الأحنف بن قيس مضرب المثل في الحلم

في رحاب التابعين
13:15 مساء
قراءة 4 دقائق

هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين أبو بحر التميمي وكان من أهل البصرة، ذكر عنه الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يره، واشتهر باسم الأحنف لحنف رجليه وهو العوج والميل، وعده ابن حجر في التراجم وكذلك أصحاب السير من الطبقة الثانية من كبار التابعين، بينما عده ابن سعد في كتاب الطبقات الكبرى من الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة، وقال عنه: إنه كان ثقة مأموناً .

وذكر عنه ابن الأثير في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له، يقول الأحنف بن قيس: بينما أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان بن عفان إذ جاء رجل من بني ليث فأخذ بيدي فقال: ألا أبشرك؟ فقلت: بلى قال: هل تذكر إذ بعثني رسول الله إلى قومك بني سعد؟ فجعلت أعرض عليهم الإسلام وأدعوهم إليه، فقلت أنت: إنه ليدعوكم إلى خير، وما حسن إلا حسناً، فبلغت ذلك إلى رسول الله فقال رسول الله: اللهم اغفر للأحنف . فقال الأحنف: هذا من أرجى عملي عندى .

ومن مناقبه كما ورد في أسد الغابة لابن الأثير أن الأحنف كان مضرب المثل في الورع والحلم، وقيل: إن رجلاً خاصم الأحنف وقال: لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً . فقال الأحنف: لكنك إن قلت عشراً لم تسمع واحدة .

الصوام القوام

قال ابن الجوزي في صفة الصفوة وابن الأثير في أسد الغابة إن الأحنف كان قواماً كثير الصلاة بالليل، كما كان كثير الصيام وقد قيل له: يا أحنف إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك، فقال: إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه .

اتصف الأحنف كذلك برجاحة العقل ويرصد الحافظ الذهبي في السير قول هشام بن عقبة: شهدت الأحنف بن قيس وقد جاء إلى قوم في دم فتكلم فيه وقال: احتكموا قالوا: نحتكم ديتين قال: ذاك لكم فلما سكتوا قال: أنا أعطيكم ما سألتم، فاسمعوا إن الله قضى بدية واحدة، وإن النبي قضى بدية واحدة، وإن العرب تعاطى بينها دية واحدة، وأنتم اليوم تطالبون، وأخشى أن تكونوا غدا مطلوبين فلا ترضى الناس منكم إلا بمثل ما سننتم قالوا: ردها إلى دية .

ويرصد ابن سعد في الطبقات الكبرى أنه كان للصحابة دور بارز في تشكيل شخصية الأحنف بن قيس خاصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حيث كان له مواقف عدة معه ومنها ما يرويه الأحنف بنفسه قائلاً: قدمت على عمر بن الخطاب، فاحتبسني عنده حولاً، فقال: يا أحنف، إني قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم .

عم حكيم

ويذكر ابن الأثير في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة أنه إلى جانب عمر وتربيته للأحنف كان عمه صعصعة الذي تعلم منه الحلم والأناة وفي ذلك يقول الأحنف بن قيس لأصحابه يوماً: أتعجبون من حلمي وخُلقي؟ إنما هذا شيء استفدته من عمي صعصعة، شكوت إليه وجعاً في بطني فأسكتني مرتين ثم قال لى: يا ابن أخي لا تشك الذي نزل بك إلى أحد، فإن الناس رجلان: إما صديق فيسوؤه، وإما عدو فيسره، ولكن أشك الذي نزل بك إلى الذي ابتلاك، ولا تشك قط إلى مخلوق مثلك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه مثل الذي نزل بك، يا ابن أخي إن لي عشرين سنة لا أرى بعيني هذه سهلاً ولا جبلاً فما شكوت ذلك لزوجتي ولا غيرها .

ويرصد ابن حجر في التراجم والحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء أن للأحنف بن قيس مواقف عدة مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كانت بمنزلة العلامات في حياة الأحنف فقد أوفد أبو موسى الأشعري وفداً من أهل البصرة إلى عمر بن الخطاب فيهم الأحنف بن قيس، فلما دخلوا عليه تكلم كل رجل من رجال الوفد بشأن نفسه وكان الأحنف آخر من سيتكلم فقام وحمد الله وصلى على النبي وأثنى على عمر ثم قال: يا أمير المؤمنين إن أهل الشام نزلوا منازل أهل قيصر، وإن أهل مصر نزلوا منازل فرعون وأصحابه، وإن أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى ومصانعه في الأنهار العذبة والجنان الحسنة، وفي مثل عين البعير وأتتهم ثمارهم قبل أن يحصدوا، وإن أهل البصرة نزلوا في سنحة نشاشة لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها، طرفها في بحر أجاج وطرفها بالفلاة لا يأتينا شيء إلا في مثل مدى النعامة، فارفع خسيستنا ولا تفشي وقيصتنا وزد في رجالنا رجالاً وفي عيالنا عيالاً، وأصغر درهمنا وأكبر فقيرنا، فقال عمر للقوم: أعجزتم أن تكونوا مثل هذا؟ .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"