض، والقمر والأرض والكواكب وجميع أجرام المجموعة الشمسية مرتبطة بالشمس، والمجموعة الشمسية مرتبطة بالمجرة وهكذا، وعلمياً وعملياً لا يمكن للقمر وحده أن يؤكل أو يجذب من لدن الشمس، معنى ذلك أن القمر والأرض مرتبطان بعضهما مع بعض برباط الجاذبية المشتركة، وبذلك سيبقى القمر دائراً حول الأرض إلى ما شاء الله كما في قوله تعالى «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون» (يس 40)

3- إذا ابتعد القمر كثيراً عن الأرض، فإن ظاهرتي المد والجزر ستنعدمان، فترتفع مياه البحر وتنخفض عشرات الأمتار، وهاتان الظاهرتان لهما فوائد كبيرة للبشرية، فضلاً عن التغيرات التي تحصل في حركة الأرض في حالة انعدامهما، وحسب تصورنا علمياً: أن هذا لن يحدث طالما الأجرام الثلاثة مرتبط ببعض برباط الجاذبية المشتركة، وبذلك ستستمر ظاهرتا المد والجزر إلى ما شاء الله.

4- إن الشمس مثل بقية النجوم ولدت لتموت فعمرها الآن 5000 مليون سنة، وحسب الدراسات الفيزيائية الفلكية فإنه بعد 3000 مليون سنة تقريباً ستنفجر (بسبب الاحتراقات النووية الحاصلة في مركزها)، وعند انفجارها تتحول إلى نجم عملاق تغطي غازاته الكواكب الثلاثة الأولى على الأقل (عطارد والزهرة والأرض بما فيها القمر)، وربما المريخ (بمعنى أن هذه الكواكب وجميع المواد والغازات بينها ستكون ضمن الشمس العملاقة،وقد يكون هذا هو وقت جمع الشمس والقمر، وبذلك يكون قد اجتمع القمر مع الشمس وبقية الكواكب «والله أعلم»)، وبعد هذا الانفجار (مرحلة السديم الكوكبي) تتحول الشمس إلى نجم (قزم أبيض) وهي مرحلة وفاتها. لكن في الوقت الحاضر طالما القمر والأرض والكواكب مرتبطة جذبياً بالشمس، فإن حركة أجرام المجموعة الشمسية تستمر إلى ما شاء الله.

مدير جامعة الشارقة - رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"